إعلان

الرصاصة

الرصاصة

04:12 م الثلاثاء 09 يوليو 2013

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم – أحمد الشمسي:

على المخرطة الآلية يجلس، يُشكل تلك القطعة من الرصاص، ثم يضع عليها غلافا نحاسيا، لتتشكل الرصاصة.

يشد أجزاء السلاح، ثم ينظر عبر المثقاب، فيرى رؤوسا وأدمغة، تتخلل تلك الرصاصة شهوة جذب الزناد، فيجذبه.

تخرج الرصاصة وهى تعرف طريقها جيدا، تخترق كل حواجز الصوت، حتى تستقر في ذلك الحاجز الدماغي، تخترقه أو تستقر.

شريط سينمائي لذكريات الشخص في طفولته، مرورا بالمراهقة، ثم مرحلة التعقل، فالزواج، ثم الفرحة بأول مولود، ابتسامة تلوح في الأفق، ترتسم على الجبين الساخن.

القلب يضخ دما، ينبض وينبض، فيضح ويضخ، تقل النبضات، فيقل الضخ، تنسحب الروح تدريجيا، فتتصلب الشرايين رويدا رويدا، اللهم إلا شريانا واحدا تنزف منه الدماء بغزارة، فتساعد الروح على الصعود إلى بارئها.

يتذكر وقت أن حصل على شهادته الجامعية، ليعود مفتخرا إلى بلدته داخل قريته داخل المندرة الصعيدية الأصيلة وابتسامة ترتسم على وجه الأب ''مبرووك''.

برودة في أنحاء الجسد، الجميع يلتفون حول ذاك الجسد الذي خلقه الله فأبدعه في أحسن تقويم، بينما يضع أحدهم يده على موضع الجرح النازف، عله يُغلق ماسورة الدماء، فيفشل.

يتذكر مشاجرة بينه وبين ''عيال'' الجيران بسبب الصوت العالي من لعب ''الكورة'' في الشارع فلا يستطيع أن يغفو.. الآن تغفو وترقد بسلام فلا تشعر بأي من هموم الدنيا.

مدخل الرصاصة يكون بعرض قطر قلم الرصاص أما المخرج فأحيانا يكون بعرض قطر البرتقالة لأن الرصاصة تدخل بشكل لولبي وعندما تخرج تأخذ معها ماكان ورائها من أنسجة وتدفعه للخارج بشكل شبه انفجاري.

الوجه ملطخ بشكل كامل بالدماء، تنسال منه قطرات عديدة صوب باقي الجسد، أيمكن للجلد ان يستشربها من جديد فتمتصها الأوردة والشرايين فينبض القلب فيضخ الدم فتعود سخونة الجسد.

كل ما يدور حول الجسد المتراخي، كلمات، استنكارات، تصريحات، ادانات، شجب، اتهامات متبادلة لا تصيب الجسد فتُصيبه بإفاقة ما بعد الموت.

الهاتف يرن، فترد الزوجة، يقع الهاتف من يداها، وتحاول التماسك في حمل رضيعها، تنهمر الدموع، تنظر إلى فلذة كبدها فتخاطبه بكلمات لا يعيها سوى سيدنا ''عيسى'': ''أبوك مات''.

يُنبه إمام المسجد ''يا جماعة صلاة الجنازة مفيهاش ركوع.. أربع تكبيرات تتخللهم الأدعية.. في بعد التكبيرة الأولى الفاتحة، وبعد الثانية النصف الأخير من التشهد، وبعد الثالثة الدعاء للميت، وبعد الرابعة الدعاء للمتوفيين كافة''.

لا يظهر وجهه أبدا، مطمور هو ومُكفن بالرداء الأبيض، من أعلى وجهه حتى أسفل قدميه، رائحة المسك والطيب تفوح، الدموع تنهمر، يوارى خلف الثرى، وبرويه لصوت الأدعية التي تترحم عليه.

تحريض آخر، على عنف آخر، في موقعة أخرى، من قيادة أخرى، يشد أجزاء السلاح، ثم ينظر عبر المثقاب، فيرى رؤوسا وأدمغة، تتخلل تلك الرصاصة شهوة جذب الزناد، فيجذبه.

إعلان

إعلان

إعلان