هل تعطل "ضربة الاحتياطي" تحقيق المركزي لهدفه في 2016 وسط أزمة الدولار؟
تقرير - مصطفى عيد:
أثار تسجيل الاحتياطي من النقد الأجنبي أكبر تراجع في أكثر من 4 سنوات ونصف خلال شهر يوليو الماضي التساؤلات حول مدى قدرة البنك المركزي المصري على تحقيق الهدف الذي وضعه طارق عامر محافظ البنك بالوصول بالاحتياطي إلى 25 مليار دولار بنهاية العام الحالي 2016.
وتباينت آراء اقتصاديين بين عدم استطاعة البنك تحقيق هذا الهدف رغم المساعدات والقروض الخارجية المتوقع الحصول عليها خلال الفترة المتبقية من العام في ظل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وبين صعوبة الحكم على قدرة البنك على تحقيق الهدف طول الفترة المتبقية من العام وطبيعة الاقتصاد التي تتميز بالتغير السريع والمتلاحق.
ويعبر إجمالي الاحتياطيات الرسمية عن إجمالي الأصول الأجنبية لدى البنك المركزي والمستثمرة في الخارج (لدى غير المقيمين)، وتتكون من الذهب (على أساس تقييمه في نهاية السنة المالية)، ووحدات حقوق السحب الخاصة، والاستثمارات في الأوراق المالية الأجنبية، والودائع لدى المراسلين بالخارج، واتفاقات الدفع المبرمة مع بعض الدول، والاحتياطيات لدى صندوق النقد الدولي.
ويمثل صافي الاحتياطيات الدولية إجمالي الاحتياطيات الرسمية سالفة الذكر مطروحًا منه الالتزامات الأجنبية قصيرة الأجل، وتكمن أهمية الاحتياطي في اللجوء إليه في حالات الطوارئ والأزمات الاقتصادية وتراجع مصادر الدولة من الدولار بما لا يكفي الاحتياجات وهو ما حدث بعد ثورة 25 يناير 2011 حيث كان رصيد الاحتياطي قبلها 36 مليار دولار.
أكبر تراجع في 4 سنوات ونصف
وتلقى صافي احتياطي النقد الأجنبي "ضربة موجعة" حيث شهد انخفاضًا بنحو 2.010 مليار دولار خلال شهر يوليو الماضي مقارنة بشهر يونيو، ليسجل أكبر انخفاض في 4 سنوات و7 أشهر حيث سجل في ديسمبر 2011 انخفاضًا بلغ 2.031 مليار دولار.
وأوضح البنك المركزي خلال بيان له عبر موقعه الإلكتروني، أن صافي الاحتياطات الدولية بلغت 15.536 مليار دولار بنهاية شهر يوليو (بصفة مبدئية)، مقابل نحو 17.546 مليار دولار بنهاية شهر يونيو الماضي، ليسجل أقل مستوى منذ مارس 2015 حيث وصل وقتها إلى 15.291 مليون دولار.
وقام البنك خلال يوليو بسداد 1.02 مليار دولار سندات دولارية مستحقة لدولة قطر، و715 مليون دولار من المديونية القائمة في إطار نادي باريس، و250 مليون دولار الشريحة الأولى للوديعة الليبية لدى البنك المركزي المصري.
وكان البنك المركزي أعلن في منتصف مارس الماضي بعد أن قام بخفض العملة المحلية بنحو 14 بالمئة انتهاج سياسة أكثر مرونة فيما يتعلق بسعر الصرف والتي من شأنها علاج التشوهات في منظومة أسعار الصرف واستعادة تداول النقد الأجنبي داخل الجهاز المصرفي بصورة منتظمة ومستدامة تعكس آليات العرض والطلب.
وتوقع البنك أن تنعكس هذه الإجراءات على الاحتياطي من النقد الأجنبي، معلنًا استهدافه أن يسجل الاحتياطي حوالي 25 مليار دولار في نهاية عام 2016 نتيجة لجذب الاستثمار الأجنبي بعد الاطمئنان إلى إنهاء القيود ووجود خروج آمن لتلك الاستثمارات، واستعادة الاقتصاد المصري لقدراته التنافسية، وهو ما لم يظهر بوادره على الاحتياطي أو أوضاع الاستثمار في الأربعة شهور التالية وحتى الآن.
وتعاني مصر من أزمة في توافر السيولة الدولارية الكافية بالبنوك لاحتياجات الصناع والتجار والسوق بسبب تراجع المصادر الدولارية للدولة في السنوات الأخيرة وزيادة معدلات الاستيراد مما أدى إلى ظهور سوق سوداء للعملة وارتفاع سعر الدولار بها إلى أكثر من 12 جنيهًا مؤخرًا.
لن يستطيع
قال أحمد آدم الخبير المصرفي، إنه يتوقع عدم قدرة البنك المركزي المصري على تحقيق هدفه بزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي إلى 25 مليار دولار بنهاية العام الحالي 2016.
وأضاف آدم خلال اتصال هاتفي مع مصراوي، أن المساعدات المتوقع أن تحصل مصر عليها خلال الفترة المتبقية من العام لن تزيد عن 5.5 مليار دولار، فإذا تمت إضافتها إلى الاحتياطي الحالي البالغ 15.5 مليار دولار فلن يتعدى الاحتياطي 21 مليار دولار بنهاية العام وبالتالي لن يستطيع المركزي تحقيق هدفه.
ودفعت أزمة نقص العملة الدولة المصرية للتفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي لمدة 3 سنوات بحيث تحصل مصر على 4 مليارات دولار سنويًا من الصندوق، ومازالت المفاوضات التي بدأت منذ أكثر من شهرين جارية حاليًا في القاهرة للاتفاق على التفاصيل.
كما تسعى الحكومة لطرح سندات دولارية في الأسواق الدولية خلال الفترة المقبلة كانت أعلنت أنها ستتراوح ما بين 2 إلى 3 مليار دولار، ثم أعلنت مؤخرًا أنها ستكون ما بين 3 إلى 5 مليار دولار بحسب ظروف الأسواق، كما تعمل على إتمام قرض من البنك الدولي بقيمة 3 مليار دولار تقسم على 3 سنوات.
وتعمل الحكومة أيضًا على تعجيل الحصول على الدفعة الثانية من قرض بنك التنمية الأفريقي البالغ 1.5 مليار دولار والمقسم على 3 شرائح متساوية حصلت مصر منها على الشريحة الأولى، بالإضافة إلى مساعدات عربية كانت وعدت بها كل من السعودية والإمارات في الفترة الأخيرة.
ومن ضمن أهداف الحكومة من المفاوضات على دعم صندوق النقد الدولي لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الحصول على شهادة ثقة من الصندوق بأن مصر على الطريق الصحيح وتأكيد مصداقية الحكومة في الإصلاح بما يعمل على زيادة جذب الاستثمار الأجنبي ولكن ذلك على ما يبدو لن يتحقق في الشهور الأولى على الأقل بسبب انتظار بداية الحكومة في تطبيق البرنامج الذي سيتم الاتفاق عليه مع الصندوق.
وأوضح أحمد آدم، أنه من المتوقع أن تحصل مصر في حالة الاتفاق على قرض صندوق النقد الدولي على شريحة أولى تصل إلى 2 مليار دولار، وإذا أتمت الاتفاق على قرض البنك الدولي الحصول على أول حصة سنوية منه بقيمة مليار دولار، بالإضافة إلى 500 مليون دولار الشريحة الثانية من قرض التنمية الأفريقي، بالإضافة إلى 2 مليار دولار مساعدات عربية نصفها من الإمارات والنصف الثاني من السعودية.
السندات الدولارية ودعم الاحتياطي
وتوقع آدم عدم تغطية السندات الدولارية المتوقع أن تطرحها مصر قريبًا في الأسواق الدولية، وذلك لأن شهادات الادخار الدولارية التي تم طرحها خلال الفترة الأخيرة في البنوك لم تحقق النتائج المأمولة رغم معدلات العائد المرتفعة بالإضافة إلى الدافع الوطني لشراءها للمساعدة في حل أزمة السيولة الدولارية.
ولفت إلى أنه بالإضافة إلى ذلك السبب كانت مصر طرحت أذون خزانة دولارية بأسعار عائد مرتفعة لصناديق الاستثمار المباشر بالخارج على أن يتم تجنيبها تقلبات أسعار الصرف ولكن الإقبال من هذه الصناديق كان ضعيفًا، مطالبًا وزارة المالية بالتمهل ودراسة طرح سندات بالأسواق الدولية بشكل كافٍ لأن عدم تغطية هذه السندات سيؤثر على سمعة مصر بالسلب في الأسواق الخارجية.
ونبه آدم إلى أن إمكانية الاعتماد على البنك في دعم الاحتياطي من النقد الأجنبي، وهو الأسلوب الذي اتبعه البنك المركزي مؤخرًا، أصبحت ضعيفة لأن السيولة المتاحة لدى البنوك أصبحت ضعيفة ولا تكفي سوى احتياجاتها للتعامل مع العملاء، كما أن البنوك المصرية لن تستطيع تغطية السندات المتوقع طرحها في الأسواق الدولية لنفس السبب.
الحكم صعب
ومن جانبه، قال فؤاد شاكر الأمين العام لاتحاد المصارف العربية سابقًا، إنه من الصعب الحكم حاليًا على مدى استطاعة البنك المركزي على تحقيق هدفه بزيادة الاحتياطي إلى هذا المبلغ بنهاية العام.
وأضاف خلال اتصال هاتفي مع مصراوي، أنه من المبكر الحكم على ذلك الهدف رغم تراجع الاحتياطي بأكثر من 2 مليار دولار في يوليو الماضي لأن الفترة المتبقية من العام قد تحمل الكثير من الأحداث فطبيعة الاقتصاد تتسم بالتغير المستمر والمتلاحق.
وذكر أن الظروف الخارجة عن إرادة البنك المركزي هي التي أدت لتراجع الاحتياطي بسبب عدم وجود الحصيلة بالشكل الذي يغطي الاحتياجات الدولارية بالشكل الكافي، وأن المركزي عندما وضع هدف الـ 25 مليار دولار للاحتياطي بنهاية العام كان ذلك وفق توقعات تتوقف على ظروف معينة معرضة للتغير في أي وقت.
ولفت شاكر إلى أنه ربما عند وضع هذا الهدف كان هناك توقع بحدوث انفراجة للأوضاع الاقتصادية بشكل أكثر مما يحدث حاليًا خاصة على مستوى العلاقات الخارجية بشأن روسيا وبريطانيا وإيطاليا سواء من ناحية السياحة أو العلاقات التجارية والاستثمارية، حيث ترتبط مكونات الاقتصاد كلها ببعضها.
وتراجعت أوضاع السياحة بشدة منذ سقوط طائرة ركاب روسية في سيناء في نهاية أكتوبر الماضي كانت أقلعت من مطار شرم الشيخ وقررت دول على أثرها وقف الرحلات الجوية لشرم الشيخ منها روسيا المصدر الأولى للسياح بمصر، وبريطانيا، كما حدث توتر بالعلاقات مع إيطاليا بسبب قضية مقتل الطالب ريجيني بالقاهرة.
ونبه إلى أنه يرى أن مصر تشهد بداية انفراجة في الأوضاع الاقتصادية ولكنه لا يستطيع توقع إلى أي درجة يمكن أن تصل هذه الانفراجة، مطالبًا بالاستمرار في سياسات الحد من الواردات وتشجيع زيادة الإنتاج المحلي وتيسير المشروعات والقضاء على المعوقات التي تواجه تنفيذها.
تراجع مصادر الدولار
وأعلن البنك المركزي المصري، في يوليو الماضي، أن معاملات الاقتصاد المصري مع العالم الخارجي خلال أول 9 أشهر من السنة المالية (2015 - 2016) - أي الفترة ما بين يوليو إلى مارس - عن ارتفاع العجز الكلي بميزان المدفوعات إلى 3.6 مليار دولار مقابل مليار دولار خلال نفس الفترة من السنة المالية السابقة.
وشهدت 4 من مصادر الدولار في مصر تراجعًا بقيمة 8 مليار دولار خلال أول 9 أشهر من العام المالي (2015 - 2016) مقارنة بالفترة المماثلة من العام المالي السابق عليه (2014 - 2015)، (أي بما يعادل أكثر من ضعف إيرادات قناة السويس خلال نفس الفترة).
وتشمل المصادر الأربعة تراجع الصادرات السلعية بقيمة 3.7 مليار دولار، والتحويلات الخاصة (تشمل تحويلات المصريين بالخارج) بقيمة 1.9 مليار دولار، وإيرادات السياحة بنحو 2.2 مليار دولار، وإيرادات قناة السويس بنحو 204 مليون دولار، بينما ارتفع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر بنحو 731 مليون دولار.
فيديو قد يعجبك: