إعلان

مطلوب التحقيق فى دور المجلس العسكرى

مطلوب التحقيق فى دور المجلس العسكرى

10:19 ص الإثنين 06 فبراير 2012

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم- حمدي قنديل:

من أبرز المظاهر الفريدة للسنة الأولى للثورة تشكيل لجان تقصى الحقائق حتى إنها أصبحت تتشكل بمعدل لجنة كل شهر تقريباً، وربما تزداد هذه الوتيرة بعد انعقاد مجلس الشعب الذى يبدو أنه قرر أن ينهج المنهج ذاته عندما افتتح أعماله بتشكيل لجنة لتقصى الحقائق فى ملف شهداء ومصابى الثورة، ثم كلفها فيما بعد بالتحقيق فى جريمة استاد بورسعيد.. المدهش أن أياً من التحقيقات الرسمية التى ارتكبت ضد الثورة والثوار لم يتوصل إلى الحقيقة حتى الآن، وليس هناك من تفسير لذلك سوى أن هناك سلطة طاغية تحول دون اكتمال التحقيقات أو دون الكشف عن نتائجها لأن أصابعها ملوثة بالدماء الزكية التى سالت فى هذه الجرائم، هذه السلطة هى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى يتولى حكم البلاد دون سند دستورى أو قانونى.

التحقيقات يجب أن تتجه أولاً إلى هذا المجلس للبحث عن مسؤوليته السياسية وربما الجنائية أيضاً، بدءاً من موقعة الجمل وفى المجازر التى تتالى وقوعها منذ تولى السلطة، من ماسبيرو إلى مسرح البالون إلى وزارة الدفاع إلى السفارة الإسرائيلية إلى محمد محمود إلى مجلس الوزراء إلى قصر العينى إلى بورسعيد، وما واكبها من جرائم فى الأقاليم، خاصة فى السويس والإسكندرية وغيرهما، وكذلك مسؤوليته بصفة خاصة عن سلخانة تعذيب الثوار فى أقبية مبنى البرلمان، وعن اختبارات كشف العذرية، وعن سحل الفتيات المتظاهرات، وهى الجرائم التى لم تسئ إلى المجلس بقدر ما أساءت إلى شرف العسكرية المصرية.

هذه الجرائم ترجع فى الأساس إلى فشل المجلس الذريع فى إدارة البلاد فى الفترة الانتقالية ليس فقط بسبب نقص الخبرة ولكن أيضاً بسبب الدلائل المتزايدة على سوء النية، أى بسبب تواطئه مع القوى المناهضة للثورة التى تعمل لحساب نظام الفساد والاستبداد المخلوع. أول ما يجب أن يجرى التحقيق فيه هو صلة المجلس العسكرى بالنظام البائد، وهنا لابد من أن يتم الفحص بدقة فى خبايا أيام مبارك الأخيرة ودور المجلس فيها بالتحديد، وألا يترك تأريخ تلك الفترة الحساسة من تاريخ مصر لصحفيين من أذناب النظام السابق، وأن تسلم كل الوثائق والتسجيلات الخاصة برئاسة الجمهورية وقيادة الجيش ومباحث أمن الدولة المنحل وقيادة الحزب الوطنى بهذا الخصوص إلى الجهة التى ستكلف بالتحقيق إن لم يكن قد تم إخفاء هذه الوثائق بعد بواسطة المجلس ذاته، أو بواسطة تابعين له معروفين أو مجهولين، أو بواسطة زكريا عزمى الذى تُرك طليقاً يمارس مهام منصبه لمدة ثلاثة أشهر بعد قيام الثورة، أو بواسطة ضباط بعينهم فى أمن الدولة.

أغلب الظن أن بقايا هذه الوثائق فى حوزة جهاز المخابرات العامة الآن أو أنها يجب أن تكون فى حوزته، والمؤسف أن مسلك الجهاز فى قضية الرئيس المخلوع لا يوحى بالثقة، إذ امتنع عن تقديم المعلومات التى طلبتها منه النيابة العامة بمبررات واهية، كما أن وزارة الداخلية هى الأخرى تنصلت من تقديم معلومات إلى النيابة، وهو الأمر الذى يوجب تقديم المسؤولين عن هذه الأجهزة إلى المحاكمة.

فى جلسة مجلس الشعب يوم 24 يناير دعا النائب سعد عبود إلى التحقيق مع جهاز المخابرات فى هذا الخصوص، إلا أن أحد نواب الأغلبية اعترض على ذلك بدعوى أن اللائحة الداخلية للمجلس لا تبيح للبرلمان التحقيق مع الجهاز، وهنا فإن السؤال يثور عما إذا كان الجهاز محصناً من أى مساءلة، وعما هى إذن الوسيلة لمساءلته ومساءلة غيره من الأجهزة المسماة عادة بـ''الأجهزة السيادية''، ومن ذا الذى يستطيع إذن مساءلة المجلس العسكرى ذاته.

فى الأسبوع الماضى بدأ بعض أعضاء البرلمان يطالبون على استحياء بمثول المجلس العسكرى أمامهم لسؤاله فى مذبحة بورسعيد، وربما يكون الأكثر حكمة بالنسبة للمجلس العسكرى، وهو قابض على السلطة الآن، أن يبلغ مجلس الشعب بأنه مستعد على الفور للمساءلة فيما يوجه له من اتهامات بشأن جميع الأحداث الدامية التى وقعت منذ اشتعال الثورة قبل أن تتزايد المطالبات بذلك من النواب وقبل أن تتزايد الضغوط عليهم من القوى الثورية.. وربما أسهمت هذه المبادرة فى تخفيف حدة الاتهامات أو فى إيجاد مخرج كريم له منها.. وكل تأخير فى هذا الخصوص سيوسع نطاق المساءلة رغم حرص رئاسة مجلس الشعب الواضح على لملمة الأمور وتفادى الاصطدام مع العسكر.

الذى أراه فى الأفق أنه إذا لم يعجل المجلس العسكرى بتوضيح موقفه فى هذا الخصوص فسوف ينجر مجلس الشعب عاجلاً أو آجلاً، ربما قبل أن يبدأ وضع الدستور، إلى مناقشة الأمر الشائك المتعلق بوضع القوات المسلحة ككل ضمن مؤسسات الدولة، وعلاقتها بالمؤسسات الأخرى، ومراقبة أعمالها ومراجعة ميزانيتها، بل يجرنا أيضاً إلى الأصول التى يمتلكها الجيش فى القطاع المدنى، وإلى رواتب ومخصصات أعضاء المجلس العسكرى وإقرارات ذمتهم المالية.

عندئذ سيحاسب المجلس العسكرى على مجمل سياساته فى الفترة الانتقالية، ليس فقط فيما يتعلق بالشؤون الداخلية ولكن أيضاً بالشؤون الدولية.. والواقع أن من حق الشعب أن يعرف لماذا تقزم الدور المصرى فى الخارج تحت حكم المجلس تماماً كما كان أيام مبارك، ولماذا تقاعست مصر عندما قتلت إسرائيل الجنود المصريين فى سيناء، ولماذا كانت سياستها باهتة أمام الأحداث فى جوارها الليبى وفى سوريا واليمن، ومن حقه أيضاً أن يعرف خبايا علاقاتها مع أمريكا.. أما فى الشأن الداخلى فإن الأسئلة بلا حصر: لماذا التراخى فى استعادة أموال مصر المهربة؟ لماذا يعامل ''مبارك'' رغم كل جرائمه معاملة خاصة؟ ولماذا يحاكم فقط على رشوة الغاز وإطلاق النار على المتظاهرين ولا يحاكم على الإفساد فى الأرض والحنث باليمين الدستورية؟ لماذا لا تطهر مؤسسات الدولة من حثالة العهد البائد؟ لماذا توجه الاتهامات بالعمالة لبعض الجماعات التى شاركت فى الثورة؟ لماذا لم يتم الكشف عن الطرف الثالث، اللهو الخفى، إذا ما كان هناك بالفعل لهو خفى؟ لماذا التخبط فى مسار الفترة الانتقالية ولماذا كان الاستفتاء على مواد الدستور ثم الإعلان الدستورى الذى نسف الاستفتاء؟ لماذا لم تتم هيكلة وتطهير جهاز الشرطة ولماذا تفاقم الانفلات الأمنى؟ لماذا لا يعزل النائب العام؟ لماذا لا يعتقل أذناب عهد الفساد والاستبداد؟ لماذا انهار الاقتصاد... ولماذا... ولماذا؟

هذه كلها أسئلة حان الوقت للكشف عن إجاباتها، تدفعنا إلى ذلك محاولة تدارك أن تنهار الأوضاع فى البلاد بأكثر مما انهارت نتيجة لسياسات المجلس العسكرى، بل خشيتنا أيضاً من أن تكون الأحداث التى وقعت منذ قيام الثورة وانخراط الجيش كطرف رئيسى فيها قد أدت إلى خلخلة فى المؤسسة العسكرية ذاتها.

مصر تمر الآن بأخطر فترة فى تاريخها بعد الثورة، والأحداث الأخيرة تؤكد أن البلاد تسير بقياداتها الحالية نحو الهاوية، ولا مجال لتفادى ذلك إلا بأمرين، الأمر الأول أن يتنحى المجلس العسكرى عن السلطة بترتيب محكم يضمن ألا يفلت الزمام، أما الأمر الثانى فهو أن يخضع الكل للمساءلة حتى أكبر رأس فى البلد.. لا أحد فوق القانون، لا سيادة حتى لمؤسسات السيادة.. السيادة للشعب وللثورة.

اقرأ أيضا:

شرعية الميدان وشرعية البرلمان

إعلان

إعلان

إعلان