لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مسؤولية الكاتب

مسؤولية الكاتب

12:01 م الخميس 10 مايو 2012

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم  - د.حسن نافعة :

هل يحق للكاتب أن يفصح، علنا، عن تأييده مرشحاً رئاسياً بعينه؟ وألا يعد ذلك دعاية مستترة ومحاولة من جانب الكاتب لاستغلال موقعه لممارسة تأثير غير مشروع على قارئ الصحيفة التى يكتب فيها؟ تلك كانت أهم الأسئلة التى أثيرت فى إطار النقاش الدائر حول مقال «مصر تبحث عن رئيس». ولأن المقال المشار إليه كان فى الأساس محاولة من جانبى لتقديم تحليل عام لخريطة المتنافسين على منصب الرئاسة، وخلصت فيه إلى أن الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح ربما يكون الأنسب من بين المرشحين للمنصب لتولى مسؤولية القيادة السياسية فى مصر فى المرحلة الراهنة، فقد رأى البعض فى هذا الاستنتاج نوعاً من الدعاية غير المشروعة لـ«أبوالفتوح».

لتوضيح موقفى من هذه القضية، أبدأ بالقول إن تأثير الكاتب، حين يخاطب قراءه، يختلف اختلافاً بيناً عن تأثير رجل الدين حين يعتلى منبره، وعن تأثير القاضى حين يعتلى منصته، وعن تأثير القائد العسكرى حين يخاطب جنوده فى الميدان. ولأن غايته هى التنوير والتثقيف، بطرح آراء أو وجهات نظر وليس بإصدار فتاوى أو أحكام أو أوامر، فمن الواضح أن الكاتب لا يملك فى مواجهة قارئه سلطة يمكن أن يخشى عليه من سوء استعمالها. أما احتمالات تأثير الكاتب على قرائه فمرهونة، ليس فقط بقوة ما يملكه الكاتب من منطق وحجة وقدرة على الإقناع، وإنما أيضا بمستوى تعليم وثقافة وعقلية القارئ نفسه. فإذا تضمن ما يطرحه الكاتب على قارئه من آراء ووجهات نظر، إفصاحا عن اسم مرشح ينوى التصويت له، أو حتى دعوة صريحة لمساندة مرشحه المفضل، فإنه لا يكون قد ارتكب بذلك - فى تقديرى - مخالفة قانونية أو أخلاقية، وذلك لسبب بسيط، هو أن بوسع القارئ دائما أن يتفق أو يختلف مع ما يطرحه الكاتب وأن يقبل أو يرفض ما يدعو له، دونما فرض أو إكراه. أما القول إن التسليم بحق الكاتب فى التعبير عن رأيه لا يبيح له الحق فى توظيف النافذة التى يطل منها على القراء فى صحيفة واسعة الانتشار للدعوة إلى انتخاب مرشح بعينه، فيمكن الرد عليه بما يلى:

١- ضرورة الاعتراف بحق كل كاتب فى اختيار الطريقة التى يعبر بها عن وجهة نظره دون تدخل من جانب هيئة تحرير الصحيفة التى يكتب فيها، وترك الحكم على ما يكتبه للقارئ وحده.

٢- ضرورة الاعتراف بحق هيئة تحرير الصحف نفسها فى تبنى السياسة التى تراها، بما فى ذلك تأييد مرشح بعينه، دون مصادرة على حق كتابها فى تبنى موقف مخالف، مع تحمل ما قد يترتب على هذه السياسة من نتائج. ولأن هذا الحق تحول إلى تقليد مستقر فى كبريات الصحف العالمية، مثل «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز»، فليس هناك أى غضاضة فى الاعتراف به ومحاولة تثبيت دعائمه فى مصر فى مرحلة التحول الديمقراطى.

حين يقرر الكاتب الإفصاح عن موقفه من المرشحين فى انتخابات رئاسية حساسة كهذه، فإنه يختار الأصعب، لأنه قرار يعرضه لانتقادات عديدة من جانب القراء المؤيدين لمرشحين آخرين أو من جانب المرشحين أنفسهم، الذين قد يكون من بينهم أصدقاء شخصيون للكاتب نفسه، وهو ما حدث بالفعل. ورغم أن ردود الأفعال هذه كانت متوقعة فإنها لم تكن لثنينى أبدا عن الطريق الذى اخترته، وذلك لعدة أسباب:

أولها: يتعلق بتركيبتى الشخصية، التى تميل إلى اتخاذ مواقف واضحة لا تحتمل أى لبس، حتى لو اضطرتنى للدخول فى مواجهات أو معارك، طالما كنت مقتنعا بصحة هذه المواقف، مع استعداد كامل لتحمل عواقبها.

وثانيها: يتعلق بخطورة المرحلة التى تمر بها البلاد حالياً، التى لا تحتمل، فى تقديرى، أى مواقف رمادية، ويحتاج تجاوزها إلى قدر كبير من نكران الذات وتغليب المصالح العامة للوطن على أى مصالح أو طموحات شخصية أو حزبية.

ثالثها: احترام حق القارئ فى المعرفة، وفى أن يكون الكاتب صادقاً وشفافاً معه. ولأن أسئلة مباشرة حول مرشحى المفضل وجهت إلىَّ من جانب العديد من القراء، لم يكن أمامى سوى الاختيار من بين بدائل ثلاثة: تجاهل الأسئلة الموجهة إلىَّ، أو تقديم إجابات مراوغة لا تلزمنى بشىء، أو البوح بما أفكر فيه بكل وضوح وصدق. وقد اخترت البديل الثالث بكل اقتناع.

بقى أن أقول إن انحيازى للدكتور أبوالفتوح لم يكن لأسباب أو اعتبارات أيديولوجية أو شخصية، لكنه موقف بنى على حسابات سياسية تدور حول رؤية واضحة ومحددة لمصالح مصر الوطنية فى المرحلة الراهنة. وتلك نقطة تحتاج مزيداً من الشرح، ومن ثم قد نعود إليها لاحقاً.

اقرأ أيضا :

إدارة الصراع السياسى فى المرحلة الراهنة (2-3)

إعلان