دراسة: الحكومة تسير على خطى السادات.. وتتبع سياسة ''تجويع الوحش''
كتب - أحمد عمار:
قال المركزي المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إن حزمة الانقاذ التي تسعى الحكومة إلى تحصيلها من خلال الاقتراض، ستزيد من الأعباء التي تقع على كاهل المديونية الخارجية المصرية، في ظل بلوغ الدين الخارجي حوالي 53 مليار دولار، علاوة على عقد اتفاق قرض مع روسيا بقيمة 25 مليار دولار لبناء محطة للطاقة النووية.
وأشار المركز -عبر دراسة له بعنوان ''من التسعينات إلى الآن.. قرض صنودق النقد وتكريس الأزمة'' - اطلع مصراوي عليها-، إلى أن الحكومة تصر على أن قروض حزمة الإنقاذ هي الحل الوحيد لإنقاذ الاقتصاد المتداعي وانتهاء مرحلة النزيف الاقتصادي الجاري حاليًا.
وتستهدف الحكومة تمويلًا بمقدار 21 مليار دولار لدعم برنامجها الاقتصادي، يشمل الاقتراض من صندوق النقد نحو 12 مليار دولار على مدار 3 سنوات ومصادر تمويلية أخرى منها 3 مليار دولار من البنك الدولي ونحو 1.5 مليار دولار من بنك التنمية الأفريقي، بالإضافة إلى الاقتراض من مؤسسات تمويل دولية، وإصدار سندات في الأسواق الدولية في حدود من 2 إلى 3 مليار دولار، وبرنامج طرح أسهم عدد من الشركات المملوكة للدولة في البورصة لجذب الاستثمارات.
ويرى المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن قرضا صندوق النقد والبنك الدولي هما أهم اتفاقيتين في هذه الحزمة ليس فقط بسبب حجم الأموال الممنوحة لمصر ولكن لاقتراضهما بشروط اقتصادية ''مجحفة''، -بحسب وصف الدراسة-.
ولفت إلى أن البنك الدولي كشف عن وثيقة القرض لمصر والتي أظهرت أن أموال البنك مشروطة بتطبيق سياسات لها انعكاسات اجتماعية سلبية على الرغم من انكار الحكومة أن القرض ليس مشروط.
وبين أن الشروط منها التحول من ضريبة المبيعات لضريبة القيمة المضافة، وهو ماعلقت عليه الحكومة أن تلك الشروط ليست مفروضة من الخارج ولكنها جزء من برنامجها الاقتصادي.
وأضاف المركز في دراسته أن الأكثر غرابة في قرض البنك الدولي لمصر هو أن البنك يقول أن توجيه القرض لسد عجز الموازنة وهو أمر يعد غير معتادًا في العلاقات مع مصر.
وقال المركز ''بشكل عام سنرى خلال السنوات المقبلة إن كانت تلك حادثة فريدة من نوعها في العلاقات بين مصر والبنك أم أنها قابلة للتكرار''.
ولفتت الدراسة، إلى أن الحكومة استمرت في انكارها لوجود شروط مفروض عليها من الخارج وهي تعلن عن اتجاهها لاقتراض من صندوق النقد الدولي، ولكن بسبب السمعة التاريخية للصندوق كان الخطاب الحكومي هذه المرة غير قابل للتصديق.
وتابعت الدراسة ''والمفارقة أنه في الوقت الذي تؤكد فيه الحكومة أن البرنامج الاقتصادي الذي تتفق عليه مع الصندوق ينبع من رؤية محلية، فهي تدافع عن القرضبصفته شهادة ثقة من المؤسسة الدولية في الاقتصاد المصري وقدرته على التعافي من الأزمة، فهذه الاصلاحات التي تصر الحكومة أنها غير مشروطة هي في نفس الوقت ضرورية لجلب التمويل الخارجي''.
السادات
وترى الدراسة، أن حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي تسير في نفس مسار حكومة السادات بتطبيق السياسات التحرية بشكل صادم من تفكيك منظومة الدعم وشبكة الأمان الاجتماعي الذي تم تأسيسها مع بداية دولة يوليو، الأمر الذي ادى إلى انتفاضة 1977.
وقالت ''هذا التوجه ينبع من أن الحكومة تتخذ من صندوق النقد والبنك الدوليين ذريعة للتخلي عن واجبتها الاجتماعية، مما يجعلها غير مسئولة أمام الرأي العام عندما يشعر بالسخط ويبحث عن أحد يلقى عليه باللائمة، ويكون المسؤول هو المؤسسات الدولية التي لايمكن للرأي العام أن يحاسبها مثلما يفعل مع الحكومة''، -على حد تعبير الدراسة-.
1991
وأشارت الدراسة، إلى أن الحكومة لجأت في عام 1991 إلى صندوق النقد والبنك الدوليين لمساعدتها في إنقاذ الاقتصاد المتداعي، حيث كان الاقتصاد يعاني بشدة في نهاية الثمانينيات من ارتفاع العجز المالي وعجز الميزان التجاري وتراكم الديون الخارجية التي تخطت 46 مليار دولار، وهو ماكان يمثل وقتها 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وأوضحت الدراسة أن قيمة المساعدات التي حصلت عليها مصر في التسعينيات بلغت 562 مليون دولار، واضطرت مصر في مقابل تلك الأموال تطبيق سياسات التثبيت والتكيف الهيكلي.
وألمحت أن أبرز ملامح تلك السياسات التي تم تطبيقها في التسعينات، كان تحرير التجارة الخارجية ورفع القيود على التسعير والتحول لنظام سعر الصرف ''المعوم''، بالإضافة إلى تخفيض فاتورة الدعم خاصة دعم الطاقة وتخفيض ماتبقى من دعم الأسمدة والمبيدات إلى النصف.
كما شملت حزمة تلك السياسات، تطبيق ضريبة المبيعات وبدء برنامج متصاعد لخصخصى الشركات العامة، وفي مقابل تلك السياسات التي تؤثر سلبا على الفئات الهشة مجتمعيا اشتمل الاتفاق على تأسيس الصندوق الاجتماعي للتنمية والذي ثبت مع الوقت عدم فاعليته في حماية قطاعات واسعى من الفئات الهشة من أثار سياسات الصندوق والبنك.
''ولذلك كانت الحكومة مسئولة بمشاركة الكارتل المالي الذي يقوده صندوق آنذاك عن تلك السياسة التي تتخلى عن المواطن المصري في مقابل ضبط الوضع المالي على المدى القصير'' -وفقًا للدراسة''.
تحسن الوضع في التسعينات
وأشارت الدراسة أن تحسن الوضع المالي في التسعينات لم يكن نتيجة فقط لسياسات التثبيت والتكيف الهيكلي ولكن أيضًا -وهو الأهم- نتيجة عملية إلغاء كبيرة للديون الخارجية كمكافأة لمصر على مشاركتها في حرب الخليج الأولى.
ولكن ترى الدراسة أن التحسن المالي في التسعينات كان مقابله مؤشرات سلبية، حيث قالت ''بدلًا من أن تساهم سياسات التثبيت والتكيف الهيكلي في علاج الميزان التجاري الذي يستنزف العملة الصعبة، أدت تلك السياسات في زيادة الوضع سوءًا، ففي 1994 ارتفعت قيمة واردات مصر بنسبة 4.3 بالمئة، مقارنة بعام 1991،
وانخفض قيمة الصادرات بنسبة 11.4 بالمئة في نفس الفترة، وهو مازاد من عجز الميزان التجاري بنسبة وصلت إلى 47.3 بالمئة.
ولفتت إلى أنه تم تخفيض النفقات الرأسمالية من 16 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 7 بالمئة، وهو ماساهم في تخلي الحكومة عن مسئوليتها في الإنفاق على البنية الأساسية الأمر الذي أدى لاحقًا لتداعي مستواها حتى الوقت الخارجي.
وبينت الدراسة أنه خلال فترة التسعينات، تراجع التضخم من 21 بالمئة إلى 6.3 بالمئة، ولكن البطالة ارتفعت من 9.5 بالمئة من قوة العمل إلى 11 بالمئة.
وأشارت إلى أن تطبيق سياسات صندوق النقد في التسعينات ساعدت على وضع الاقتصاد المصري في مكانة مستدامة حيث استمر في تحقيق مستويات مرتفعة من النمو الاقتصادي، وتزامن مع خفض مستويات الفقر على الأمد القصير والمتوسط لتصل إلى 16.7 بالمئة في عام 2000، لكن أثار هذه السياسات بعيدة المدى ساهمت في ارتفاعها المتسارع لأكثر من 27.8 بالمئة عام 2016.
صندوق النقد في 2016
وترى الدراسة أنه في ظل استمرار نفس العقلية الجامدة لصندوق النقد الدولي، يدفع مصر حاليًا لنفس مسار التسعينيات والتي ستؤدي على الأجل المتوسط على أفضل الأحوال إلى تعافي احتياطيات النقد الأجنبي بعد عمليات تعويم عنيفة للعملة المحلية.
وتوقعت الدراسة أن تساهم السياسات التي أعلنتها الحكومة مؤخرًا في تخفيض عجز الموازنة العامة عبر تخفيض الأجور الحكومية والدعم، مشيرة إلى أنه ساهمت
سياسات الثبيت والتكيف في التسعينات في تخفيض التضخم ولكنه ليس مرجحًا أن يتكرر الأمر في الوقت الحالي، نظرًا إلى أن هناك إجراءات محفزة على التضخم يتم تطبيقها بالفعل، ففي أفضل السيناريوهات ستسهم سياسات الصندوق الجديدة في كبح جماح التضخم عن الارتفاع بقوة.
كما توقعت الدراسة أن معدلات النمو الاقتصادي ستحقق تعافيًا قصيرًا على المدى القصير، ولكنها توقعت أن النمو الذي سيتحقق لن يدوم طويلًا حيث سيقطع عليه الطريق لاحقًا تراجع الاستهلاك بسبب التضخم وارتفاع الأسعار.
وأوضحت أنه لاتوجد أي توقعات بأن تسهم سياسات الصندوق الحالية في تخفيض معدلات البطالة والفقر المتصاعدة، وليس متوقعًا أن يتم حل أيًا من المشكلات التي تتسبب في تصاعد هذين المؤشرين.
سبب الأزمة.. وتجويع الوحش
وقالت الدراسة، أن عند النظر في العوامل التي قادت إلى الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر في الوقت الحالي، فإنه سيتم تكرار الحديث عن نفس العوامل التي كنا نتحدث عنها وقت أزمة الثمانينيات من ضعف القطاعين الأول والثانوي وتذبذب مصادر النقد الأجنبي، بالإضافة إلى حزمة 1991 ذاتها والتي قادت الاقتصاد المصري إلى الأزمة الحالية، -بحسب الدراسة-.
وأضافت أن سبب الأزمة الحالية كذلك، فشل الحكومة في زيادة إيراداتها عبر الضرائب بالمعدلات الملائمة، فخلال العقدين الماضيين كانت إيرادات الحكومة تتراجع من الضرائب كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المتوقع أن تكون أقل من 13 بالمئة خلال العام المالي الحالي.
وترى الدراسة أن هذه المعدلات المنخفضة من الإيرادات الضريبية لا تعود بشكل كبير إلى عدم كفاءة مصلحة الضرائب كما تقول الحكومة في تبريراتها لضعف
الإيرادات، ولكن السبب الرئيسي هو تطبيق الحكومة لسياسات ذات طابع ريجاني والمعروفة باسم ''تجويع الوحش'' كطريقة آمنة لتفكيك ماتم تطبيقه في فترة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من سياسة الدعم وغيرها.
- و''تجويع الوجش'' هي استراتيجية طورها وطبقها المحافظون الأمريكيون خلال فترة الثمانينيات لتخفيض النفقات الحكومية على البرامج الاجتماعية عن طريق تخفيض الضرائب لحرمان الحكومة من الموارد اللازمة لتمويل هذه البرامج، والوحش يرمز للحكومة.
وقالت الدراسة، ''إنه بتسليم فرضية النظرية الريجانية يكون الغياب المطلق للاستراتيجية الاقتصادية في مصر خلال الفترة الأخيرة جهودًا عمدية لاجبار المواطنينالمصريين على قبول تخلي الحكومة عنهم بدون أن تتم محاسبتهم عن شرعية حكمها لهم، وهي تقود البلاد بهذه الطريقة غير المسؤولة''، -بحسب ماجاء في الدراسة-.
خطوات بديلة للاقتراض
وقامت الدراسة باستعراض بعض الخطوات التي ينبغي على الحكومة فعلها إذا كانت تسعى إلى إصلاح الاقتصاد.. ومنها:
-تتخلى عن سياسات صندوق النقد الدولي وتتجه إلى تطبيق وتطوير نموذج اقتصادي مبني على تطوير القطاعين الأولي والثانوي واضعًا في اعتباره نظريات التجارة الاستراتيجية كطريق لتخفيض معدلات البطالة وتوفير مصادر مستقرة من النقد الأجنبي.
-بالنسبة للاحتياجات الحالية للعملة الصعبة، تستطيع مصر أن تستفيد من الركود العالمي للحصول على قروض رخيصة من أسواق المال العالمية والتي لن تفرض شروطًا مثل الصندوق.
-يجب أن يكون النظام الضريبي في مصر أكثر عدالة عبر تطبيق ضرائب تصاعدية وتقليل الاعتماد على ضرائب الاستهلاك، بجانب بناء شبكة أمان اجتماعي تراعي احتياجات المناطق الجغرافية المختلفة.
وشددت الدراسة على أهمية اتباع الحكومة تلك الإجراءات التي استعرضتها حتى لا تحتاج مصر إلى حزمة إنقاذ جيدة في 2041.
فيديو قد يعجبك: