"مصر في أفريقيا".. كتاب جديد بلغتين لهيئة الاستعلامات
كتب- محمد نصار:
أعلنت الهيئة العامة للاستعلامات، أن بين مصر والسودان علاقات متميزة في الماضي و الحاضر، لا مثيل لها في تجذر وعمق الروابط التي ربطت بين الشعبين والدولتين على مر العصور، وإيمان كل منهما بوحدة الدم والتاريخ والثقافة والمستقبل والمصير.
وأوضح الكاتب الصحفي ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، في كتاب جديد أصدرته الهيئة باللغتين العربية والإنجليزية، أنه ومن منطلق مهمتها ودورها كمؤسسة إعلامية مصرية حكومية، بادرت الهيئة العامة للاستعلامات بإطلاق مجموعة من الأنشطة في مجالات الإعلام المباشر والإلكتروني والمطبوع لمواكبة رئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي للاتحاد الأفريقي، ومن بين هذه الأنشطة إصدار سلسلة من الكتب التي تطبع ورقيًا وتنسخ إلكترونيًا وتنشر على مواقع الإنترنت التابعة للهيئة.
وأشار رشوان، إلى أن هذه السلسلة قد بدأت بإصدار كتاب شامل عن "مصر في أفريقيا" واليوم تصدر الهيئة أولى الكتب المتتابعة والتي يتناول كل منها دولة أفريقية وعلاقات مصر معها، من أجل تعزيز التفاهم بين الشعوب الأفريقية، وإثراء معرفة الشعب المصري بأشقائه في الدول الأفريقية، ومخاطبة الشعوب الأفريقية بلغاتها، وتعريف القراء في أفريقيا وفي كل مكان بكل شعب من شعوب هذه القارة ومقدراتها ودورها في مسيرة الحضارة الإنسانية، وفي هذا السياق صدر الكتاب الأول عن جمهورية السودان بعنوان "مصر والسودان".
وتضمن الكتاب بابين رئيسيين، الباب الأول بعنوان "العلاقات المصرية السودانية" والثاني بعنوان "ملف المعلومات الأساسية عن جمهورية السودان"، ويضم الباب الأول 8 فصول تشمل (تاريخ العلاقات بين الدولتين منذ القرن 19 حتى 1952 - العلاقات المصرية السودانية من 1952 -2014 - التكامل بين البلدين - التعاون المصري السوداني بشأن مياه النيل - العلاقات السياسية - العلاقات الاقتصادية - العلاقات الثقافية والإعلامية - الجالية المصرية بالسودان والسودانية بمصر - رؤية مستقبلية).
كما يتناول الكتاب في بابه الثاني 6 فصول تشمل (بيانات أساسية - النظام السياسي في السودان - التعليم - الاقتصاد - السياسة الخارجية - الثقافة والإعلام).
علاقات تاريخية وامتزاج شعبي
ويرصد الكتاب في الفصل الأول من الباب الأول تاريخ العلاقات بين مصر والسودان منذ القرن 19 حتى 1952 حيث عاشا تاريخًا مشتركًا منذ أقدم الأزمنة وحتى العصر الحالي، وهو ما أوجد قدرًا كبيرًا من الامتزاج بين شعبي البلدين، فمنذ عام 1820 وحتى استقلال السودان عام 1956، هناك تاريخ واحد بين البلدين.
وفي عام 1820، دخل محمد علي باشا الأراضي السودانية وتمكن في الفترة من 1820 ـ 1823م، وعن طريق حملاته العسكرية من القضاء على الممالك القائمة وإدخالها في قيادته، وبدأ من هذا التأريخ تأسيس الوحدة السياسية لوادي النيل في ظل الدولة الحديثة.
وأشار الكتاب، إلى أن الوجود المصري في السودان ساهم في توحيد الكيان السياسي السوداني وربط أقاليمه بمصر برباط الوحدة العضوية والسياسية، الأمر الذي عزّز ورسّخ الأسس الوحدوية لوادي النيل ورسخ علاقات التواصل الديني والنفسي والثقافي والوجداني، إضافة إلى المياه والاقتصاد والتجارة، وقد ظل السودان يشكل جزءًا من مصر خاصة قبل اتفاقية الحكم الثنائي التي أعقبت الاحتلال البريطاني للسودان1899.
ولفت الكتاب إلى أنه من ملامح التعاون الاقتصادي في تلك الفترة أن أرسلت مصر المهندسين والخبراء الزراعيين لتدريب الأشقاء على أصول الزراعة ونشر الوعي الزراعي، كما أرسلت أبناء السودانيين إلى المدارس الزراعية في مصر وأدخلت غلات زراعية جديدة لزراعتها في الأراضي السودانية، كما ساهمت مصر في مشروع مدخطوط السكك الحديدية وعمل حواجز لمقاومة فيضان النيل الأزرق الذي كان يهدد الخرطوم.
وتأثر السودان بثورة 1919م فأخذ الوطنيون يجمعون صفوفهم ويتطلعون إلى الاستعانة بأشقائهم في مصر للاستفادة من تجاربهم في الكفاح من أجل الحرية والاستقلال، وفي عام 1936م تم وضع معاهدة قضت بإشراك مصر فعليًا في إدارة السودان، وقد كفل ذلك عودة الجيش المصري للسودان بناءًا على قرار مجلس الوزراء المصري في 31/3/1937م.
وأوضح كتاب هيئة الاستعلامات أنه في عام 1947م قررت مصر عرض "القضية" على مجلس الأمن بوفد يرأسه محمود فهمي النقراشي، رئيس الوزراء المصري، وفشلت المفاوضات بعد عرض مستفيض للقضية قدمه النقراشي باشا، مدعومًا بالوثائق والمستندات التاريخية التي تؤيد وحدة وادي النيل، وبسبب التطورات السياسية وعدم اعتراف بريطانيا بوحدة وادي النيل، بادرت حكومة الوفد المصري في الخامس عشر من أكتوبر 1951م إلى إلغاء معاهدة 1936م، واتفاقية الحكم الثنائي، والتي تنص على إدارة السودان شراكة بين مصر وبريطانيا، وبعد ذلك جرى تعديل الدستور المصري ليتم بمقتضاه إعلان الملك فاروق ملكًا على مصر والسودان، وصدر قانون آخر لقيام جمعية تأسيسية مهمتها وضع دستور خاص، تجرى بمقتضاه انتخابات عامة لتكوين برلمان سوداني، ومجلس للوزراء إلى أن قامت ثورة 23 يوليو 1952 في مصر والتي اعترفت بحق السودان في تقرير مصيره وطالبت بإنهاء الحكم الإنجليزي المدني والعسكري من السودان، وقد أدت المفاوضات المصرية البريطانية إلى توقيع اتفاقية السودان في 12/2/1953م ، وبناءًا عليها تأسست أول حكومة وطنية سودانية برئاسة إسماعيل الأزهري في 9/1/1954م، وفي الأول من يناير تم إعلان استقلال السودان.
عبد الناصر يهنئ باستقلال السودان
وفي الفصل الثاني من الباب الأول تناول كتاب الاستعلامات العلاقات المصرية السودانية من 1952 -2014 حيث عبرت مصر عن سعادتها باستقلال السودان وتجلى ذلك في الخطاب التاريخي الذي وجهه الرئيس جمال عبد الناصر، إلى حكومة السودان،للتهنئة بهذا اليوم الخالد في تاريخ السودان، وهكذا جاء ميلاد السودان وسط أفراح شاملة، عمت وادي النيل شماله وجنوبه وأتاح فرصة طيبة لتأكيد أخوة الشعبين السوداني والمصري، إذ كشفت رسائل التهاني المتبادلة بين حكومتي مصر والسودان، والأقوال التي رددتها صحف البلدين عن الوحدة الروحية والمادية التي تربط هذين القطرين العربيين، وعن شدة إيمان شعبيهما بما بينهما من وشائج المودة والقربى.
ورصد كتاب الاستعلامات، وقوف السودان بجانب مصر بعد نكسة يونيو 1967 وتلبية احتياجاتها الحربية، ووفر السودان المأوى والملجأ للطائرات المصرية، كما كان السودان المكان الآمن لدفعات من طلبة الكلية الحربية المصرية خلال تلك الفترة حيث تم نقل الكلية من القاهرة الى الخرطوم، وصعدت العلاقات إلى ذروتها بعدما استضافت السودان القمة العربية في الخرطوم المشهورة بلاءاتها الثلاث في مواجهة إسرائيل والتي تم التأكيد فيها على وحدة الصف العربي وتصفية الخلافات.
وأوضح الكتاب أن علاقات البلدين شهدت تحسنًا كبيرًا في فترة "السادات - جعفر النميري" وشارك الجيش السوداني في حرب أكتوبر عام 1973، حيث شاركت القوات السودانية كقوة احتياط بلواء مشاة وكتيبة قوات خاصة وتجنيد المتطوعين للقيام بمهمة إسناد للقوات المصرية لعبور خط بارليف حيث عبر عدد منهم القناة إلى جانب القوات المصرية، كما تم توقيع اتفاق للتكامل الاقتصادي بين البلدين في فبراير 1974 وذلك بهدف دفع عجلة التكامل الاقتصادي والسياسي قدمًا.
ومع مطلع الألفية الجديدة بدأت العلاقات المصرية السودانية في التحسن، ففي عام 2004، تم توقيع "اتفاق الحريات الأربع" الذي نص على حرية التنقل، وحرية الإقامة، وحرية العمل، وحرية التملك بين البلدين، واعتبرت أوساط سياسية وإعلامية حينها أن تلك الاتفاقية دشنت عهدًا جديدًا من العلاقات بين البلدين، وطوت معها صفحة الماضي وأزماته.
وبعد ثورة 30يونيو عام 2013، وعقب فوز الرئيس السيسي بمنصب الرئاسة في مصر في يونيو 2014 شهدت علاقات البلدين زيارات قياسية متتالية لم تحدث في تاريخ البلدين، حيث تعمل السياسة المصرية علي إقامة علاقات تتميز بالخصوصية والتفاهم العميق مع السودان الشقيق، وتطوير العلاقات الاقتصادية المشتركة وإحداث نقلة نوعية في شتى المجالات، فالسودان الدولة الوحيدة التي لديها قنصلية في محافظة أسوان مما يدل على نمو حجم التبادل التجاري، وتلك القنصلية لا يتوقف دورها عند تقوية العلاقات التجارية والاقتصادية بين الدولتين بل يمتد هذا الدور ليشمل العلاقات في المجالات المختلفة.
6 زيارات للرئيس السيسي إلى الخرطوم
وتُعد زيارات الرئيس عبدالفتاح السيسي، إلى السودان دليلًا على عمق العلاقات المصرية السودانية، وحرص الرئيس على أن تكون أول جولة خارجية له عقب إعادة انتخابه لولاية ثانية للسودان الشقيق، كما كانت السودان ضمن أول جولة خارجية في ولايته الأولى أيضًا والتي تضمنت الجزائر وغينيا الاستوائية والسودان، ثم أعقب ذلك زيارة الرئيس البشير لمصر في اكتوبر 2014 ثم مشاركته في مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري بشرم الشيخ في مارس 2015 ثم زيارة الرئيس السيسي للخرطوم في نفس الشهر لتوقيع اتفاق إعلان المبادئ حول سد النهضة الإثيوبي، بالإضافة إلى انغقاد اللجنة المشتركة بين البلدين وافتتاح معبر قسطل التجاري، ومشاركة الرئيس البشير في مؤتمر التكتلات الاقتصادية الأفريقية الثلاثة في يونيو 2015 بشرم الشيخ ثم توالت الزيارات خلال عامي 2016 و2017 وقد بلغت الزيارات المباشرة للرئيس السيسي 6 زيارات كان آخرها في أكتوبر 2018، وقام الرئيس السوداني عمر البشير بزيارة مصر 7 مرات كان آخرها في يناير 2019، فيما بلغ عدد اللقاءات بين الرئيسين 25 لقاءًا في لقاءات ثنائية اومتعددة الأطراف بما يعكس أهمية العلاقات بين البلدين باعتبارها تشكل بعدًا إستراتيجيًا لمصر بحكم التاريخ والجغرافيا والروابط بين الشعبين.
وأكد كتاب الاستعلامات، أنه خلال القمم الثنائية التي جمعت بين قيادتي البلدين كان التأكيد دائما على علاقات الأخوة الأزلية والروابط المشتركة التي تجمع بين شعبي وادي النيل، وإدراكهما لأهمية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وأهمية تعزيز وترسيخ علاقات الأخوة، وتعظيم مساحات التعاون المشترك، بما يليق بأهمية العلاقات بين البلدين ويرتقى إلى طموحات الشعبين، ويتسق مع ما يجمعهما من تاريخ وعلاقات وطيدة، اجتماعية وثقافية وسياسية وأمنية واقتصادية.
مسيرة التكامل بين مصر والسودان
يتضمن الفصل الثالث من كتاب العلاقات المصرية السودانية، مسيرة التكامل الاقتصادي بين البلدين، لاسيما وأن البلدين يمتلكان مقومات هامة لتوفير التكامل الاقتصادى بينهما، حيث يشكل سكان الدولتين طاقة بشرية كبيرة مما يخلق سوق من حيث الحجم في أستيعاب السلع والخدمات المقدمة مما يشجع علي التبادل التجاري بين البلدين، كما تشكل العلاقات الاجتماعية التاريخية والتقارب الجغرافي بين البلدين البنية الأساسية في تطوير هذا التكامل، وكذلك سعي البلدين المستمر لتطوير البنية الأساسية من طرق ووسائل النقل لتسهيل حركة التجارة والتبادل التجاري، ومشاركتهما في عدد من التكتلات الاقتصادية الإقليمية واتجاه كل منهما إلى الانفتاح على الاقتصاد العالمي وتبني برامج للاصلاح الاقتصادي تسهل مشاركة القطاع الخاص الذي يعول عليه تفعيل مشروعات التكامل، وخاصة في قطاع الزراعة والثروة الحيوانية والصناعات الغذائية، فضلًا عن وجود قبول شعبي قوي في البلدين لفكرة التكامل في ظل العلاقات التاريخيةوالأخوية بين البلدين.
وخلال مسيرة العلاقات بين البلدين كان هناك نماذج للتكامل والوحدة بين البلدين علي المستويين الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي ومنها: ميثاق طرابلس بين مصر وليبيا والسودان عام 1969 ومنهاج العمل السياسي والتكامل الاقتصادي في فبراير عام 1974، وميثاق التكامل المصري السوداني 1982، وفي ديسمبر 1983 انطلقت إذاعة وادي النيل التي تبلورت فكرتها كخدمة سودانية مصرية مشتركة تستهدف شعب وادي النيل، وتهدف إلى "دعم مسيرة التكامل بين البلدين، وتعميق الفكر التكاملي بين أبناء شعب الوادي، وتشجيع المبادرات التكاملية على المستوى الرسمي والشعبي في مختلف المجالات"، وبعد ذلك تتابعت القرارات والتوصيات الهادفة للتكامل، وفي مايو من عام 2004، قرر السودان منح كل مستثمر مصري يستثمر داخل القطر 150 ألف فدان بالمجان، للعمل على زراعتها، بهدف تنمية السودان واستثماراً للأموال المصرية بالشكل الذي يخدم الشعبين الشقيقين، كما تم توقيع اتفاقية الحريات الأربع في الخامس من أبريل عام 2004، وهي "العمل، والتنقل، والتملك، والإقامة".
