تركيا تمنع دفن أكراد يقاتلون "تنظيم الدولة" في مدنهم
لندن (بي بي سي)
داخل غرفة مكتظة بالنساء تبدو عليهن علامات الإجهاد من البكاء لساعات جلست النساء متكئات إلى الجدران في صمت لا تقطعه سوى كلمات قليلة بين الحين والآخر، فالجميع يبكين ويجففن الدموع ويحتضن بعضهن البعض ويتقاسمن الآلام.
كان هذا الجمع يقدم واجب العزاء إلى أيزي أيغون التي فقدت ولدها صالح الذي عبر الحدود إلى سوريا للانضمام إلى قوات الحماية الشعبية الكردية في محاربة تنظيم الدولة.
وقُتل صالح منذ أسبوعين في اشتباكات مسلحة في مدينة سيرين، ومنذ ذلك الحين يحرص أقارب أيزي وصديقاتها على الوقوف بجانبها في هذا الوقت العصيب.
فالأمر يتجاوز مجرد فقد أحد الأولاد لأن السلطات التركية لن تسمح بعودة جثمان الابن إلى مسقط رأسه ليُوارى جثمانه الثرى به.
تقول إيزي: "لم يكن ابني يقاتل الجيش التركي، لقد كان يقاتل تنظيم الدولة الذي يقطع رؤوس الناس. وقد قتلوا أكبر أبنائي. لماذا لا يسمحون لنا بالحصول على جثمانه؟"
ويقدر عدد المنضمين إلى الجماعات المسلحة التي تقاتل تنظيم الدولة، منذ بداية اجتياحه لعين العرب "كوباني" العام الماضي، بأكثر من 4000 شخص أغلبهم من الأكراد.
وحتى وقت قريب، كان من الممكن استعادة جثامين من يُقتل أثناء الصراع إلى مدنهم، لكن الواقع أنه لم يُدفن في الأراضي التركية سوى مئتي شخص فقط.
ومنعت السلطات التركية نقل 23 جثمان إلى عبر الحدود إلى بلادهم للدفن.
تقول إسلام، عمة صالح، أن بعض أفراد العائلة تحدثوا إلى المحافظ لمساعدتهم في استعادة جثمان ابنهم الموجود في تركيا.
وأضافت: "أخبرنا المحافظ أن الأمر ليس بيده، وأن هناك مرسوم وزاري، وأنه ليس لديه ما يمكن أن يقدمه لنا في هذا الشأن."
وتابعت: "لكننا نريد أن يُدفن ولدنا في أرضنا لنتمكن من زيارة قبره، والدعاء له. لذا لابد أن يكون قريبا منا."
ويرى الأهالي في سروج إن منع عودة الجثامين إلى المدينة يأتي في إطار إجراءات تستهدف الحفاظ على هدوء المدينة التي شهدت هجوما تفجيريا، نفذه أشخاص ينتسبون إلى "تنظيم الدولة الإسلامية"، وهو ما أدى إلى مقتل 32 شخصا الشهر الماضي.
ولا زال موقع التفجير يحمل آثار الدمار الذي خلفه في محيط المركز الثقافي بالمدينة.
كما تتناثر على الأرض بعض الصور لنشطاء شباب وحولهم بعض الدمى، التي كانوا يخططون لنقلها للأطفال في كوباني، في نفس الموقع الذي انفجرت فيه القنبلة.
ولكن الحياة عادت إلى طبيعتها في شوارع مدينة سروج. كما أصبح انتشار قوات الأمن في المدينة جزء من الحياة اليومية، إلا أنها تعطي الأولوية لتأمين الحدود مع سوريا.
فما شهدته تلك المدينة، ذات الأغلبية الكردية، المتاخمة لعين العرب كوباني غير تركيا وقلب المشهد الأمني هناك رأسا على عقب.
وعقب الهجوم، شنت الحكومة التركية ما أسمته "حربا متزامنة على الإرهاب" على عدة جبهات في وقت واحد.
حلم السلام
كان الجيش التركي نفذ عمليات عسكرية مكثفة ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني وغيرهم من الجماعات اليسارية المتطرفة عقب توجيه ضربات متلاحقة لمعاقل تنظيم الدولة.
وهو ما جاء مدفوعا بوصول خطر التهديد الذي يمثله التنظيم على تركيا إلى مستوى لم يصل إليه من قبل.
وشهدت المدينة أعنف الهجمات على الإطلاق منذ بداية الإجراءات العسكرية المكثفة انتقاما من الجيش التركي لتكثيفه العمليات العسكرية ضد مسلحي حزب العمل الكردستاني.
وبانتهاك وقف إطلاق النار، ظهرت مخاوف من أن يتحول السلام في المدينة إلى ماضي وتوقعات بظهور المزيد من المتاعب في المستقبل.
وتتضمن عائلة إيزي 11 ابنا، من بينهم صالح الذي قتل في سوريا ولا زال جثمانه هناك، وولد آخر يخدم في الجيش التركي وضابط شرطة.
تقول إيزي إنها تريد السلام حتى لا تنهمر عيون أمهات أخريات بالدموع لفقد أبناءهم.
ولكن ولدها الجندي بالجيش التركي، الذي تحدث إلينا بشرط عدم ذكر اسمه، يبدو أكثر تشاؤما من أمه.
يقول الجندي بالجيش التركي وشقيق صالح: "لقد كنا أكثر من مجرد أشقاء، فقد كنت أنا وصالح أصدقاء مقربين. ورغم أنني جندي ورغم مقتله في كوباني، أريد أن يحل السلام."
وأضاف: "ولكن كيف يمكن إرساء السلام عندما لا يسمحون لنا حتى بدفن موتانا".
فيديو قد يعجبك: