"باب التظلمات".. الأمل الأخير أمام متضرري "البوكليت" في الثانوية العامة
كتب- مصطفى فرحات:
داخل مدرسة "الخديوية" بمنطقة السيدة زينب، وقف الكثير من الطلاب المتقدمين بتظلمات من نتائجهم برفقة أولياء أمورهم ينتظرون في ترقب وقلق، أدوارهم للدخول إلى اللجان الخاصة بمراجعة كراسات الإجابة، بينما يحملون في أيديهم إيصالات سداد المبالغ التي دفعوها عن كل مادة في الحسابات التي خصصتها وزارة التربية والتعليم.
فيما يتجول بعض المشرفين يلقون النصائح الواجب على الطلاب اتباعها أثناء عملية المراجعة من عدم استخدام الهواتف المحمولة، أو اصطحاب مدرسي المواد.
في أحد الأزقة الضيقة التي تفضي إلى المدرسة، وقف "أحمد جمال" ووالده يلتقطون أنفاسهم بعد انتهائهم من مراجعة أوراق الإجابة، وعقب رحلة طويلة قطعوها من محل إقامتهم بمركز "الباحور" بالمنوفية إلى منطقة السيدة زينب، يقول "أحمد" إنه حاصل على مجموع 93.5% شعبة علمي علوم، وحضر كي يتظلم في مواد "الأحياء والكيماء والفيزياء والإنجليزي"، التي نقص فيها وحدها حوالي 25 درجة.
عندما شاهد "أحمد" كراسات الإجابة، حلت الدهشة محل الغضب الذي انتابه عقب النتيجة، فيقول إنه في مادة "الفيزياء" على الرغم من كتابته للناتج النهائي للمسائل بشكل صحيح، إلا أن المصحح لم يحتسبها له، بالإضافة إلى حدوث خطأ في تجميع الدرجات في مادة الأحياء، ويضيف "فيه أسئلة معلم عليها ومش مديني الدرجة".
بحسب ما يرى "الشاب الصغير" فإن الوزارة لا تترك لهم الحرية كي يجيبوا على الأسئلة بفهمهم، بل تجبرهم بما هو مكتوب في نموذج الإجابة والتي يعد الخروج عنها دلالة على عدم الفهم "كتير من المصححين مش بيكونوا أساتذة المادة، فمش بيستوعبوا دا".
نصائح عديدة تلقاها ابن الـ18 عامًا، بعدم تقديم تظلم لأن أمل الحصول على درجات من ورائه يكاد يكون مستحيلًا، لكنه لم يستجب لتلك النصائح "عارف إني مش هاخد درجات بس بحاول أعمل اللي عليا"، ويوضح أن الدافع وراء حرصه على التظلم هو رغبته الكبيرة في الالتحاق بكلية الصيدلة "أتمنى يطلع لي درجات علشان أقدر أدخلها".
حاول جمال محمد والد أحمد، أن يقنع ابنه بعدم جدوى التظلم إلا أن الأخير أصر على موقفه، فاضطر الأب أن ينزل مرغمًا على رغبة ابنه "عارف إنه مش هياخد حاجة، بس بحاول أريحه علشان ما يزعلش" يقول الرجل، ويضيف أن هناك ظلمًا كبيرًا وقع على ابنه لأنه كان حريصًا طوال العام على الاستذكار بشكل جيد، بالإضافة إلى تفوقه طوال مراحل دراسته "كان طالع من أوائل المدرسة السنة اللي فاتت، بعد النتيجة لقيت حلم عمري بينهار".
ويقول إنه منذ يوم النتيجة وبيته يعيش حالة من الحزن، موضحًا أن مجمل ما صرفه على الدروس الخصوصية خلال العام الدراسي تعدى الـ15 ألف جنيه "واحنا كمان أقاليم، يعني مصاريف الدروس هادية شوية".
وبحسب وزارة التربية والتعليم، فإن عدد طلاب الثانوية العامة الذين تقدموا بطلبات تظلم من نتائجهم بامتحانات الثانوية بلغ 27 ألف طالب وطالبة، فيما تتصدر مادة الفيزياء قائمة الموالد المتظلم من نتائجها، وتأتي اللغة العربية في ذيل قائمة التظلمات.
عام كام عاشته هدير فتحي، على أمل الالتحاق بكلية "الطب"، الذي كان دافعها نحو المذاكرة، ليتبدد هذا الحلم المُرتقب أمام الـ 30 درجة الذين خسرهم مجموعها في مواد "الفيزياء والعربي والأحياء"، وتقول إنها أصرت على تقديم التظلم وسط كثير من النصائح التي تلقتها بعدم جدواه "كنت عاوزة أعرف إيه السبب اللي يخليهم ينقصوني دا كله".
وتضيف فتحي إنها اطلعت على كراسة إجاباتها في المواد الثلاثة، ولم تجد فيهم ما يستدعي هذا النقص: "فيه أسئلة كاملة معمول عليها غلط غلط، في حين إني أجبت عليها بنفس طريقة نموذج الإجابة، المصححين ظلمونا وضيعوا تعبنا".
لم تفق هدير بعدُ من وقع الصدمة التي تلقتها يوم النتيجة، وجعلتها غير قادرة على النطق، لتقع بعد ذلك في حيرة اختيار الكلية الانسب بعد أن أصبح التحاقها بكلية الطب مستحيلًا: "لسه محتارة ما بين كلية الشرطة، وكلية التربية".
في بداية العام أمر فتحي سعيد، ابنته أن تذهب إلى المدرسة، لكي تستفيد من شروحات المدرسين إلى جانب الدروس الخصوصية "كانت بتروح والمدرسين مش بيدخلوا".. يقول الرجل الذي يعمل موظفًا في هيئة النقل العام، ويشير إلى أنه لم يقصر مع ابنته على مدار العام وفي الوقت ذاته لم تقصر هي الأخرى: "أنا صرفت على الدروس من 35-40 ألف جنيه".
رغم حصول أنس خالد، على مجموع 94% علمي رياضة، واطمئنانه إلى الالتحاق بكلية الهندسة إلا أن ذلك لم يمنعه من تقديم تظلم في مادة الكيمياء، التي حصل فيها على 51/6. يقول أنس إن أسرته لا ترى أهمية للتظلم، لأن مجموعه جيد في شعبة علمي رياضي، لكنه يبرر ذلك قائلًا "حابب أدخل هندسة عين شمس، ودي بتاخد من مجموع أعلى من القاهرة".
وأعلن خالد عبد الحكم، مدير عام الإدارة العامة للامتحانات، في بيان صحفي عُقد أمس، أنه تم بدء أعمال المراجعة للمواد المتظلم من نتائجها، من قِبل مديري عموم تنمية المواد الدراسية، والمديرين العموم، لمراجعة كراسات الامتحان للطلاب المتظلمين من نتائجهم؛ للإسراع في ظهور النتائج.
يٌذكر أن لجان النظام والمراقبة على مستوى الجمهورية بدأت استقبال تظلمات طلاب شهادة إتمام الدراسة الثانوية العامة المتضررين من نتائجهم بامتحانات الدور الأول للعام الدراسي الحالي 2016/2017 وفقًا للإجراءات التي تم إعلانها، وتنفيذًا لتعليمات الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، بفتح باب التظلمات لطلاب شهادة إتمام الدراسة الثانوية العامة اعتبارًا من 16/7/2017 ولمدة شهر.
حالة من الحزن الممزوج بالغضب تملكت مريم أشرف، بعد رؤيتها لكراسات إجاباتها في مواد علم النفس والفلسفة "نقصت فيهم حوالي 14 درجة" تقول الفتاة، وتضيف أنها وجدت أخطاء في تجميع الدرجات، بالإضافة إلى بعض الأسئلة التي حُرمت درجاتها بالكامل على الرغم من إجابتها عليها بشكل نموذجي يتطابق مع أسلوب الكتاب المدرسي "المصححين ما كنوش بيصححوا بمضير".
"ماحدش كان متوقع لي المجموع دا" تقول الفتاة، وتوضح أنها تستبعد حصولها على درجات من وراء التظلم، لكنها تحاول التمسك بآخر الخيوط التي تربطها بحلم التحاقها بكلية الألسن "ما زلت مقتنعة إني ليا حق ولازم أخده".
لآخر لحظة يحاول أشرف محمود، الوقوف إلى جوار ابنته، على الرغم من عدم اقتناعه بالتظلم الذي قدمته "اللي عند الحكومة ما بيرجعش"، حيث يؤكد أنه لم يقصر معها طوال العام في حرصه المستمر على توفير مصروفات دروسها على الرغم من عمله في ورشة لصناعة الألومونيوم "كانت بتاخد كل أسبوع حوالي 500 جنيه".
فيديو قد يعجبك: