إعلان

خالد داود يكتب لمصراوي.. في فهم الديمقراطية

خالد داود يكتب لمصراوي.. في فهم الديمقراطية

01:18 م السبت 24 أغسطس 2013

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم- خالد داود:

من بين مئات المقالات التي سعت لمتابعة وتحليل تطورات المشهد المصري في الصحف العالمية، لفت انتباهي تقرير كتبه أحد مراسلي مجلة نيويوركر الأمريكية الشهيرة تحت عنوان ''مصر تتخطى الحدود الفاصلة،'' وذلك لأنه وضع يده على ما أعتقد أنه جوهر المشكلة التي نواجهها في مصر منذ الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في 11 فبراير 2011، وهي مفهوم الأطراف الثلاثة الرئيسية الفاعلة على الساحة السياسية منذ ذلك الوقت للديمقراطية: الدولة القمعية السلطوية القائمة منذ ستون عاما والتي تقاوم بكل قوة أي سعي للحد من نفوذها وهيمنتها والتي ازدادت تغولا في سنوات مبارك الثلاثين الأخيرة، جماعات الإسلام السياسي وفي مقدمتها الإخوان المسلمين، وتجمع واسع من الشباب والأحزاب والجمعيات يجمع بينهم ما يقولون أنه مبادئ ثورة 25 يناير والسعي لإقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة تتناقض بالتأكيد مع الدولة القمعية القديمة، والدولة الفاشية الدينية التي فشل الإخوان في إقامتها.

واسمحوا لي بهذا المقتطف الطويل الذي قمت بترجمته من مقال النيويوركر. يقول كاتب التقرير بيتر هيسلر: ''أحد الجوانب المأساوية في الربيع العربي المصري هو أن الكثير من الأخطاء التي تم ارتكابها، تمت بناء على تفسيرات خاطئة لما يجب أن تكون عليه الديمقراطية. وعلى مدى عامين ونصف العام، سيطرت خلالهم جماعة الإخوان على المجالس التشريعية والرئاسة، كان قادتهم مهووسون في الإشارة بشكل متكرر إلى ''صندوق الانتخاب،'' معتقدين أن الانتصار في انتخابات حرة ونزيهة يعطيهم الحق في إدارة شئون الحكم كما يشاءون. وفي الواقع، فإن حجم الدعم الذي يتمتع به الإخوان لم يكن في أي وقت عميقا للغاية، وفي أول جولة من الانتخابات الرئاسية في مايو 2012، كان نصيب مرسي أقل من 25 في المائة من التصويت الشعبي.

''ولكن مرسي وقادة الإخوان تصرفوا وكأن لديهم تفويض للقيام بما يشاءون. ولم يقوموا بإبداء أي تفهم للعناصر الأكثر أهمية وعملية في مفهوم الديمقراطية، وفشلوا في التوصل لأي تسويات أو بناء أي تحالفات مع الجماعات الأخرى. أما طريقتهم في الحكم، فكانت مجردة ونظرية. وبدا غريبا أن منظمة كالإخوان بنت سمعتها على أنها تنظيم يعمل مع القواعد على الأرض، تصرفت وكأنها منفصلة عن واقع ما كان يحدث بالفعل في مصر.

''وهذه الصفة ازدادت سوءا بعد عزل مرسي في 3 يوليو. وعلى مدى الشهر والنصف الماضيين، كانت الاستراتيجية الأساسية للإخوان (في رابعة العدوية) توجيه المناشدات للصحافة الأجنبية والبعثات الدبلوماسية. ومن ناحية ما، فلقد بدت هذه استراتيجية فاعلة: فالجماعة تحظى بالفعل بقوة الموقف الأخلاقي مع الوضع في الاعتبار أنهم يدافعون عن حكومة منتخبة أزاحها إنقلاب عسكري، وأن قائدها محتجز في مكان غير معلوم. ولكن عزلتهم ازدادت وبشكل خطير عن التوجهات الأساسية في المجتمع المصري، ووسائلهم القائمة على تعطيل المرور في القاهرة خلقت لهم المزيد من الأعداء في العاصمة.

''وفي نفس الوقت، فإن الجيش تطرف في تبني التوجه المعاكس. واتبع استراتيجية شعبوية تم فيها استخدام طلعات طائرات الهيلكوبتر والتلويح بالأعلام لعامة المصريين، والذين، وبعد عقود من الحكم العسكري، يستجيبون بشكل إيجابي لهذه الرموز. ومنذ البداية أصر الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع على أنه ينفذ إرادة الشعب. ولو تم النظر للأمور بشكل مجرد، فهذا الزعم حقيقي، ولا يوجد شك أن غالبية المصريين كانت تدعم خروج مرسي من السلطة، تماما كما كان الكثيرين يرون في الاعتصامات والمظاهرات مصدرا للضيق. ولكن مع سعي الجيش لتلبية ما يريده الناس، فلقد قام بدهس قيم ديمقراطية جوهرية هي: أهمية المسار القانوني وضرورة حماية أصوات الأقلية.''

انتهى المقتطف الطويل، والذي أود أن أخلص منه إلى التعريف المحدود الذي قدمه الكاتب عن مفهوم الديمقراطية: أهمية إقامة دولة القانون، وحماية حقوق أي أقلية، سياسية أو دينية غالبا، في الاحتفاظ بمعتقداتها والتعبير عن آرائها بحرية طالما التزمت بالقاعدة التي لا يمكن التنازل عنها وهي: السلمية. وأعتقد أن الالتزام بهذان المفهومان تحديدا هو أكثر ما نحتاج له في مصر هذه الأيام. نعم ارتكب قادة وأفراد من الإخوان جرائم يستحقون المحاسبة عليها بدون أدنى شك، وحملوا سلاحا، واشتبكوا مع مواطنين عزل مما أدى لمقتل عدد كبير من الأبرياء، سواء أمام مقر مكتب الإرشاد في المقطم في 30 يونيو، ومرورا باشتباكات عبدالمنعم رياض والمنيل وبين السرايات في 5 يوليو ، وكذلك في محافظات أخرى كالإسكندرية وبني سويف والفيوم والمنيا وسوهاج والشرقية والدقهلية. هذه جرائم تتعامل معها دولة القانون.

ولكن في نفس إطار دولة القانون هذه، وما يتلازم معها من حماية حقوق الأقليات، لا يمكن اتخاذ تلك الجرائم مبررا لاستخدام العنف المفرط لدى التعامل مع مظاهرات أنصار الإخوان، وقتل مواطنين عزل لمجرد أنهم تواجدوا بين تجمعات قد تضم عدد محدود من المسلحين، او شن حملات اعتقال عشوائية وتوجيه اتهامات يبدو الطابع السياسي غالبا عليها أكثر من الجانب الجنائي. وبالطبع لا يجب ولا يمكن المداراة على مأساة مقتل 36 مصريا خنقا بالغاز المسيل للدموع في عربة ترحيلات أمام سجن أبوزعبل لمجرد أنهم أعضاء في جماعة الإخوان.

والالتزام بهذه الحدود الفاصلة ليس نابعا طبعا من الشعور بالتعاطف مع الإخوان، خصوصا مع يقيني أنهم لو كانت قد انصاعت لهم الأجهزة الأمنية العصية من شرطة وجيش، لما توانوا مطلقا عن استخدام أبشع وسائل التنكيل بمعارضيهم من اليسار والليبراليين. ولكن هو تعبير عن رغبة حقيقية في السعي نحو البدء في تنفيذ أهداف ثورة 25 يناير، وخاصة العدالة الاجتماعية وتحسين مستوى معيشة المواطنين المرهقين، واستعادة الهدوء إلى المجتمع المصري وانتهاء حالة الاحتقان والاستقطاب الشديد القائم حاليا.

وفي هذا الإطار لا بد من البحث عن مقترحات عملية تتجاوز الرغبة الانتقامية لرموز دولة مبارك القديمة من الإخوان، والذين يتطلعون للانتقام لاحقا من كل من أيد  ثورة 25 يناير التي يودون الغاءها من القاموس. واسمحوا لي أن انتهي أيضا باقتباس من بيان أصدره الحزب الديمقراطي الاجتماعي تأييدا للمبادرة السياسية التي أطلقها الدكتور زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء مؤخرا. ويشير البيان إلى، ''التأكيد على أن الحل الأمني لا يحل محل العملية السياسية خصوصا خلال المرحلة الانتقالية وذلك لإرساء الأساس لدولة مدنية ديمقراطية حديثة. كما أن غياب الحوار السياسي سيؤدي إلى تفاقم الوضع المتوتر بالفعل على الصعيدين الوطني والدولي، وربما يضع الأساس لعودة الدولة البوليسية وانتهاكات حقوق الإنسان التي كانت قامت ضدها  ثورة 25 يناير وانتفاضة 30 يونيو.''

إعلان

إعلان

إعلان