لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

جدار برلين: أوروبا تعيد بناء جدران جديدة بعد 30 عاما من هدمه

01:24 م السبت 09 نوفمبر 2019

جدار برلين

(بي بي سي):

مر ثلاثون عاما على هدم جدار برلين، الحاجز الذي كان رمزا لقيود حدودية قاسية، منعت سكان دول شرق أوروبا الشيوعية من السفر إلى الغرب طوال فترة الحرب الباردة.

ورغم مرور عقود على هدم هذا السور، إلا أن آلاف الكيلومترات من الأسوار حلت محله في مختلف أنحاء القارة، بهدف تقييد حركة مواطني أوروبا.

ويدور الأمر حول علاقة أوروبا المتوترة بفكرة الهجرة. وبحسب منظمة أطباء بلا حدود، أدت هذه العلاقة إلى "تطبيع سياسات انتقامية، أدت إلى معاناة وغرق المهاجرين في البحر" من خارج دول الاتحاد الأوروبي.

وأظهرت مثل هذه التطورات دول أوروبا وكأنها مهتمة بالتداعيات الاقتصادية والسياسية للهجرة، أكثر من الاهتمام بالجانب الإنساني.

لماذا بني سور برلين؟

في أعقاب الحرب العالمية الثانية، انقسمت أوروبا إلى جانب شيوعي في الشرق، وجانب رأسمالي في الغرب.

ومع اتباع الحكومات الشرقية لنهج قمعي، قرر الملايين من سكانها الهجرة إلى دول الغرب، فمثلا نزح حوالي 2.7 مليون شخص من ألمانيا الشرقية إلى ألمانيا الغربية في الفترة بين 1949 و1961.

ولمواجهة ظاهرة الهجرة، وضعت الدول التابعة للمعسكر السوفيتي قيودا صارمة على الحدود، من بينها الأسوار الكهربائية وحقول الأنغام وحرس الحدود المسلحين الذين استخدموا القوة لمنع الناس من العبور إلى الجانب الغربي.

وقالت رئيسة وزراء بريطانيا عند انتهاء الحرب الباردة، مارغريت ثاتشر، إن دول المعسكر الشرقي "كشفت عن قسوتها وهمجيتها أثناء محاولتها إيقاف الرحلة إلى الحرية".

وكانت أشهر هذه المحاولات هي بناء جدار برلين عام 1961، ليقسم العاصمة التاريخية لألمانيا.

وفي عام 2017، كشفت دراسة أُجريت في الجامعة الحرة في برلين أن 262 شخصا قتلوا أثناء محاولتهم عبور الجدار.

ترحيب حار

رحب سكان الجانب الغربي بالمهاجرين الفارين من دول الجانب الشرقي، وأدانوا القيود المفروضة على الحركة والطريقة القاسية التي فُرضت بها.

وبالنسبة لحكومات المعسكر الغربي، كانت حجتهم المعارضة للقيود على الهجرة الجماعية واضحة، إلا أن هذا الموقف لم يستمر.

وفي سياق الحرب الباردة، كانت حركة الهجرة الجماعة هذه بمثابة إهانة لدول المعسكر الشرقي، إذ تثبت أن مواطنيها يريدون الرحيل والحياة في الدول التي تحكمها الأيديولوجية المعارضة.

وبالتزامن مع هذا الوضع، كانت اقتصادات المعسكر الغربي تنمو بسرعة، وتقل فيها معدلات البطالة، وساعدت حركة الهجرة في تحسين وضع الاقتصاد لأنها سدت العجز في أعداد العمال.

ونظمت الحكومة البريطانية وفود المهاجرين إلى المملكة المتحدة من أوروبا الشرقية، لتغطية العجز الذي تعانيه في أعداد الأيدي العاملة بعد الحرب.

وبعد إنشاء جدار برلين، سارعت ألمانيا الغربية إلى الاتفاق مع تركيا والمغرب لتعويض التراجع المفاجئ في أعداد المهاجرين، بعد انقطاع السبل مع أوروبا الشرقية.

ودعمت هذه القيود على حركة العمال وضع دول غربي أوروبا، التي بات بإمكانها انتقاد سياسات المعسكر الشرقي التي لا تسمح بالهجرة، ولم يعد من واجبها التعامل مع أفواج المهاجرين الذين يحاول عبور حدودها من الشرق.

أوروبا جديدة

لكن هذا الوضع المريح لم يستمر إلى الأبد.

فقد انهار المعسكر الشرقي منذ ذلك الوقت، وأصبحت الكثير من الدول الشيوعية سابقا أعضاءا في الاتحاد الأوروبي، بجانب دول المعسكر الغربي.

لكن طريقة التعامل مع الهجرة الجماعية اختلفت بشدة.

والكثير من الدول التي كان مواطنوها محبوسين وراء الحواجز، أصبحت الآن تبني حواجزها لمنع الناس من دخولها.

وفي الوقت الذي يسهل فيه الانتقال بين دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن المنظمة تعمل باستمرار على تقوية حدودها الخارجية، وهي العملية التي عُرفت باسم "قلعة أوروبا".

وأغلب الجهود الوقائية تقع في جنوب القارة، حيث تستقبل القارة مسارات الهجرة الرئيسية من أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا.

وبنت المجر حاجزا مزدوجا لمسافة 155 كيلومترا، بطول حدودها مع صربيا، ومزود بأجهزة إنذار وكامرات حرارية.

كما بنت بلغاريا حاجزا لمسافة 260 كيلومترا، بطول حدودها مع تركيا.

وعلى شواطئ القارة على البحر المتوسط، يحاول اللاجئون العبور إلى دول الاتحاد الأوروبي من شمال أفريقيا عن طريق القوارب. وتتصدى لهم القوات البحرية وتعيدهم إلى الدول التي جاءوا منها، ما يخلق "سورا بحريا"، على حد وصف مجموعات الضغط مثل معهد ترانسناشونال. والدول التي يتجه إليها المهاجرون بشكل أساسي هي إيطاليا، واليونان، وأسبانيا.

لكن الحواجز لا تنتهي عند حدود الاتحاد الأوروبي، فثمة حواجز أخرى تمنع المهاجرين من التحرك إلى داخل أوروبا.

فالمجر، على سبيل المثال، بنت حاجزا يمتد على مسافة 300 كيلومترا بطول حدودها مع كرواتيا، والنمسا بنت حاجزا بطول حدودها مع سلوفينيا، وسلوفينيا بدورها بنت حاجزا على حدودها مع كرواتيا.

وتقول منظمة أطباء بلا حدود أن الاتحاد الأوروبي تسبب في "معاناة إنسانية غير مروية عن طريق إدارتها لملف الهجرة وحماية الحدود."

غير مرحب به

وجاءت السياسات الأوروبية القاسية تجاه الهجرة كجزء من تغير توجهاتها.

ففي الماضي، كان الدفاع عن حرية الحركة مفيدا سياسيا في مواجهة السياسات القمعية لدول المعسكر الغربي.

لكن في عام 2015، بعد أكثر من عقدين على انتهاء الحرب الباردة، أصبحت الهجرة أمرا مؤرقا بشكل متزايد. وبدأ مئات الآلاف من المهاجرين في التوافد إلى الاتحاد الأوروبي، إذ وصل أكثر من 220 ألفا خلال شهر أكتوبر وحده.

وقويت شوكة أحزاب اليمين المتطرف في أنحاء أوروبا، عن طريق الدعاية ضد الهجرة والمهاجرين، كما غيرت الكثير من الأحزاب من سياساتها.

وما زال الاقتصاد الأوروبي يترنح منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، وأصبحت حركة النمو المتسارع وتراجع البطالة في أعقاب الحرب العالمية الثانية مجرد ذكرى.

وفشلت محاولة تفريق المهاجرين وإعادة توطينهم في أنحاء دول الاتحاد الأوروبي، بعد اختلاف الدول حول الأعداد التي يجب أن تقبلها كل منها.

خلف الحاجز

لذا، نُصبت الحواجز لمنع دخول المهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي، وفي يناير 2017 وحده، وفد سبعة آلاف لاجئ.

واختفت الحجج الإنسانية التي سوغت الهجرة من أوروبا الشرقية أثناء الحرب الباردة، بالنسبة لمهاجري القرن الحادي والعشرين، رغم أن ظروفهم أكثر سوءا.

وفي عام 2015، بلغت نسبة اللاجئين الوافدين من سوريا 33 في المئة، بجانب 15 في المئة من أفغانستان، وستة في المئة من العراق، وكلها دول تعاني من صراعات داخلية دموية حصدت أرواح مئات الآلاف.

لكن لم يُنظر لحال هؤلاء المهاجرين بنفس عين الاعتبار التي نُظر بها لمهاجري أوروبا الشرقية قبل عقود.

وربما يرجع هذا الأمر إلى كينونة هؤلاء المهاجرين.

ويقول المؤرخ المجري غوستاف كيشكيس لوكالة رويترز إن "سياق الحرب الباردة جعل من مسألة الهجرة مادة مناسبة للدعاية. وكل مهاجر كان يغادر المعسكر الشرقي كان يعزز تفوق الغرب".

وكان أغلب المهاجرين آنذاك من الأوروبيين المسيحيين، صغار في السن، ومتعلمين، والأهم أنهم كانوا معارضين للشيوعية. ما يعني أنهم موالين فكريا للدول التي لجأوا إليها.

لكن المهاجرين الآن أكثر تنوعا، ما بين عاملين وغير مدربين، من الحضر والريف، ومن سوريا والعراق وأفغانستان، بالغين وأطفال، يصلون إلى عالم مختلف بشدة، هاربين من الحروب التي لا تُعرف لها نهاية. وهم مختلفين عرقيا ودينيا عن أغلب سكان البلاد التي يتوجهون إليها، وهو السبب الذي مكن اليمين المتشدد من جعلهم غير مرغوب فيهم.

ويبدو أن الاتحاد الأوروبي أصبح الآن غير راغبا، أو غير قادرا سياسيا، على استيعابهم بهذه الأعداد الكبيرة.

وخارج حدود الاتحاد الأوروبي، يعيش في تركيا أكبر عدد من المهاجرين في العام، من بينهم 3.3 مليون من سوريا وحدها. وهو عدد يفوق بكثير أكبر مستقبل للاجئين في أوروبا، وهي ألمانيا التي يعيش فيها 1.1 مليون لاجئ، وكانت أكثر دول الاتحاد الأوروبي حماسا لاستقبال اللاجئين.

في حين استقبلت المملكة المتحدة 126 ألف لاجئ فقط.

لكن الاتحاد الأوروبي يقول إنه "في مواجهة أكبر أزمة لاجئين في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، منع الاتحاد حق اللجوء وإعادة التوطين لأكثر من 720 ألف لاجئ، وهو ثلاثة أضعاف العدد الذي استقبلته أستراليا وكندا والولايات المتحدة مجتمعين".

لكن الأمم المتحدة ترى أن سياسات الاتحاد الأوروبي "تمد حدود دول الاتحاد إلى خارجها، وتخاطر بحقوق اللاجئين عن طريق توكيل مهمة حمايتهم لدول تنقصها الموارد اللازمة، حيث يواجهون خطر التعذيب والعنف الجنسي، وغيرها من الاعتداءات".

ويختلف هذا الوضع تمام عن روح التفاؤل التي سادت أوروبا عام 1989، عندما اعتبر الغرب نفسه منارة للتسامح والحرية، التي نجحت في مواجهة وهزيمة الحكم الشمولي الشيوعي.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان