لهذه الأسباب قضت المحكمة بوقف تنفيذ منع رئيس الزمالك من الظهور الإعلامي
كتب- محمود الشوربجي:
قضت الدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، في الدعوى رقم 24105 لسنة 73 ق، المقامة من رئيس نادي الزمالك، ضد رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بصفته، بوقف تنفيذ القرار المطعون عليه، فيما تضمنه في مادته الأولى من منع استضافة المدعي في جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والإلكترونية والصحف لمدة شهرين، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت المدعى عليه بصفته مصروفات الشق العاجل من الدعوى، وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعها.
وأوضحت المحكمة أن من المعلوم بالضرورة أن حرية التعبير تنبع من فيض الكرامة الإنسانية التي أنعم بها المولى عز وجل على البشرية جمعاء، وهي تعد أحد الأعمدة الرئيسية في بنيان الحقوق والحريات الوارد بالدستور المصري، بحسبانها الأصل الذي يتفرع عنه العديد من الحريات الأخرى الاجتماعية والثقافية والفكرية، كحرية العقيدة وحرية الإبداع والنشر والصحافة وحرية البحث العلمي، وتعتبر حرية التعبير أحد أهم الوسائل الذي يتمكن من خلالها الفرد من تحقيق ذاته والمشاركة بفاعلية في مجتمعه، وهي بهذه المثابة ترتبط بعلاقة وثيقة بقيمة الانتماء والمفاهيم الخاصة بنمو المجتمعات وتقدمها.
وعلى الرغم من أن ما لحرية التعبير من مرتبة عليا في مدارج النظام العام المصري، فإنها ليس لها من ذاتها ما يعصمها من التقييد، فهي ليست من الحريات المطلقة، ذلك أن أثرها لا يقتصر على صاحب الرأي وحده، بل يتخطاه إلى غيره، وقد يشمل المجتمع بأسره، ومن ثم فإنه يجوز تقييدها درئاً لغمط حقوق الآخرين، أو حال وجود مصالح أخرى ترجحها، إلا أنه من الشروط التي يتعين أن تتوافر في القيود المفروضة على الحق في حرية التعبير أن يتم النص عليها صراحة في القانون.
وأوردت المحكمة تأسيسا لحكمها، أنه لما كان القانون رقم 180 لسنة 2018 المذكور، قد أوكل العديد من السلطات والاختصاصات إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وذلك في مواجهة الكيانات والمؤسسات والوسائل الصحفية والإعلامية والمواقع الإلكترونية، بحسبانها المسؤولة عما تقدمه من مواد صحفية وإعلامية، فإنه لا يجوز للمجلس أن يجنح عن ذلك وأن يباشر أي من تلك السلطات أو الاختصاصات في مواجهة المواطنين، وهذا هو مؤدي الإجراء الوارد بالقرار المطعون عليه، وما انطوى عليه عملا، بما أفضى إليه من حرمان المدعي من الظهور الإعلامي للفترة المذكورة، وإن كان ظاهر هذا القرار أنه يخاطب وسائل الإعلام والصحف.
كما ذكرت المحكمة أنه إذا كان الدستور قد أناط بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مسؤولية وضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الصحافة ووسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها والحفاظ على مقتضيات الأمن القومي، وأوجب عليه القانون اتخاذ الإجراءات المناسبة اللازمة لبلوغ تلك الغايات، وخوَّله من الاختصاصات والسلطات، وأتاح له استخدام العديد من التدابير وتوقيع ما يراه ملائماً من الجزاءات المعينة له في هذا المقام، فإن التنظيم القانوني لصلاحيات المجلس قد جاء خاليا مما يجيز للمجلس سلطة منع استضافة المواطنين في وسائل الإعلام والصحف.
وعلى نحو ما ورد بالقرار المطعون عليه، ومن ثم فإنه لا يحق للمجلس إصدار مثل هذا القرار، ولا مجال للاستنباط أو القياس في هذا المقام، إذ إن القيود المتعلقة بحرية التعبير لا بد وأن يتم النص عليها صراحة في القانون، كما ذكرت المحكمة آنفاً، ولا جدال أن حرية التعبير من الحريات الأصيلة التي كفلها الدستور وأكدت عليها المواثيق الدولية، لما لها من أهمية محورية في الدولة الحديثة، ومن ثم فإنه يتعين أن تخضع القيود المفروضة عليها للإجراءات المتطلبة لصدور القانون، بما يحيط بها من ضمانات، وما تتسم به من تمحيص وتروي، لتخرج في النهاية معبرة عن إرادة المشرع الذي ينزه عن ثمة خطأ أو اندفاع.
ورفضت المحكمة ما جاء بمذكرة الدفاع المقدمة من المجلس المدعى عليه من أن له الحق في منع استضافة المدعي في الوسائل الإعلامية، بحسبان القانون رقم 180 لسنة 2018 المذكور قد أناط به سلطة منع نشر أو بث المادة الإعلامية المخالفة لفترة محددة أو بصفة دائمة، فذلك قياس في غير محله، فمشمول ما يصدر عن الإنسان أعم وأوسع نطاقا من أن يوصف بأنه مادة إعلامية، فضلا عن أن افتراض أن المدعي لن ينطق إلا بما لا يتعين الاستماع إليه خلال مدة منع استضافته إعلاميا ينافي الفطرة الطيبة التي تلازم النفس البشرية منذ خلقها.
واختتمت المحكمة حكمها بأنه لما شاب القرار المطعون عليه من مثالب، فإنه يكون قد صدر بحسب الظاهر من الأوراق ودون التوغل في الموضوع- بالمخالفة لأحكام الدستور والقانون، ويضحي من ثم مُرجح الإلغاء لدى نظر موضوع الدعوى، وهو مما يتوافر معه ركن الجدية المُتطلب قانونا لوقف تنفيذه، فضلاَ عن توافر ركن الاستعجال لما يترتب على تنفيذ هذا القرار من آثار فادحة تتمثل في استمرار الاعتداء على حق دستوري أصيل وحرية من الحريات الأساسية.
فيديو قد يعجبك: