كفر حكيم تبكي "قتيل الغدر".. حكاية اليوم الموعود في أرض الأجداد
كتب- محمد شعبان:
"يالا يا عمر هنتأخر.. مافيش وقت".. الثانية عشرة منتصف ظهر الخميس الماضي، اصطحب العم ابن أخيه الفتى صاحب الوجه البشوش إلى قطعة أرض من إرث الأجداد للتصدي إلى بلطجية مدججين بالسلاح بحثا عن الاستيلاء عليها بوضع اليد. رحلة محفوفة بالمخاطر لم يدر صاحب الـ16 ربيعا أنها ستكون الأخيرة وسيرحل ليجاور والده تحت الثرى في جريمة قتل اتشح معها مركز كرداسة بالسواد حزنا على "قتيل الغدر".
قبل 5 سنوات ظنت ربة منزل أنها على موعد مع اليوم الأصعب في حياتها برحيل رفيق دربها وشريك حياتها وعائل أسرتها الوحيد حتى استفاقت على كابوس مفزع أشد قسوة.
رُزقت السيدة بأربعة أطفال (ولد - 3 بنات)، أقسمت على تربيتهم لتهدي المجتمع "أبا عظيما وأما فاضلة". سرعان ما تحمل "عمر الكومي" المسؤولية وهو في الحادية عشر من عمره عقب وفاة والده.
عُرف الفتى البشوش بشهامته ورجولته المبكرة التي لم يختلف عليها اثنان حتى اجتمع أفراد عائلته بكفر حكيم على دماثة خلقه ومروءته التي بدت جلية منذ نعومة أظافره.
قرر "عمر" اقتحام سوق العمل مبكرا، استغل سيرة والده العطرة للعمل في مصنع للغزل والنسيج كان والده مديرا للمخازن ليقسم وقته بين الدراسة والعمل ومن ثم مساعدة والدته في مصروفات المنزل.
رغم زيادة أعباء الفتى إلا أن حرصه على مد يد الخير إلى الجميع -ما بين أقاربه وجيرانه وأصدقائه- كانت السمة السائدة لتعاملاته اليومية فتجده يساعد في تجهيزات حفل جاره، وينقل آثاث عروس من العائلة ويشاطر صديقه في أحزانه حتى أن كثيرين باتوا ينتظرون رد الجميل
لـ"أيقونة الجدعنة" في القرية لكن القدر لم يمنحهم تلك الفرصة.
الخميس الماضي، ورد اتصال هاتفي لعم عمر أخبره المتصل "إلحق بسرعة في بلطجية نزلوا الأرض بتاعتكم". لم ييتردد العم في التوجه لاستبيان الأمر مكتفيا باصطحاب الصبية دون الاستنجاد بكبار العائلة ظنا منه أن هناك خطأ سيتم تداركه.
مرَّ العم على منزل شقيقه المتوفى "والد عمر" لاصطحابه إلى قطعة الأرض التي تعود ملكيتها إلى الأجداد وتتوارثها الأجيال على مدار 60 سنة، ولم يتبق منها سوى 2000 متر (إرث والد عمر وشقيقيه).
"يابني يالا كده اتأخرنا".. على أحر من الجمر انتظر العم ومرافقوه "عمر" للذهاب معهم في الوقت الذي تستعجل الأم ابنها احتراما لهؤلاء الواقفين أسفل المنزل.
مع خروج صاحب الـ16 سنة من باب المنزل، انقبض صدر الأم كما لو ان قلبها يحدثها بما ستؤول إليه الأحداث، إلا أنها سارعت بالدعاء لفلذة كبدها أن يعود إليها سالما غانما.
بالانتقال إلى قطعة الأرض الواقعة على الطريق العمومي، اصطدم العم ومرافقوه بـ6 أشخاص مدججين بالسلاح والشوم، بدا المشهد ملبدا بالغيوم، مقدمات تنذر بكارثة.
تدرج سريع في لغة الحديث بين الطرفين بدأ بسؤال أصحاب الأرض "بتعملوا هنا ايه؟" فجاء الرد حادا للتأزم الأمور في غضون دقائق.
الثانية عشرة ونصف ظهرا، قرر الطرف الثاني استخدام لغة السلاح لحسم الخلاف، أطلقوا النار على عم "عمر" والبقية. لم يكن إطلاق الرصاص عشوائيا ليصف أحد الحضور المشهد "صوت الطلقة جنب أذني.. الضرب كان في المليان مش تهويش".
تعقدت الأمور، بات الطرف الأول "العُزَّل تحت الحصار، دوي الطلقات أضحى سيد الموقف، ولدى محاولتهم إيجاد فرصة للنجاة تلقى "عمر الكومي" طلقة بالرأس "دخول وخروج" ليصاب الجميع بشلل مؤقت أفقدهم القدرة على الحركة والحديث لثوان.
بحلول الواحدة ظهرا، انتهى كل شيء، فاضت روح الفتى إلى بارئها متأثرا بإصابته القاتلة ليعم الحزن أرجاء كفر حكيم بعد انتشار خبر مقتل "أيقونة الجدعنة".
في أقل من 24 ساعة، تمكنت قوات الشرطة بقيادة العقيد محمد عرفان مفتش فرقة شمال أكتوبر، والمقدم مجدي موسى وكيل الفرقة، تنسيقا مع ضباط مباحث كرداسة من ضبط المتهم الرئيسي ويدعى "حسن. ص." 42 سنة، مسجل خطر وشهرته "أبوكيلة" وبحوزته السلاح المستخدم في الواقعة "بندقية
آلي".
وفي جنازة مهيبة، ودع المئات "قتيل الغدر" إلى مثواه الأخير مطالبين بالقصاص العادل وضبط باقي المتورطين في الجريمة والتصدي لـ"مافيا سرقة الأراضي".
فيديو قد يعجبك: