لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

حمادة الطيب قتل أباه.. قصة جريمة كشفها الذباب في العقار (7) ببولاق (صور)

08:30 ص الإثنين 14 أكتوبر 2019

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمد شعبان:

سأم الحاج محمود من سلوكيات نجله الطائش، وكثرة طلبه للمال لشراء أقراص مخدرة تمنحه قوة زائفة وتأخذه في جولة وهمية بعيدًا عن الواقع، رفض منحه أي مبالغ أخرى، فعوقب بالقتل بطريقة بشعة إذ دفنه فلذة كبده في مقبرة أسمنتية أسفل سرير غرفته، وخيل له الشيطان السبيل باحتمالية إخفاء معالم جريمته، إلا أن الحكاية انتهت به أشلاء على شريط السكة الحديد.

"محمد م." 30 سنة، شهرته "حمادة الطيب"، عامل بسيط يمتهن النقاشة وأعمال الجبس، عُرف بوجهه البشوش ووصلات الهزار بين قاطني شارع خليلي الحوتي بمنطقة صفط اللبن بحي بولاق الدكرور غربي محافظة الجيزة.

منذ عقد ونصف (15 سنة) عُقد قران "حمادة" على إحدى فتيات المنطقة، استقر به الحال في عش الزوجية البسيط، اتفقا على السير معًا وتخطي العقبات، ورُزقا بطفلة باتت محور حياة الأبوين، لكن المرض اللعين أصاب عقد الأسرة في مقتل، أصيبت الطفلة بالسرطان، وتلاها مشكلات عدة تسربت إلى العش الذي فقد سكونه.

رويدًا رويدًا أضحى الشجار هو اللغة السائدة بين الزوجين، وصل قطارهما محطته الأخير "الطلاق" مع مكوث الابنة مع والدتها -بمنزل أسرتها الكائن في نهاية الشارع نفسه- للاعتناء بها لا سيما ظروفها الصحية، وعاد هو للحياة مع والده "محمود" وزوجته "نجاح" في الشقة التي تملكها الأخيرة بعقار ملك عائلتها.

تبدلت حياة "حمادة الطيب"، صار أسير الأقراص المخدرة التي أهلكت ما تبقى من قواه التي خارت، يفرح بحصوله على "شغلانة" لتنفيذ أعمال النقاشة في إحدى الشقق مقابل مبلغ مالي سرعان ما ينفقه على "الكيف" ومصروفاته الشخصية ثم يلجأ بعدها للاقتراض من والده.

حاول الموظف بالمعاش تقويم سلوكيات نجله وطالبه بضرورة الاعتناء بصحته والاهتمام بتوفير تكاليف علاج ابنته المريضة، حتى أنه اقترح عليه التردد على مصحة لعلاج الإدمان لكن دون جدوى، قوبلت مقترحات العجوز بالرفض القاطع.

الأربعاء الماضي، بدت الأجواء مستقرة داخل الشارع الضيق، حركة المارة طبيعية حتى قطعت أصوات سرينة سيارات الشرطة تلك الحالة، قوة مكبرة من قسم شرطة بولاق الدكرور حضرت رفقة "حمادة الطيب" وسط تساؤلات الجيران عما يجري فجاءت الإجابة على لسان أحد الشرطيين: "بلاغ تغيب وجايين نعاين الشقة".

لم يستغرق رجال المباحث وقتًا طويلًا داخل شقة الحاج محمود، غادروا المكان دون العثور على أدلة تقودهم لفك طلاسم اختفاء الرجل الذي بلغ من العمر أرذله، بينما سيطر الصمت على نجله "حمادة" حزنًا على اختفاء والده في ظروف غامضة.

بحلول المساء، استقل "حمادة الطيب" دراجته النارية متجولًا بين شوارع المنطقة محل سكنه، يمارس أفعاله المعتادة، ودخل في وصلة مزاح مع شباب المنطقة متسائلًا: "محدش شاف أبويا يا جدعان؟" ليختفي بعدها.

بالانتقال إلى ديوان قسم شرطة بولاق الدكرور، وتحديدًا الطابق الثاني حيث وحدة المباحث، تحول مكتب المقدم محمد الجوهري إلى غرفة عمليات، اجتماع مغلق مع معاونيه لبحث تطورات بلاغ التغيب، خطة بحث محكمة وضعها العقيد محمد الشاذلي مفتش مباحث غرب الجيزة، تركزت على فحص علاقات الأب والوقوف على وجود خلافات بينه وبين آخرين فضلًا عن طبيعة حياته العائلية.

72 ساعة مرت على البلاغ دون جديد حتى اشتم قاطنو العقار رقم (7) رائحة كريهة ولاحظوا تجمع الذباب على بطاطين عليها آثار دماء ملقاة في مدخل المنزل، فأبلغوا شرطة النجدة التي أخطرت بدورها العقيد شامل عزيز مأمور القسم، السبت الماضي.

دقائق معدودة وصلت معها قوة من رجال المباحث بقيادة الرائد مجدي عوض والنقيب أيمن سكوري معاوني مباحث بولاق الدكرور، فرضوا طوقًا أمنيًا بمحيط العقار، ما إن وقعت أعينهم على "البطاطين" الملطخة بالدماء حتى أيقن الضابطان أنهما أمام جريمة قتل تكشفت أبعادها للتو، دلفا إلى الداخل لإجراء معاينة دقيقة حتى لاحظا آثار رمال وأسمنت بأحد الأركان، بتتبعها قادتهما إلى غرفة الابن المختفي "حمادة".

ثمة أمر غريب عن الزيارة السابقة، رائحة كريهة كتلك المعهودة في المقابر، حتى كان الحضور على موعد مع مفاجأة صادمة، عُثر على مقبرة أسمنتية أسفل السرير بفتحها تبين وجود جثة الأب المبلغ بتغيبه ليبلغ رجال المباحث النيابة العامة والأدلة الجنائية، بينما أمسك أحد الضباط جهاز اللا سلكي محدثا رئيس المباحث "الموضوع طلع جريمة قتل يا فندم".

تبدلت المعطيات، بات رجال التحقيق أمام جريمة قتل، انطلق النقيب أحمد مندور معاون مباحث بولاق الدكرور، لجمع المعلومات حول علاقة الأب مع أفراد أسرته، وأكد الجيران أنه كان قليل الظهور: "بنشوفه كل فين وفين.. ساعات بيقف قدام البيت.. لكن راجل طيب في حاله" وأجمعوا على توتر علاقة الضحية بنجله "حمادة" وأنهما دائما الشجار بسبب رفض الأب منح ابنه المال لشراء المخدرات، الرواية التي صدقت عليها الزوجة أيضًا.

بمرور الوقت بدت الصورة أكثر وضوحًا، تخلص الابن الهارب من والده لدى تواجدهما بمفرديهما في المنزل -بينما كانت الزوجة في زيارة لابنتها- أقام حفرة أسفل سرير غرفته، لف الجثة بملاءة سرير ودفنها ثم صب عليها طبقة أسمنتية خشية افتضاح أمره، ثم أسرع إلى ديوان القسم للإبلاغ عن تغيب والده بخلاف الحقيقة.

على مدار يوم كامل، وجه العميد عاصم أبوالخير مدير المباحث الجنائية بالجيزة، بتضييق الخناق على المتهم ونشر أوصافه على الأقسام والكمائن، وتم استهدافه بمأموريات في الأماكن التي يتردد عليها، إلا أن جهود الشرطة لم تكلل بالنجاح وكأنه تحول إلى سراب.

بحلول المساء، تلقى العميد عمرو طلعت رئيس مباحث قطاع شمال الجيزة، إشارة من شرطة النجدة بالعثور على جثة على شريط السكة الحديد بدائرة قسم شرطة إمبابة تحمل أوصافًا مشابهة للمتهم المطلوب ضبطه وإحضاره على خلفية اتهامه بقتل والده.

أسرع المقدم محمد الجوهري، ومعاوناه الرائد مجدي عوض والنقيب أحمد مندور إلى مكان الجثة التي تحولت أشلاء، وتبين تطابقها مع الجاني، إذ أقدم على الانتحار تحت عجلات القطار ليسدل الستار على إحدى أبشع الجرائم التي سجلتها محاضر الشرطة مؤخرًا.​

فيديو قد يعجبك: