في ذكرى رحيل "أحمد رجب".. من الكتابة بدأ وإليها المُنتهى
كتبت-نسمة فرج:
"هناك صورة واحدة حاول كل من لم يعرفوا أحمد رجب تصديرها لنا، وهي أنه رجل عبوس ينتج الضحك ولا يستهلكه، ويتحدث عن البسطاء ولا يقترب منهم، لكن بمجرد أن التقيت به وجدت رجلاً يجمع بين حكمة الفيلسوف، وخفة دم المضحك، وتواضع العالم، ورؤية المفكر، وشهامة ابن البلد، وعرفت سر الصورة العبثية التي رسمها له من لم يعرفوه".. هكذا يصف الكاتب محمد توفيق في كتابه "ضحكة مصر.. أحمد رجب" صاحب "نص كلمة" بجريدة الأخبار.
على مدار أكثر من نصف قرن قدم الكاتب الراحل الصحفي أحمد رجب، "نص كلمة" على صفحات جريدة الأخبار بصحبة ريشة فنان الكاريكاتير مصطفى حسين، وتمر اليوم الذكرى الثالثة لرحيله.
من خلال سطور قليلة تتضمن كلمات معدودة عالج "رجب" المولود في الإسكندرية يوم 20 نوفمبر 1928، قضية جماهيرية كبيرة يعجز الكثير عن معالجتها في أقل من عمود طويل أو في صفحة كاملة وذلك من خلال أسلوبه الساخر يحمل نقداً لاذعاً.
كانت الكتابة زاد "رجب"، جليسه الدائم، بها يأنس وفي كلماتها يستكين، إذ يروي الكاتب يوسف القعيد أن صاحب "نص كلمة" كان يقضي ما يقرب من 7 ساعات في مكتبه داخل جريدة أخبار اليوم ليخرج بنقد لاذع وكلمات مضحكة.
بدأ صاحب "فلاح كفر الهنادوة" عمله الصحفي أثناء دراسته في كلية الحقوق، حيث أصدر مع زملائه مجلة "أخبار الجامعة"، والتي كانت طريقة للتعرف على الأخوين علي ومصطفى أمين.
وعقب تخرجه، عمل في مكتب "أخبار اليوم" بالإسكندرية، ثم انتقل إلى القاهرة ليتولى منصب سكرتير التحرير، وكانت "أخبار اليوم" هي بداية حياة "رجب" وختامها.
وذكر الكاتب محمد توفيق في كتابه، أن أول مقال كتبه "رجب" في "أخبار اليوم" كان عن القارئ عبدالباسط عبدالصمد، وأطلق عليه اسم "عبدالباسط براندو"، وكان يتحدث عن براعته في التلاوة، وحقق المقال شهرة دفعت مجلة "نيوزويك" الأمريكية إلى نقله مُترجمًا، كما ارتفع بسببه أجر الشيخ من 20 إلى 100 جنيه.
كانت "أخبار اليوم" بيت الكاتب الراحل، فلم يغادرها على الرغم من مكانته اﻷدبية والصحفية، وظل يكتب فيها حتى حان وقته رحيله عام 2014.
وكان تعاونه مع رفيق دربه رسام الكاريكاتير مصطفى حسين، هو الأبرز والأهم في مشواره الصحفي حيث اشتركا في تقديم العديد من الشخصيات الكاريكاتيرية البارزة ومن أهمها "فلاح كفر الهنادوة"، و"مطرب اﻷخبار"، و"عبدة مشتاق"، و"كمبور".
لم يقف مشوار رجب الإبداعي عند كتابة "نص كلمة" وإنما كتب السيناريو والحوار لعدد من اﻷفلام أهمها "شنبو في المصيدة" لفؤاد المهندس وشويكار عام 1968، و"نص ساعة جواز" لشادية ورشدي أباظة عام 1969، و"فوزية البرجوازية" عام 1985.
في كتاب "ضحكة مصر"، قال رجب إنه لم يتوقف عن الكتابة إلا في حالتين: الأولى عند حصوله على إجازة، والثانية عند وفاة زوجته. ففي عام 1992 كتب في "نص كلمة": "رحلت عصمت شريكة حياتي وكفاحي ورفيقة العمر، التي كانت تحول تعثري إلى نجاح ويأسي إلى أمل وعلمتني بضحكاتها الساخرة أسلوبًا فذًا في معاملة الحياة ارحمها كثيرًا يا رب فقد كانت رحمة حياتي".
كان وفاة رفيقة الدرب هيّ المانع الأوحد عن عشق "رجب"، فقد وصف الروائي الراحل جمال الغيطاني تلك المرحلة قائلًا: "كان حزنه فادحًا قويًا، حزن أعجزه عن الكتابة، إنها المرة الوحيدة التي طغى فيها حزنه على مقدرته على الكتابة".
حصل رجب على عدد كبير من الجوائز، كان آخرها جائزة شخصية العام في مايو 2014 من مركز دبي للصحافة العربية، وتوفي فى 12 سبتمبر 2014 عن عمر ناهز 86 عامًا بعد صراع طويل مع المرض، وكان يتلقى العلاج في المركز الطبي العالمي قبل وفاته، وتعرض حينها لانتكاسة شديدة عقب علمه بخبر وفاة صديقه مصطفى حسين.
ولأن الكتابة كانت مُستقر روحه وملجأه من كل شيء، فقد أوصى رجب قبل وفاته بأن تشيع جنازته من مؤسسة أخبار اليوم وأن تتم صلاة الجنازة في جامع عمر مكرم.
فيديو قد يعجبك: