قصة "حذاء" تسبب في براءة رجل من اغتصاب سيدة
كتب - محمود سعيد:
"بغيرها تموت المحاماة وتتعثر العدالة في نشدانها لغايتها" كلمات وصف بها الفقيه رجائي عطية، نقيب المحامين، الحصانة التي منحتها محكمة النقض وقانون العقوبات للمحامي من اتهام الخصوم له بالسبّ والقذف والبلاغ الكاذب أثناء دفاعه.
لكنَّ "عطية" يشير في كتابه "رسالة المحاماة" الصادر عام 2008 إلى عدم خلود فرسان المحاماة إلى الضمانة أو الحصانة "ففيها ثغرة للوصول إليهم"، لذا استعاضوا بأدب المحاماة الرفيع، وفكرها الراقي، ومنطقها الناصع، لإيراد ما يشاؤون من حجج وبراهين تقيهم ثأر أو انتقام من يضايقهم منطق الحق ويضيقون بالعدل والإنصاف.
فمن ذاكرة المحامين، ما تداولته الأجيال -وأورده الكتاب- عن قضية صادف فيها الأستاذ مكرم عبيد (أكتوبر 1889 - يونيو 1961) موقفًا بالغ الصعوبة، إذ ادعت سيدة على موكله بأنه اعتدى عليها واغتصبها كرهًا.
لكن يُدرك "عبيد" الذي درس القانون في جامعة أوكسفورد، أن جريمة القذف قد تتوافر في حقه إذا انفلت دفاعه إلى إبداء أن المواقعة (العلاقة الجنسية) كانت بكامل إرادتها ورضاها، فإطلاق ذلك سوف يعوزه الدليل ولم تكن الواقعة إلا بين اثنين لا ثالث لهما.
"لأن بنت حواء لن تنزلق إلى ذلك الادعاء مع ما يصاحبه من المساس بسمعتها"، فانتصرت النيابة لقولها وحجتها غالبة حسب المجرى العادي للأمور، فلم تسمع النيابة للمتهم ولم تصدقه وأحالته لمحكمة الجنايات بتلك التهمة الخطيرة التي تصل عقوبتها إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.
أراد مكرم عبيد أن يتجنب جريمة القذف إن بنى دفاعه بغير دليل على "رضاء" المدعية، هنا تجلَّت ألمعية وفراسة وبديهة المحامي الفذ.
فاجئ "عبيد" المدعية وهيئة المحكمة بطلب غريب استهل به حديثه "فطالبها بتعويض عما أتلفته من الفراش بصعودها إليه محتذية حذاءها"، ومع المفاجأة انفلت لسان المدعية بالحقيقة.
تسرَّعت السيدة المُدعية قائلة -دون انتباه- أنها خلعت حذاءها قبل أن تصعد إلى الفراش، فكانت "سقطة مدوية" وأثرها مفجرًا وفاضحًا لزيف وكذب ادعائها.
واستشهد الأديب مكرم عبيد على مسيحيته بقصة امرأة العزيز مع يوسف الصديق والتي رواها القرآن الكريم "وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ، فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ".
ومع الجلال الذي شمل الموقف، والانبهار بذكاء وحيلة مكرم عبيد، أصدرت المحكمة حُكمها ببراءة، والذي يصفه الفقيه رجائي عطية في كتابه بأنه "ثمرة لعظمة المحامي الفذ".
فيديو قد يعجبك: