إعلان

شباب الثورة وأهل الخبرة

شباب الثورة وأهل الخبرة

11:10 ص الخميس 05 يوليو 2012

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - مصطفى الفقي :

إن أخشى ما أخشاه على هذا الوطن المنهك والذى تجاوز عوارض الزمان وأزمات التطور عبر تاريخنا الطويل من ذلك الجدل الذى يدور فى حلقة مفرغة منذ اندلاع ثورة ٢٥ يناير حيث يبدو الوطن المصرى وكأنه فى حالة ''محلك سر'' فلقد أضعنا من الوقت وبذلنا من الجهد ما لم يحقق النتائج المنشودة، ولعل أكثر ما يزعجنى هو أن النظام السابق قد قام بعملية تجريف لكثير من الخبرات وحرم الوطن من عدد لا بأس به من الكفاءات، ومن غير المتصور أن نأتى بعد الثورة لنمارس شيئاً من ذلك ونعود من جديد إلى إقصاء خبرات رفيعة وقدرات رصينة بدعاوى هزيلة ومن منطلقات انتهازية بحتة، فالوطن أحق بكل أبنائه بغير استثناء وهو أيضاً أولى بتجاربهم السابقة وخبراتهم المتراكمة خصوصاً أن القوى الوافدة على مسرح السلطة - رغم اعترافنا بكفاءة بعضها - تعوزهم خبرات لا يجب الاستهانة بها أو طمس وجودها أو الإقلال من شأنها، فلا احتكار للوطنية ولا استئثار بالسلطة فأبناء الوطن متساوون جميعاً لا تفرقة بينهم فى العطاء للأرض الطيبة والحرص عليها، ودعنا هنا نطرح الملاحظات التالية:

أولاً: إن مصر لم تولد يوم ٢٥ يناير ٢٠١١ ولا حتى يوم ٢٣ يوليو ١٩٥٢ فمصر بلد عريق تراكمت لديه الخبرات وتناوبت عليه الكفاءات ولا يجوز تسطيح دورها أو ابتزاز شعبها خصوصُا أن الثورة عمل مجيد ولكنها لا تكفى وحدها، فهى بمثابة الناقوس الذى يؤذن ببدء مسيرة الإصلاح الحقيقى والجذري، ونحن نحترم حماس الشباب ونعتز بدمائهم الطاهرة التى سالت أثناء الثورة فى الميادين والشوارع، ولكننا نقول إن هذه الدماء الزكية هى الثمن الغالى لدولة عصرية حديثة ينعم أبناؤها بالمساواة فى ظل عدالة اجتماعية تحافظ على أرجاء الوطن وفئاته وطبقاته.

ثانياً: إن التواصل بين الأجيال وحركة التطور الطبيعى تلزمنا هى الأخرى بالشراكة الكاملة بين الأجيال فى مسار الحياة مهما كانت الاعتبارات والظروف، فحكمة الشيوخ عندما تلتقى بحماس الشباب فإنها تصنع سبيكة وطنية قادرة على القيادة والريادة ولنأخذ من نموذج التواصل ''الحِرفى'' مثالاً للانتقال من ''المعلم'' إلى ''الصبى''، فالشعلة تظل دائماً مضيئة فى تواصل لا ينقطع وعطاء لا يتوقف، ولقد أصدرت منذ عدة سنوات كتاباً بعنوان ''حوار الأجيال'' حذرت فيه مما يمكن تسميته ''صراع الأجيال'' وآثار ذلك على المستقبل قريبه وبعيده محذراً من الصدام المصطنع بين الشرائح العمرية المختلفة وهم يسيرون على درب واحد فى اتجاه المصالح العليا لأوطانهم.

ثالثاً: إن النغمة التى بدأت تسود بعد ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ محاولة إقصاء البعض أو إزاحة البعض الآخر هى نغمة غير واعية، ذلك أن الديمقراطية الحقيقية هى دولة القانون الذى لا سيادة إلا له ولا التزام إلا به، لذلك فإنه يتعين علينا ألا نجازف بإقصاء خبرة معينة إلا بسندٍ عادل نتيجة حكم واضح يستند إلى صحيح القانون، وإذا أسرفنا فى غير ذلك فسوف نواجه ظروفاً مرتبكة وأحوالاً متوترة لأننا نكون قد قمنا بعملية استثنائية تجعل من البعض أوصياء على البعض الآخر، وهذه أمور صعبة وغير مقبولة لدى معظم الأطراف.

رابعاً: إننا نظن، وليس كل الظن إثماً، أن خلق ''صراع بين الأجيال'' فى مصر هو محاولة خبيثة لضرب الثورة وتغيير مسارها والالتفاف حول مبادئها وإحداث نوع من الفتنة الداخلية التى تطيح برصيدنا من الشخصيات المحترمة والعقول النيرة والأفكار الباهرة وهو أمر يجافى روح الثورة ويتعارض مع أهدافها.

خامساً: إن ما جرى وما يجرى على أرض الوطن يحتاج إلى نوع من المصالحة فى ظل القانون والتسامح إلا فى دماء الشهداء وأموال الشعب، أما محاولات تصنيف الناس وفقاً لاتجاهات معينة فهو أمر مردود عليه فى كل الحالات لأننا شعب واحد متماسك عبر التاريخ ولم يعرف الطائفية أو غيرها من الأمراض التى تعانى منها مجتمعات تحيط بنا، فنحن متجانسون عبر التاريخ متآلفون على مدار القرون لا نعرف الشرذمة ولا العزلة أو الانكفاء.

.. تلك رسالتى أوجهها لشباب الثورة لكى يؤمنوا أن الوطن واحد وأنه لا يجوز المضى وراء التصفيات والمحاولات الاستبعادية لأن مصر كما نقول دائماً هى أكبر وأعرق من ذلك بكثير.

اقرأ ابضا:

رحلة مع سائق بلطجي 2

إعلان

إعلان

إعلان