ولفت كتاب الهيئة في هذا السياق إلى أنه كان من ضمن أهم مشروعات التكامل بين مصر والسودان مشروع قناة جونجلي الذي كان -في حال تنفيذه- سيوفر للبلدين حوالى 20 مليار متر مكعب من المياه تقسم مناصفة بينهما، حيث إن هذه القناة كانت ستعمل على تأمين تدفق 4.7 مليار متر مكعب من المياه سنويًا تقسم بالتساوي بين دولتي المصب.
كما استعرض الكتاب جهود التكامل بين البلدين منذ عام 2014 حيث شهدت علاقات البلدين تطورًا كبيرًا ونقلة نوعية، منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكم، وتم تصعيد قمة اللجنة العليا المشتركة، إلى المستوى الرئاسي، بما يعكس التطورات الإيجابية التي شهدتها تلك العلاقات خلال الفترة الأخيرة.
وفي أغسطس 2014، افتتح معبر أشكيت – قسطل الحدودي بين القاهرة ،وقد ساهم هذا المعبر بشكل كبير في زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، ويعد المعبر خطاً استراتيجيًا ليس لربط الخرطوم والقاهرة فقط، بل يمتد ليشمل دولًا أفريقية مثل إثيوبيا، تشاد، جنوب السودان وأفريقيا الوسطى.
وفي أكتوبر 2018 شهدت اجتماعات اللجنة الرئاسية المصرية السودانية المشتركة في دورتها الثانية استعراض أوجه التعاون الثنائي بين البلدين، وذلك في إطار تنفيذ وثيقة الشراكة الاستراتيجية التي تم التوقيع عليها بين البلدين في 2016، حيث رحب الجانبان في هذا الصدد بالخطوات التي تم اتخاذها لتفعيل المشروعات الاستراتيجية الكبرى التي تم الاتفاق عليها بين البلدين، بما فيها مشروعات الربط الكهربائي وخطوط السكك الحديدية، وهي المشروعات التي من شأنها أن تحدث نقلة نوعية في العلاقات بين مصر والسودان.
التعاون المائي بين مصر والسودان
أفرد كتاب الاستعلامات الفصل الرابع من الباب الأول للحديث عن التعاون المصري السوداني بشأن مياه النيل، حيث بدأت المفاوضات بين السودان ومصر حول استعمالات مياه النيل في أوائل القرن العشرين إثر التفكير في إنشاء مشروع الجزيرة في السودان، ووقع البلدان اتفاقية تقاسم مياه النيل عام 1929 والتي تنظم العلاقة المائية بين مصر ثم تواصلت المفاوضات بين البلدين حول مياه النيل حتى بداية الخمسينيات، ومن بعدها بدأت المفاوضات التّي أدت إلى اتفاقية 1959 مع قيام أول حكومة وطنية في السودان عام 1954، إلى أن توصل الطرفان لتوقيع اتفاقية مياه النيل بين مصر والسودان في 8 نوفمبر 1959، وجاءت مكملة لاتفاقية عام 1929 وليست لاغية لها، حيث تشمل الضبط الكامل لمياه النيل الواصلة لكل من مصر والسودان في ظل المتغيرات الجديدة التي ظهرت على الساحة آنذاك وهو الرغبة في إنشاء السد العالي ومشروعات أعالي النيل لزيادة إيراد النهر وإقامة عدد من الخزانات في أسوان وقيام السودان بالاتفاق مع مصر على إنشاء مشروعات زيادة إيراد النهر بهدف استغلال المياه الضائعة في بحر الجبل وبحر الزراف وبحر الغزال وفروعه ونهر السوباط وفروعه وحوض النيل الأبيض، على أن يتم توزيع الفائدة المائية والتكلفة المالية الخاصة بتلك المشروعات مناصفة بين الدولتين.
وأوضح الكتاب أن ملف سد النهضة الإثيوبي يتصدر اهتمامات البلدين في إطار التعاون المائي بينهما، وتم تنظيم زيارات متبادلة بين الدول الثلاث مصر والسودان واثيوبيا لبحث الملف والاتفاق على تشكيل لجنة دولية تدرس آثار بناء سد النهضة ومدى التأثير المحتمل للسد على مصر والسودان، وفي سبتمبر 2014 عقد الاجتماع الأول للجنة ثلاثية تضم مصر وإثيوبيا والسودان للتباحث حول صياغة الشروط المرجعية للجنة الفنية وقواعدها الإجرائية والاتفاق على دورية عقد الاجتماعات، وفي أكتوبر 2014 اتفقت مصر وإثيوبيا والسودان على اختيار مكتبين استشاريين أحدهما هولندي والثاني فرنسي لعمل الدراسات المطلوبة بشأن السد، وفي 23 مارس 2015 وقعت الدول الثلاث وثيقة "إعلان مبادئ سد النهضة" وتضمنت الوثيقة 10 مبادئ أساسية تتسق مع القواعد العامة في مبادئ القانون الدولي الحاكمة للتعامل مع الأنهار الدولية، وأكدت الاتفاقية التعاون على أساس التفاهم المشترك، والمنفعة المشتركة، وحسن النوايا، والمكاسب للجميع، ومبادئ القانون الدولي، والتعاون في تفهم الاحتياجات المائية لدول المنبع والمصب بمختلف مناحيها، ثم تواصلت الاجتماعات الفنية والسياسية بين الدول الثلاث في هذا الِشأن وانتظام اجتماعات اللجنة التساعية (وهي اجتماعات دورية تجمع وزراء الخارجية والري والمخابرات العامة في كل من مصر والسودان وإثيوبيا د) واجتماعات التعاون في البنية التحتية، واجتماعات العلماء حول السدود في البلدان الثلاثة.
السياسة والاقتصاد
كانت العلاقات السياسية هي محور ماتضمنه الفصل الخامس من هذا الباب والذي رصد تطور العلاقات السياسية بين البلدين حيث تعمل السياسة المصرية على إقامة علاقات تتميز بالخصوصية والتفاهم العميق مع السودان وتُعد الزيارات المتبادلة بين قيادتي البلدين دليلاً على عمق العلاقات المصرية السودانية، حيث أكدا دائمًا على علاقات الأخوة الأزلية والروابط المشتركة التي تجمع بين شعبي وادي النيل، وإدراكهما لأهمية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وأهمية تعزيز وترسيخ علاقات الأخوة، وتعظيم مساحات التعاون المشترك، بما يليق بأهمية العلاقات بين البلدين ويرتقي إلى طموحات الشعبين، ويتسق مع ما يجمعهما من تاريخ وعلاقات وطيدة، اجتماعية وثقافية وأيضاً سياسية وأمنية واقتصادية.
وكان ملف العلاقات الاقتصادية هو ماركز عليه الفصل السادس من كتاب الاستعلامات عن العلاقات المصرية السودانية حيث أوضح الكتاب في هذا الفصل أن العلاقات التجارية المصرية - السودانية شهدت نموًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة وبصفة خاصة في ظل عضوية البلدين بمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وبتجمع "الكوميسا"، وتسعى كل من مصر والسودان لتوطيد العلاقات التجارية فيما بينهما، من خلال إنشاء مشروعات حيوية اقتصادية مشتركة في كافة القطاعات (صناعية، زراعية، كهرباء، مياه، ثروة حيوانية، عمالة فنية مدربة)، يعود نفعها على الدولتين، وسيُسهم ذلك بالتأكيد في إعادة تشكيل مستقبل العلاقات بين السودان ومصر، مما سينعكس بشكل إيجابي على تحقيق التنمية الاقتصادية للدولتين.
وأشار الكتاب إلى امتلاك السودان لنحو 24 مليون هكتار مراعي، و64 مليون هكتار غابات يُمكن أن تُستغل في تجارة الأخشاب وصناعة الورق، ومواد صناعية أخرى عديدة، بالإضافة إلى توافر المياه اللازمة للزراعة، كما يمتلك السودان ثروة حيوانية ضخمة جعلته يحتل المركز السادس عالمياً، كما دخل السودان بقوة في مجال التنقيب عن البترول، فيما حققت مصر طفرة كبيرة في مجال الاكتشافات البترولية والغاز الطبيعي ومحطات الكهرباء وغيرها من المشروعات العملاقة، وانطلاقًا من هذه المؤشرات التي يتمتع بها البلدان، يتضح مدى أهمية تدعيم العلاقات التجارية بين مصر والسودان.
وفي يونيو 2014 بعد تولي الرئيس السيسي رئاسة الجمهورية ناقش البلدان سبل تفعيل اتفاق الحريات الأربع بين البلدين وتم رفع تمثيل اللجنة المشتركة بين البلدين إلى المستوى الرئاسي لتجتمع مرة في القاهرة ومرة في الخرطوم، وفي عام 2015 تم افتتاح أحدث المشروعات المشتركة التي تم دشينها بين البلدين هو مشروع ميناء قسطل – أشكيت البري، ويعد الميناء بمثابة أهم بوابة مصرية تطل على إفريقيا حيث يسهم في إحداث نقلة كبيرة في حركة التجارة والاستثمار بين مصر من جانب والسودان والقارة الأفريقية من جانب آخر وذلك من خلال تنمية حركة الصادرات والواردات للبضائع والثروة الحيوانية وتنشيط حركة المسافرين.
مليار دولار التبادل التجاري بين مصر والسودان
وأشار كتاب الاستعلامات، إلى أن حجم التبادل التجارب، نحو مليار دولار سنويًا طبقًا لإحصاءات 2017 وهو لا يعكس الإمكانيات والموارد المتاحة للبلدين، لذا يتم العمل من خلال وضع التشريعات والأطر والاتفاقيات للنهوض بهذا القطاع، ويقدر حجم الاستثمارات المصرية بالسوق السودانية بنحو 10 مليارات و100 مليون دولار طبقاً لإحصاءات عام 2017 وتوزعت الاستثمارات على 229 مشروعًا، منها 122 مشروعًا صناعيًا باستثمارات 1.372 مليار دولار بصناعات الأسمنت والبلاستيك والرخام والأدوية ومستحضرات التجميل والأثاث والحديد والصناعات الغذائية، و90 مشروعًا خدميًا استثماراتها 8.629 مليار دولار بقطاعات المقاولات والبنوك والمخازن المبردة والري والحفريات وخدمات الكهرباء ومختبرات التحليل والمراكز الطبية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إلى جانب 17 مشروعًا زراعيًا باستثمارات 89 مليون دولار بقطاعات المحاصيل الزراعية والإنتاج الحيواني والدواجن ونشاط صيد الأسماك ، كماتعمل في مصر 315 شركة سودانية، تتوزع استثماراتها بين الصناعة والتجارة والزراعة والخدمات التمويلية وقطاعات الإنشاءات والسياحة والاتصالات، ويحتل القطاع الصناعي المقدمة حيث تعمل 73 شركة باستثمارات تقدر بـ 50.4 مليون دولار، فيما يحتل النشاط التمويلي المرتبة الثانية بـ7 شركات واستثمارات تقدر بـ 21.3 مليون دولار.
وسجلت الصادرات المصرية للسودان حوالي 550 مليون دولار عام 2017، فيما بلغ حجم الصادرات المصرية البترولية خلال عام 2017، حوالي 40 مليون دولار، كما تنامى حجم الواردات المصرية من السودان بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، حيث سجلت 450 مليون دولار عام 2017 وتُعد المنتجات الصناعية والمنتجات الكيماوية والآلات والمعدات والمواد الخام والمواد الغذائية والمنسوجات أهم بنود الصادرات المصرية للسودان خلال عام 2017، فيما تتركز الواردات المصرية من السودان في أربع سلع رئيسية هي الحيوانات الحية والسمسم والقطن الخام واللحوم، والتي تشكل عام 2017 حوالي 95% من إجمالي قيمة واردات مصر من السودان من كافة البنود.
فيديو قد يعجبك: