ملتقى الفكر الإسلامي: القرآن الكريم يربي المسلم على التربية الرشيدة والتفاؤل والإيجابية
القاهرة- (أ ش أ):
أكد المشاركون في ملتقى الفكر الإسلامي أن القرآن الكريم يشتمل على "دستور دساتير" التربية الرشيدة ويربى المسلم على التفاؤل والحيوية والإيجابية ، ويؤكد أن التفاؤل صناعة إسلامية بامتياز، وكان سلوك ملازمٌ للنبي (صلى عليه وسلم) ومُتأصِّل فيه ، والمسلمُ مأمور بحسن الظن بالله تعالى ، ويجب أن يقترن بالجدية والعمل ، وأن أحوج ما تحتاجه الأمة اليوم هو زرع فقه التفاؤل في نفوس النشء والشباب ، واليأس لا يتمكن إلا من الضعيف الذي يهزمه الشيطان في عراك الحياة.
جاء ذلك في الحلقة الثامنة عشرة لملتقى الفكر الاسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - تحت رعاية وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، في إطار التعاون والتنسيق بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة الوطنية للإعلام ؛ لنشر الفكر الإسلامي الصحيح ، ومواجهة الفكر المتطرف ، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وجاءت بعنوان: "التفاؤل" ، وحاضر فيها كل من الدكتور أحمد علي سليمان عضو بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ، والشيخ محمود الأبيدي إمام المسجد الكبير بمدينتي.
وأشاد الدكتور أحمد علي سليمان عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - في كلمته - بالجهود الحثيثة التي تقوم بها وزارة الأوقاف تحت رعاية الوزير الدكتور محمد مختار جمعة ، في خدمة الدين والوطن من خلال الأنشطة النوعية والتوعوية الجديدة التي تقوم بها في رمضان.
وقال سليمان أن التفاؤل صناعةٌ إسلامية بامتياز ، وأن القرآن الكريم هو دستور التربية الرشيدة، ويربي المسلم على التفاؤل والحيوية والإيجابية، لافتا إلى أن المرء حين يستفتح القرآن فإنه يتجد التفاؤل من أول لحظة فأول آية فيه (بسم الله الرحمن الرحيم) هي عنوان التفاؤل، ذلك أن الاستهلال الدائم للقرآن يكون بالاستعانة بالله، وتجد التفاؤل في أول كلمة من الفاتحة (الحمد لله) على نعمه ومننه وخيراته التي لا تحصى ولا تعد، وإذا سبحنا في بحار القرآن؛ لوجدنا مئات الآيات التي تمنح الإنسان التفاؤل والقوة، فتزيد المؤمن قوة إيمان، وقوة رضا، وقوة يقين، كما أن التفاؤل له أسرار خفية، وأنوار جلية، نستلهمها على الدوام من إشعاع القرآن.
وأشار إلى أن التفاؤل هو ميلٌ أو نزوعٌ نحو النظر إلى الجانب الأفضل للأحداث أو الأحوال، وتوقعُ أفضلِ النتائج .والتفاؤل في حياة الإنسان لا يقل أهمية عن الطعام والشراب، فإذا كان الطعام والغذاء وقودَ الجسم؛ فإن الأمل والتفاؤل وقودُ النفس، والقلب، والعقل، والروح، والوجدان، ومن ثم لا يمكن أن نتصور حياة سليمة، ولا تجديدًا، ولا إبداعًا، ولا بناء من دون أمل، وعمل، ورغبة في الحياة، وهكذا فإن التفاؤل منحة ربانية عظيمة، بيد أنه تتعاظم أهميته وقيمته ومكانته في معترك الحياة... في ضعفها وضغطها وملماتها وتحدياتها وآلامها وآمالها.
وتابع: لقد شاءت إرادة الله أن تكون الحياة متغيرة متبدلة متحولة، فيها المفرحات والمنغصات، فيها الخير والشر ، فيها الغني والفقر، فيها الصحة والمرض، فيها العطاء والحرمان، فيها الطاعة والمعصية، فيها القوة والضعف... وقد نهى الله تعالى عن اليأس والقنوط مهما كانت الظروف والمصائب، فاليأس والقنوط بعيد عن الإسلام بل إن اليأس أعدى أعداء الإسلام؛ لذلك فإن اليأس لا يتمكن إلا من الضعيف الذي هزمه الشيطان في عراك الحياة وفي حراكها.
وناشد "سليمان" المربين بزراعة التفاؤل والأمل في نفوس النشء؛ لتنمو أشجاره بعناية، وتؤتي ثماره مع دخولهم غمار الحياة، وعليهم أن يرفعوا رايات (الخير قادم، الخير قادم، الخير قادم... المستقبل يحمل الخير)، وأن تكون حاضرة على الدوام في المناهج التربوية، والقوالب الإعلامية، والأنشطة الثقافية، والدعوية، ذلك لأنها كفيلة بإقالة النفوس من عثراتها، وتعبيد سبل الحياة وإصلاحها.
وأردف: إن النبي (صلى الله عليه وسلم) هو منبع الأمل ومعلمه، ومنه تنبثق أنهار التفاؤل... وكان دائم التفاؤل والاستبشار بتوفيق الله (عز وجل)، وكان يتفاءل في المشكلات، والأزمات، وفي شأنه كله، وهو من علمنا "بشِّروا ولا تنفِّروا، يسِّروا ولا تعسِّروا"، وكان يُعجبُهُ الفَألُ الحسَنُ، ويَكْرَهُ الطِّيرةَ؛ لأن التشاؤمَ سوءُ ظن بالله تعالى بغير سبب محقق، والتفاؤلَ حسنُ ظن به جل وعلا، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله على كل حال، والاعتماد عليه، والثقة فيه جل وعلا، ثم الثقة في النفس.
وأشار سليمان إلى أن العلم الحديث كشف عددًا من الحقائق والأسرار عن التفاؤل، حيث إنه ينشط أجهزةَ المناعةِ النفسية والجسدية؛ مما يجعل المرءَ على طريق الصحة، والسلامة والوقاية؛ لأن التوتر الدائم، واليأس، والقنوط، من مدمرات الصحة النفسية والجسدية؛ إذ تربك أجهزة الجسم وترهقها، وتربك إفرازاتها فتحدث بشكل غير طبيعي، وتُغيّر كيمياء الجسم؛ فتعتل الصحة النفسية، ثم تختل الصحة العامة، وينكسر القلب، ويعيش الإنسان في توتر مستمر، وإحباط، وصراع. ومن هنا يكمن سرّ الإيمان، والسكينة، والرضا، والأمل، والتفاؤل الذي يضبط إيقاع المنظومة الصحية للإنسان (النفسية، والعقلية، والجسدية)، لتعمل بشكل طبيعي؛ وفق التنظيم الدقيق، والإعجاز العظيم الذي أبدعه الله الحكيم.
وأكد سليمان أن أحوج ما تحتاجه الأمة اليوم هو زرع فقه التفاؤل في نفوس النشء والشباب، لتعمير الحياة بمنهج الله، وإن غرس التفاؤل للعاصي ومرتكب الجريمة يزرع في نفسه حب الخير والإقلاع عن الجريمة، وإن نشر التفاؤل لدى المريض يزرع في نفسه الحياة، وإن نثر التفاؤل في المجتمع يزرع فيه حب البناء الفكري والإبداع والبناء ، وأن المؤمن الحق هو مَن يعيش يومه متفائلاً، بلا إفراط، ولا تفريط، ولا يقلق على المستقبل أبدًا، لأنه يعلم علم اليقين أن ما شاء الله كان، وأن ما لم يشأ لم يكن.
وفي كلمته، أكد الشيخ محمود الأبيدي أن التفاؤل كان سلوك ملازمٌ للنبي (صلى عليه وسلم) ومُتأصِّل فيه؛ إذ إن التفاؤل له أساسان: الأول: حُسن الظن بالله تعالى؛ لأن التشاؤم سوء ظن بالله بغير سبب مُحقَّق ، لافتا إلى أن المسلمُ مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال، والثاني: التوكل على الله تعالى: وهو من أسباب النجاح، فللتفاؤل فوائدُ كثيرةٌ ومتنوعة، لو علمناها لزال عنا كثير من الأحزان والهموم والتشاؤم.
وقال الأبيدي، إن من أهم فوائد التفاؤل: أنه يجعلنا متوكِّلين على الله تعالى، ونُحْسِن الظن به سبحانه، ويبعث في نفوسنا الرجاء، ويقوِّي عزائمنا، ويُجدِّد فينا الأمل، ويدفعنا لتجاوز المِحَن، ويُعوِّدنا الاستفادة من المحنة لتنقلب إلى منحة، وتتحول المصيبة إلى غنيمة، ولا ننسى أنَّ التفاؤل شعبةٌ من شعب الإيمان، فالمؤمن يفرح بفضل ربه وبرحمته، ولو لم يفعل ذلك ويئس؛ فإنَّ إيمانه سينقص ولا ريب ، مشيرًا إلى أن التفاؤل يمنحنا القدرةَ على مواجهة المواقف الصعبة، واتخاذ القرار المناسب، ويجعلنا أكثرَ مرونة في علاقاتنا الاجتماعية، وأكثرَ قدرة على التعايش مع الناس؛ لذا ترى الناسَ يُحبون المتفائلين ويخالطونهم، وينفرون من المتشائمين.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: