إعلان

ثروت الخرباوي يكتب: من داخل غرفة الإعدام

ثروت الخرباوي يكتب: من داخل غرفة الإعدام

10:20 م الثلاثاء 26 مارس 2013

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يقول بعضنا: إن الله هو المنتقم! فهل هذا صحيح؟ وهل ''المنتقم'' من أسماء الله الحسنى؟ لم يرد فى القرآن ''المنتقم'' كاسم من أسماء الله الحسنى، الله أعلى وأجل وأعظم وأكرم من أن يكون اسمه المنتقم، ولكن ورد فى القرآن أن الله ''عزيز ذو انتقام'' وفارق كبير بين هذا وذاك، كما لم يرد فى القرآن أن ''الماكر'' من أسماء الله الحسنى، ولكن ورد ''والله خير الماكرين'' وفارق كبير بين هذا وذاك.

فالرحمن والرحيم اسم وصفة لله سبحانه، الرحمة لازمة لذاته، مثلها مثل السميع والبصير والقادر، فكل هذه أسماء وصفات لازمة لذات الله لا تنفك عنه، ولكن ''ذو انتقام'' هى صفة لفعله ولكنها ليست لازمة لذات الله، فالله ينتقم من هذا الظالم، ليعطى للمظلوم حقه، لا لمجرد الانتقام، والله لا ينتقم لنفسه، نحن فقط بنى البشر الذين ننتقم لأنفسنا ولكن الله أعلى وأعظم من أن يثأر لنفسه من أحد من خلقه، ولكنه ينتقم من هذا لذاك ليقر العدل بين الخلائق، ولأن دروس الحياة تضع أمام أعيننا المعرفة، فقد رأيت من هذه الدروس رحمة الله وحكمته، وأدركت طبيعة انتقامه كفعل من أفعاله يـُقر به العدل لا كصفة لذاته.

فذات يوم كنت أتحاور مع أصدقائى عن الظلم والظالمين، وكان أحد الأصدقاء صامتاً وكأنه لا يرغب فى الحديث، فقلت له: لماذا لا تدلى بدلوك فى حوارنا؟ ابتسم الصديق ابتسامة باهتة وقال بصوت خافت مبحوح وكأنه يحدث نفسه: يا ويل الظالم، والله إنى لأشفق عليه من انتقام الله، ثم استرسل بعد أن احدودب إلى الأمام ونظر بوجهه إلى الأرض: جاء لى أحد المتقاضين متهماً فى جريمة قتل، وتضافرت الأدلة ضده، وكان تضافر الأدلة قد أثار ريبتى، إذ لا يعقل أن يجتمع هذا الحشد من الأدلة ضد أحد المتهمين، خاصة أن هذا المتهم كان من الذكاء بحيث يسهل عليه تدبير أمر الجريمة- إن كان هو الذى فعلها- بشكل أكثر دقة وأقل خطأ فيتحاشى أن تحاط به الشكوك، وظل هذا المتهم يقسم لى بأغلظ الأيمان أنه برىء وأنه لم يرتكب هذا الجرم!! فكان أن قبلت المرافعة فى القضية،

وبجلسة المرافعة طلبت من المحكمة سماع شاهد نفى، ذلك أن شخصاً تربطه بالمتهم صلة قرابة كان معه وقت ارتكاب الجريمة فى مدينة أخرى تبعد عن المدينة التى وقعت فيها الجريمة بمسافة لا تقل عن ثلاث ساعات بالسيارة، واستجابت المحكمة لطلب سماع شاهد النفى وأجلت الدعوى لحين حضوره، إذ كانت شهادته تمثل حجر الزاوية فى القضية، وبالجلسة المذكورة انتظرت الشاهد على أحر من الجمر ولم يحضر، وكانت الكارثة أن وصل إلينا من ينعى الشاهد ويخبرنا بوفاته صباح الجلسة فى حادث بشع احترقت فيه سيارته، مما أدى إلى تفحم جثته!! ولم يكن من بد سوى المرافعة، وفى آخر الجلسة أصدرت المحكمة قرارها بإحالة أوراق المتهم إلى المفتى، ثم بعد أن جاء رأى المفتى أصدرت المحكمة حكمها بإعدام المتهم شنقاً، وقبل تنفيذ العقوبة ذهبت لزيارة المتهم وكلى أسف على مصيره،

ذلك أنه سيعدم على جريمة لم يرتكبها، وفى حجرة الزيارة عندما انفردت بذلك البائس التعيس أبديت له أسفى الشديد وأخذت أواسيه ويا لعجبى!! وجدته رابط الجأش مبتسماً غير آبه بمصيره، فقلت فى نفسى لعلها لحظات إيمانية اجتاحت مشاعر الرجل قبل تنفيذ العقوبة فقلت له: لقد ظلموك. ولدهشتى فوجئت به يقول بصوت مبحوح: لم يظلمنى أحد فالحكم صحيح. فقلت له وقد اقشعر بدنى: أقتلت هذا الرجل فعلاً؟!.

قال: لا لم أقتله، كنت بريئاً بخصوص هذه الجريمة، ولكننى يا سيدى قبلها بعام اقترفت جريمة قتل فقتلت شخصاً كانت بينى وبينه خصومة، ودارت الشبهات حولى، ولكننى أفلت بسبب شهادة شاهد النفى الذى احترق فى سيارته!! فقد شهد زوراً أننى كنت معه فى مدينة تبعد عن المدينة التى وقعت فيها الجريمة بمسافة لا تقل عن ثلاث ساعات بالسيارة، وبسبب هذه الشهادة تم قيد الواقعة ضد مجهول!! وهذه المرة لم أرتكب الجريمة وكنت مع الشاهد فعلًا، هذه المرة كان سيشهد بالعدل ولكن الله لم يمهله وانتقم منى ومنه ليـُقر العدل، أليس الله عادلا.

إعلان

إعلان

إعلان