يحظى باهتمام عالمي.. كيف يرى خبراء مستقبل الهيدروجين الأخضر في مصر؟
كتب- مصطفى عيد:
تنتظر صناعة الهيدروجين، خاصة الهيدروجين الأخضر، مستقبلا واعدا في مصر، والتي تمتلك المقومات الأساسية والإمكانيات الكبيرة لتصبح قاعدة من أجل إنتاج الهيدروجين ومشتقاته واستخدامه بأشكال مختلفة وتصديره من أجل تحقيق الاستفادة القصوى من هذه الطاقة النظيفة، وذلك في ظل الاتجاه العالمي الكبير نحو هذه الطاقة في الوقت الحالي.
وقال خبراء، لمصراوي، إن توسع مصر في إنتاج واستخدام الهيدروجين الأخضر يسهم في توسيع تنوع مصادر الطاقة واستخداماتها، والاعتماد بشكل أكبر على الطاقات النظيفة والمتجددة، والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية، وتوفير البدائل المستقبلية مع بدء العد التنازلي لنضوب طاقات البترول والغاز في المستقبل.
ومن أبرز الخطوات التي تعمل مصر على تنفيذها حاليا في هذا المجال إعداد وزارتي الكهرباء والبترول والبيئة وصندوق مصر السيادي دراسة جدوى لتدشين مشروعات الطاقة المستخلصة من الهيدروجين الأخضر باستثمارات مبدئية تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار، بحسب ما ذكره الدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء على هامش أحد المؤتمرات هذا الأسبوع.
وقال المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية، في بيان يوم الأربعاء الماضي، إن مصر بدأت خطوات فعلية للدخول في صناعة الهيدروجين وإنتاجه كمصدر نظيف للوقود.
وأضاف أنه يجري العمل حالياً على تطوير وصياغة استراتيجية خاصة بصناعة الهيدروجين في مصر من خلال لجنة وزارية مختصة تشارك فيها وزارة البترول كعضو رئيسي.
كما يتواصل قطاع البترول مع الدول والشركات العالمية ذات الخبرات الفنية الكبيرة في هذا المجال لاستكشاف فرص التعاون، حيث تم تنفيذ مشروعات تجريبية في مصر، وفقا للوزير.
ما هو الهيدروجين وكيف يتم إنتاجه؟
الهيدروجين هو أحد أنواع الطاقة المكتشفة في العقود الأخيرة، والتي تقوم على التحليل الكهربائي للماء من أجل فصل الهيدروجين عن الأكسجين، وهو ما يلزم توافر طاقة كهربائية من أجل إنتاجه.
ووفقا للخبراء، يوجد نحو 6 أنواع من الهيدروجين تختلف باختلاف مصدر الطاقة الكهربائية المستخدمة في عملية إنتاجه ومنها الهيدروجين الرمادي، والهيدروجين الأسود، والهيدروجين الأزرق، والهيدروجين الأصفر، والهيدروجين الفيروزي، والهيدروجين الأخضر.
وبحسب الدكتور جمال القليوبي أستاذ هندسة البترول بالجامعة الأمريكية، فإن مصر تعمل على التوسع في مجال إنتاج الهيدروجين الأرزق، والناتج عن الكهرباء المولدة من محطات الغاز الطبيعي، وأيضا الهيدروجين الأخضر الذي يعتمد في إنتاجه على الكهرباء المولدة من محطات الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية والرياح، وهو من أنقى أنواع الهيدروجين.
وقال القليوبي، لمصراوي، إن تكنولوجيا إنتاج الهيدروجين الأخضر كوقود ظهرت منذ نحو 20 عاما ولكن لم يتم استخدامه لأنه كانت هناك خطورة في التعامل المباشر معه بالصورة العادية، ولكن مع التطور التكنولوجي تم التوصل إلى طرق آمنة للتعامل معه مؤخرا وهو ما زاد من وتيرة الاهتمام به في السنوات الأخيرة.
وذكر مدحت يوسف، نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، لمصراوي، أن إنتاج الهيدروجين الأخضر يقوم على الاستفادة من فائض محطات الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح من خلال استخدامه في التحليل الكهربي للمياه وفصل الهيدروجين بدلا من اللجوء لتخزين فائض الطاقة الشمسية في بطاريات وهو أمر مرتفع التكلفة.
وأوضح يوسف أن الهيدروجين الأخضر أنقى أنواع الهيدروجين لعدم وجود عناصر دخيلة عليه، ويتم استخدامه إما كنوع من أنواع وقود السيارات عن طريق ضغطه حيث أن العادم الناتج عنه عبارة عن مياه مقطرة، إلى جانب إمكانية استخدامه في صناعة الأمونيا عن طريق الاتحاد مع النيتروجين، والتي يتم استخدامها في أنواع أخرى من الصناعات مثل الأسمدة.
كما يمكن تصدير الهيدروجين أو الأمونيا ويمكن أيضا إعادة تكسيرها مرة أخرى واستخدامها كطاقة في حالة الحاجة إلى ذلك، وفقا لمدحت يوسف، حيث يرى أن التركيز على تصدير الهيدروجين أو استخدامه في إنتاج الأمونيا سواء بغرض التصدير أو إنتاج الأسمدة سيكون الشائع في مصر خلال الفترة المقبلة في حالة التركيز على إنتاج هذا النوع من الهيدروجين.
ما مستقبل الاعتماد على الهيدروجين في مصر؟
أكد جمال القليوبي أن الدولة المصرية لديها قدرات على إنتاج الهيدروجين الأزرق والأخضر، وبالفعل هناك شركتان في مصر تنتجان الهيدروجين الأرزق منها إنربك وأموك، كما أن هناك خطة لدى وزارة الكهرباء، حيث هناك اتفاق مع الجانب البلجيكي والألماني، وبالتالي خلال فترة قصيرة سيكون لدى مصر الإمكانية لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
وكان وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، وجو كيزر الرئيس التنفيذي لشركة سيمنس الألمانية، وقعا في يناير الماضي اتفاق نوايا لبدء المناقشات والدراسات لتنفيذ مشروع تجريبي لإنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر، كخطوة أولى نحو التوسع في هذا المجال، وصولًا إلى إمكانية التصدير.
وأوضح جمال القليوبي أن مصر لديها من الإمكانيات من المياه ما يسهم في التوسع في إنتاج الهيدروجين خاصة أنها تطل على البحرين المتوسط والأحمر، بالإضافة إلى البنية التحتية التي يمتلكها قطاع البترول لتسهيل تخزين الهيدروجين.
وأشار إلى أن ذلك يمكن أن يتم من خلال التكنولوجيا المتقدمة في عملية الإسالة واستخدام الهيدروجين عبر المحطات التي يتم فيها استخدام الغاز الطبيعي، وهو أمر لا يزال تحت الدراسة حاليا، وبالتالي مصر لديها مستقبل في عملية تخزين الهيدروجين وإدراجه ضمن أحد أنواع الوقود التي يتم الاعتماد عليها.
ويتفق مدحت يوسف مع القليوبي على إمكانية الاعتماد على الهيدروجين الأخضر في مصر كوقود رئيسي في المستقبل، ولكنه يرى أن ذلك يتوقف على عدة عوامل أبرزها إخضاعه للبحوث والدراسات بمراكز البحوث المصرية والتجارب المحدودة من أجل العمل على الوصول إلى تكلفة منخفضة لإنتاج الطاقة الشمسية وبالتالي خفض تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر.
وذكر أن نجاح إنتاج الهيدروجين يعتمد بالدرجة الأولى على إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية ومن طاقة الرياح بتكلفة لا تزيد على 1.3 سنت للكيلووات/ ساعة بما يعادل 19 قرشا، وهو ما يعد أساس التعاقد في مشروع نيوم السعودي.
وأكد يوسف أن البحوث على مستوى العالم تجري لتخفيض تلك التكلفة إلى ما دون ذلك، بينما ترتفع تكلفة إنتاج هذا النوع من الطاقة في مصر بفارق كبير حتى الآن.
وأشار إلى أن من بين هذه العوامل أيضا الاعتماد على القطاع الخاص في إنتاج مثل هذا النوع من الطاقة وهو ما يأتي بعد الوصول إلى معادلة التكلفة المقبولة لإنتاجه، وذلك دون اشتراط على الحكومة أسعارا معينة قبل تنفيذ المشروعات تحقق مكاسب للمستثمرين وتلقي بثقل حمل أي تكلفة مرتفعة على الدولة.
وعلى ما يبدو أن التركيز المصري قد يكون أكبر على إنتاج الهيدروجين الأزرق على المديين القصير والمتوسط اعتمادا على ما تمتلكه مصر من غاز طبيعي ولحين التوصل إلى تكلفة تجعل إنتاج الهيدروجين الأخضر ذا جدوى اقتصادية مرتفعة.
وقال طارق الملا، منذ نحو أسبوع، إن "مصر تمتلك مقومات كبيرة ومزايا تنافسية تؤهلها للدخول في صناعة الهيدروجين وخاصة توافر مصادر الغاز الطبيعى في مصر لدعم إنتاج الهيدروجين الأزرق والذي يعد مهماً على المديين القصير والمتوسط حتى يمكن إنتاج الهيدروجين الأخضر بفعالية وجدوى اقتصادية عالية".
لكن جمال القليوبي يرى أن مصر لديها من الإمكانيات ما يجعلها تستطيع إنتاج الهيدروجين الأخضر بتكلفة منخفضة وبشكل أوفر من أنواع الطاقة الأخرى، حيث لا تحتاج مشروع الطاقة المتجددة سوى المعدات اللازمة لإنتاجها وليس بحاجة لعوامل إنتاج أخرى مثل بعض الأنواع الأخرى من الطاقة.
وكان وزير البترول، قال منذ نحو أسبوع، إنه تتوافر بمصر الخبرات الفنية والقدرات التصميمية في قطاع البترول للمساهمة في التصنيع المحلي لمعدات إنتاج الهيدروجين، إلى جانب توافر البنية الأساسية والشبكات لنقل المنتج وتوافر الخبرة الفنية للتعامل معه وتخزينه، بحسب بيان من وزارة البترول.
ويرى مدحت يوسف ضرورة التأني عند اتخاذ أي خطوات تتعلق بطاقة الهيدروجين في الوقت الحالي في ضوء تركيز أولويات الدولة حاليا على استخدام الغاز الطبيعي كوقود في ظل تنفيذ استراتيجية الدولة للتوسع في استخدامه، وفي ظل وجود فائض كبير منه لدى مصر، بالإضافة إلى أنه يعد أحد أنواع الطاقة النظيفة أيضا وإن كان بدرجة أقل.
وقال إن الدولة بدأت تتوسع حاليا في تنفيذ بنية تحتية على مستوى الجمهورية لاستخدام الغاز كوقود للسيارات منها بناء المزيد من محطات وقود للغاز بالإضافة إلى محطات تحويل السيارات والمبادرات الحكومية لتحويل وإحلال السيارات القديمة، وهو ما يصعب معه الإسراع في التوسع في إنتاج الهيدروجين الذي قد يحتاج إلى استثمارات ضخمة في الوقت الحالي من أجل بناء بنية تحتية جديدة.
بينما يرى جمال القليوبي أن التوسع في إنتاج الهيدروجين يساعد في تحقيق تنوع مصادر الطاقة لمصر وهو الاتجاه الذي بدأ مع تولي القيادة السياسية حكم البلاد، وضمن استراتيجية الدولة التي تعتمد حاليا على مزيج الطاقة من خلال التنويع بين مصادر الطاقة ووجود معادلة متزنة من الطاقة لمصر لأول مرة.
وأشار إلى أن بين الطاقة التي تعتمد عليها مصر حاليا الطاقة الناتجة عن المحطات التي تستخدم الفحم، إلى جانب الاعتماد على الغاز الطبيعي (62% من الطاقة الكهربائية)، وأيضا الطاقة المتجددة (شمسية ورياح) مثل مشروع بنبان بأسوان، ومشروعات أخرى بالبحر الأحمر والوادي الجديد وسيناء، بالإضافة إلى الطاقة الكهرومائية المولدة من السد العالي.
كما أشار إلى المشروع المصري لإنتاج الكهرباء من الطاقة النووية، وهو أحد أنواع الطاقة التي سيتم الاعتماد عليها عالميا في السنوات الخمسين المقبلة بسبب أنها الأرخص بين أنواع الطاقة، وخاصة مع اقتراب بدء النضوب التدريجي للبترول والغاز الطبيعي بدءا من سنة 2030، وبالتالي تعمل مصر على توفير البدائل سريعا في الفترة الحالية.
وقال القليوبي: "كل هذا التنوع يتماشى مع المعادلة الاقتصادية العالمية للحفاظ على دولة لديها القدرة على إنتاج الكهرباء من مصادر مختلفة".
كما يرى القليوبي إمكانية استخدام البنية التحتية للغاز الطبيعي في نقل واستخدام الهيدروجين وبالتالي عدم الحاجة إلى تأسيس وبناء بنية تحتية جديدة خاصة بالهيدروجين، ولكنه أمر سيحتاج إلى المزيد من الدراسة خلال الفترة المقبلة.
فيديو قد يعجبك: