يوميات الموصل: دينار تنظيم ''الدولة الإسلامية'' الذهبي
لندن (بي بي سي)
سيطر عناصر تنظيم ''الدولة الاسلامية'' الذي كان يعرف اختصارا بـ ''داعش'' على مدينة الموصل منذ يونيو/ حزيران الماضي، معلنين إقامة ما وصفوه ''دولة الخلافة''.
ومنذ ذلك الحين، بدأ مسلحو التنظيم في فرض نظام للحكم يتماشى مع مفهومهم المتشدد عن الإسلام والذي يتضمن فرض عقوبات شديدة القسوة ومعاملة متزمته مع النساء وموقفا متطرفا ضد أي شكل من أشكال المعارضة أو المقاومة.
يشرح عدد من سكان الموصل في سلسلة المذكرات هذه طبيعة الحياة في المدينة بعد سقوطها بأيدي تنظيم ''الدولة الاسلامية''. وقد تم تغيير أو حجب أسماء المشاركين في اليوميات حفاظا على سلامتهم.
28 نوفمبر 2014
فيصل: فوضى دينار تنظيم ''داعش'' الذهبي
اغتسلت وتوضأت ولبست ملابس الجامع وذهبت الى صلاة الجمعة لأستمع إلى الخطيب وماذا يقول لنا في خطبته قبل الصلاة.
في خطبة الجمعة هذه، جرى الحديث عن دينار الذهب في العهود الاسلامية القديمة، وكيف كانت قيمة الدينار والتعامل به، وكيف ازدهرت التجارة في ذلك العهد.
وقال الخطيب إن ''جماعة من الرجال المؤمنين الصالحين في تنظيم الدولة الإسلامية'' ارتأوا سك عملة من ذهب وفضة ونحاس وطبع عملات ورقية بفئات عدة، سنراها قريبا في المصارف والأسواق. وإن جماعة منهم تكفلت بالعمل الدعائي ووثقت ذلك بالصور.
والهدف أن يكون الدينار ''عملة المسلمين وأن تكون له هيبة وسطوة ونفوذ ضد الدولار الذي يطبع في دولة الكفر'' حسب كلام خطيب الجامع مع العلم بأنها كانت خطبة موحدة من قبل تنظيم الدولة في جميع مساجد الموصل.
حيرة وارتباك
وعدت الى البيت قلقاً في حيرة من أمري، فانا صاحب عمل تجاري ولديّ ارتباطات حسابية خارجية وتعاملات مصرفية وتجارة مع دول أخرى. كيف لي ولغيري تداول هذه الفلوس وهي معترف بها فقط داخل حدود تنظيم الدولة المسيطر عليه.
العملة العراقية الرسمية ستحل محلها عملة ''داعش'' وسيحرم التعامل بالدولار وغيره. لا أدري ما عساني أن أفعل. جلست انا وأصدقاء لي ليلا في منزل احدهم وتحدثنا عن مصير أموالنا وأعمالنا.
الجميع وافق على ان نستبدل كل ما نملك من عملة عراقية لنحصل على قيمتها بالدولار، او نشتري مصوغات ذهبية كي نحافظ على رؤس أموالنا. نحن جميعا نرى أن خطة داعش ليست أمرا سياسيا أو دينيا بقدر ما هو اجرامي من اجل سرقة اكبر قدر ممكن من اهالي المدن الواقعة تحت سيطرة التنظيم وتجريدهم من أموالهم ومدخراتهم من قبل مسلحي داعش ومن يتبعهم.
وفي اليوم التالي شهدت الأسواق فوضى كبيرة، فالجميع يريد ان يحافظ على أمواله ويتخلص من الفلوس العراقية والحصول على الدولار أو الذهب بدلا منها.
وتوزع الناس بين من يسعى الى الدولار من يريد الذهب ومن يبتغي الاثنين معا، وهناك من يتمنى أن يبقى للوطن بقية .
21 نوفمبر 2014
فيصل: كان يا ما كان في بلادنا ماء وكهرباء
كان يا ما كان في قديم الزمان، كان في بلاد النهرين، بلاد النفط، كان هناك ماء وفير وكهرباء كثيرة، والآن في ظل دولة الخلافة نحن نعيش أصعب وأقسى أنواع الحياة، فلم يعد عدنا ماء كما كان، بسبب الانقطاعات المتواصلة لمضخات الدفع التي تتعطل بسبب انقطاع الكهرباء عنها.
لقد أخذت في تجميع مياه الأمطار في حديقة بيتي، كما جمعت والدتي مياه المطر المتساقط على سطح البيت عن طريق ''المزاريب''، لكي نستفيد منها في الغسيل وتنظيف البيت، فالشتاء جاء قبل موعده والبرد ظالم لا يرحم أحدا.
والماء الدافئ من أهم متطلبات الحياة في شتاء العراق، ولكن من أين لنا هذا، وكهرباؤنا الوطنية لم نرها منذ شهر أو أكثر بقليل، وكل اعتمادنا في الكهرباء على تشغيل المولدات الخاصة التي تمتلئ بها مدينتي الحبيبة. ولولا المولدات لكانت الحياة مستحيلة، بالرغم من صعوبتها حاليا.
لقد فكرت مع أهالي منطقتي، وحفرنا بئرا إرتوازيا للحصول على المياه الجوفية، لكي تغطي حاجاتنا من المياه أثناء الانقطاع المستمر.
وأصبحت مسألة حفر الآبار في الموصل قضية تخص كل شخص في كل منطقة، فقد أخذ الجميع في المشاركة في هذا العمل للحصول على الماء، في بلاد النهرين.
والآن نخزّن أيضا مادة النفط الأبيض لتشغيل المدافئ، وهي مادة مفقودة من الأسواق، وأدى هذا إلى ارتفاع أسعارها ارتفاعا فاحشا، إذ يصل سعر البرميل إلى ما يقارب 250 دولارا، وإن كان السعر في الأسواق العالمية لا يتجاوز 100 دولار.
ولكن لاغرابة في ذلك، فنحن نعيش في أرض المعجزات، في العراق.
14 نوفمبر 2014:
ميس: بدأ العام الدراسي في (ولاية نينوى)، وهو ليس ككل الأعوام
كانت التشديد على الهيئة الإدارية وعلى التلاميذ والطلاب هي الشغل الشاغل لجماعة الدولة الإسلامية.
ذو القرنين اسم جديد يطرق مسامع أهل مدينتي، ويزين تعميمات الدولة الإسلامية بتوقيعه في ذيل الكتب، باعتباره أعلى سلطة في هرم مديرية التربية بمحافظة نينوى.
وهو مصري الجنسية، وكان تركيزه الأساسي على فصل التلاميذ في المدارس الابتدائية عن بعضهم بعضا، بحيث تكون الإناث في بناية، والذكور في بناية أخرى، مع التنبيه على ضرورة لبس (النقاب والعباءة) للفتيات اللائي تبدو أجسامهن أكبر من سنهن. ولا يسمح للمعلمين الشباب بتدريس الطالبات، كما لا يسمح للمعلمات بتدريس الطلاب.
وكان هذا القرار بالغ الصعوبة من حيث التنفيذ، من قبل إدارات المدارس الحكومية بشكل عام، والمدارس الخاصة على وجه الخصوص. إذ إن المدارس الحكومية تمولها مديرية التربية، أو الوزارة مباشرة، وبإمكانها أن توفر لها كادرا نسائيا وكادرا رجاليا، وبناية للذكور وبناية للإناث، رغم صعوبة الأمر.
أما بالنسبة للمدارس الخاصة فهي مشروع علمي تجاري لمواطنين لا تتوفر لديهم تلك الإمكانات، لتوفير كادرين أو بنايتين. إذ إن كل ذلك سيؤدي إلى زيادة الأجور، وبالتالي سينخفض الإقبال على المدارس الخاصة، من قبل الأهالي، في زمن انعدم فيه العمل، وقلت مصادر الرزق، وأصبح الدينار عزيزا وغاليا.
إلغاء الفن
لقد غيرت جماعة الدولة الإسلامية مناهج التعليم، فلم تعد التربية الرياضية موجودة، واستحدث بدلا عنها التربية الجهادية. وهي مادة يتعلم التلاميذ والطلاب فيها حب الجهاد وكيفية الجهاد في سبيل الله. وألغيت مادتا التاريخ والجغرافية، ثم تراجعت الجماعة عن قرار الإلغاء.
وكذلك حذفت عدة نشاطات من مادة التربية الفنية، مع الإبقاء على الزخرفة والخط الإسلامي فقط. ومنعت الجماعة استخدام الأقلام الملونة و(التلوين) في المدرسة.
وهذه الأمور كلها تصعب من مهام الإدارة، بل تجعلها مستحيلة، خاصة في موضوع التعامل مع التلاميذ ومنعهم من ممارسة أشياء من قبيل الرياضة، والرسم بالألوان، تشكل كل حياتهم.
5 نوفمبر:
نزار: الذين فعلوا ما فعلوا بالمسيحيين لا دين لهم
لم يعد هناك بيت للمسيحيين في الموصل ألا وسكنه ''الدواعش'' أو نهبوا كل ما فيه من أثاث ومقتنيات. ولم يتركوا في بعض البيوت شيئا يذكر.
ومن احتل البيوت منهم وسكنها، يتصرف فيها وفي جميع محتوياتها بما في ذلك الملابس، وكأنها ملك صرف ورثه من أهله.
انتشر مسلحو ''داعش'' وقطنوا كل مناطق الموصل واعتبروا منازلها، بحسب قياساتهم، ''غنائم حرب''. وجعلوا من المسيحيين واليزيدين أعداء يستبيحون كل ما يتعلق بحياتهم.
لقد أصبح هؤلاء بسبب أفعالهم عبئاً على مناطقنا ويظهرون منظرا قبيحا فيها.
كم نشعر بالخجل من أصدقائنا المسيحيين والأيزيديين. لم يعد لدينا وجه نقابلهم به لم يعد لنا القدرة على الاتصال بهم حتى هاتفيا،، وكأنني أنا وأقربائي وأصدقائي، من ارتكبوا الجريمة النكراء بحق هؤلاء، لكني أعود وأقول لا ذنب لنا نحن في ذلك.
لقد قررت ان لا أتكلم او أبادر بالسلام على أي ''داعشي'' غاصب لبيت مسيحي من حولي. لم أعد قادرا القدرة على تحمل النظر اليهم الى وجوههم الممتلئة بالشر.
تأثير الغارات
لاحظت ما يفعله ''الدواعش'' القاطنين في المناطق السكنية اثناء شن غارة لقوات التحالف. أول ما يفعلونه يطفئون جميع الأنوار مباشرة في البيوت التي يحتلونها. ومنهم من يغادرها بالسيارات التي سرقوها الى جهات غير معلومة.
ومن ثم يعودون الى أماكنهم بعد انتهاء القصف. مرة تجرأ احد اصدقائي وسأل أحدهم في منطقته: لماذا انتم تفزعون اثناء القصف وتتركون محلات سكناكم؟
فأجابه بأنهم يخشون أن يستهدف القصف بيوت المسيحيين التي سكنوها، فقد يكون المسيحيون قد أبلغوا قوات التحالف عن مواقعها.
صديق اخر حاول الاقتراب من بيت يسكنه ''داعشي'' ومعه عائلته لمعرفة ماذا يحصل في البيت. لكنه لم يفلح في ذلك لأن الدواعش لا يتركون الباب مفتوحا ولا يتحدثون في حديقة البيت.
قررت ومعي اصدقائي بأن نحاول أن نعيد تأثيث بيوت أصدقائنا المسيحيين بعد ان تتطهر مدينتنا من الاوساخ والقاذورات لنبين للعالم أجمع ولأصدقائنا المسيحين بأن من فعل هذا بهم لا دين له.
24 أكتوبر 2014:
فيصل: الضربات الجوية لم تغيّر شيئا والخوف تضاعف
مضى أربعة أشهر على فرض مسلحي ''داعش'' (تنظيم الدولة الاسلامية) سيطرتهم على المدينة. ومنذ ذلك الحين غير صديق لي محل سكنه وبات يختبىء بشكل دائم إذ كان يعمل حارسا خاصا لبعض القضاة الذين تركوا المدينة فور سقوطها.
لا يستطيع صديقي التحرك في شوارع المدينة فعناصر التنظيم منتشرون في كل مكان تقريباً. وينصب مقاتلوه بين الحين والآخر نقاط تفتيش لفحص هويات المارة بحثا عن المطلوبين وفق مقاييس ''داعش'' الذي يعتبر هؤلاء مرتدين أو مجرمين.
والمطلوبون بحسابات ''الدواعش'' هم العاملون في السياسة أو في الجيش والشرطة أو السلك القضائي أو في مجلس محافظة نينوى أو المرشحون لعضويته وإن لم يفوزوا، أو ممن يعتقدون أنهم تسببوا في القبض على عناصر من التنظيم ومحاكمتهم قبل سقوط المدينة. لكن معظم هؤلاء فرّ خوفا من أحكام الإعدام التي قد يصدرها التنظيم ضدهم.
وبسبب هذه الأفعال الإجرامية لعناصر التنظيم التي طالت المدنيين المسالمين البسطاء أصيب كثيرون بالذعر والفزع، خصوصا عندما يشاهدون أفعال هؤلاء وهم ينفذون أحكاما بالإعدام ضد ناشطين وحتى ناشطات في الطريق العام أمام أعين الناس.
ويرتدي عناصر هذا التنظيم اللباس الأسود ويطلقون لحاهم ويتركون شعرهم مرسلا وبعضهم يبدو وكأنه لم يستحم منذ زمن طويل. وفي كل يوم نراهم يكثرون في الشوارع يوما بعد يوم ويتمركزون ويثبتون مواقعهم، دون أن تسهم الضربات الجوية في تغيير الوضع على الأرض، ما تغير بالفعل هو حياتنا فقد تضاعف الذعر وأصبح الواقع الذي نعيشه كل يوم أكثر رعباً.
ميس: المسلحون يجوبون الشوارع والحياة صعبة للغاية
أعمل في التعليم في إحدى مدارس مدينتي الحبيبة الموصل. حالي مثل كثير من الأمهات العراقيات فأنا أعمل لمساعدة زوجي، ولو بالقليل، في تحمل الأعباء المادية وصعوبات الحياة وشدتها في زمن قاسٍ رغم غنى بلدنا.
ومع بدء عطلة الصيف، ومثل كل عام، قررت السفر إلى بغداد في زيارة للأهل والأقارب وحضور مناسبة عائلية خاصة في بداية يونيو.
وعقب انتهاء الحفل وبينما ما زلنا وسط الفرحة وأجواء الاحتفال والوجود وسط الأحباب، سمعنا بأنباء حظر التجوال في مدينة الموصل، وبدء القتال بين عناصر ما يسمى ''الثوار'' وكذلك مسلحي ''داعش'' (تنظيم الدولة الاسلامية) من جهة والقوات الحكومية من جهة أخرى.
وفي ذلك الوقت بدأت احاول التواصل مع زوجي بشكل يومي عبر الهاتف لمعرفة أخر الأخبار. وبسبب القلق، قضيت أسوأ ايام حياتي في بغداد المدينة التي كانت قد شهدت براءة طفولتي وأحلامي كامرأة في العشرينات وكنت سعيدة فيها سعادة لا توصف، ولم أتركها إلا عندما تزوجت وانتقلت إلى الموصل.
مرت أيام القتال الخمسة الاولى في رعب وجزع وخوف فكنت لا أعلم مصير زوجي الحبيب. وكان السؤال الذي يشغلني باستمرار هو: هل ستجمعني الأيام بزوجي مرة أخرى؟
ومع دخول ما يوصفون بـ ''الثوار'' أو ''رجال الطريقة النقشبندية'' ومسلحي ''الدولة الاسلامية'' إلى الموصل، بدأت أخطط مع زوجي لعودتي إلى المدينة، لكن لا طريق لذلك بسبب المعارك بين بغداد والموصل. وجميع الطرق كانت مغلقة بسبب احتدام القتال، وبسبب سقوط عدد من المدن خلال ساعات - وليس أيام - بعد انسحاب القوات الحكومية، وهو الأمر الذي فاجأ الجميع ولا يعرف أحد لماذا حصل.
وبعد عدة محاولات وبفضل اتصالات زوجي الواسعة في بغداد واربيل والسليمانية، تمكنا من حجز مستعجل لتذكرة طيران من بغداد إلى شمال البلاد. لكن العقبة الأخرى التي واجهتنا هي انني لم احضر هويات ابنائي معي لأننا جئنا للعاصمة عن طريق البر، ولا يمكن الحجز للسفر جوا دونها.
وبفضل الله تمكنت من الحصول على الاوراق عن طريق صديق غادر الموصل بسيارته ثم تمكن من الطيران من أربيل إلى بغداد. ومن ثم تمكنت من اصطحاب ابنائي وعدنا إلى أربيل جوا ومن ثم سافرنا براً إلى منزلنا في الموصل. وعند الوصول بعد منتصف الليل صليت وقررت الصيام ثلاثة أيام والبقاء حبيسة المنزل لعدة أيام محاولة الاعتياد على ما نعيشه من أوقات صعبة لن يسهل نسيانها.
وقد بدأت أدرك ما يحدث وصدمت بما شاهدته فقد كان المسلحون يجوبون شوارع المدينة في كل الأوقات. لكن الخوف كان يملأني لما تراه عيناي من مظاهر مسلحة في الشوارع بشكل غريب على الرغم من رؤية هذه المناظر من قبل مع وجود قوات الجيش والشرطة سابقا. لكني لم أعش لحظة دخول هؤلاء المسلحين كما عاشها زوجي وأهل المدينة. ولا تزال الحياة صعبة للغاية بشكل لم اعتده من قبل.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: