جنوب السودان: البحث عن مأوى قرب النيل
نزح عشرات الآلاف من سكان مدينة بور في جنوب السودان، وعبروا النيل حاملين القليل مما استطاعوا حمله من ممتلكاتهم، ليستقر بهم الحال في إقليم أويريال حيث خيموا قرب أول شجرة صادفوها في طريقهم.
ولمسافة أميال على ضفة النهر، ستجد هناك من يخيم عند كل شجرة، وامتلأت بلدة صغيرة في ذلك الاقليم بالكثير ممن يعانون من نقص الطعام، أو الماء النظيف، أو خدمات الصرف الصحي.
ويوجد في تلك المنطقة قليل من الآبار، بينما يعتمد غالبية الناس على مياه النهر العكرة لأغراض النظافة والطهي والشرب.
وفي بلد يعد الكوليرا، فيه وباء متوطنا ترتفع مخاطر الإصابة في حين يكتظ مستوصفان تابعان لمنظمة أطباء بلا حدود بالمرضى.
ففي أحد أركان احدى العيادات، يرقد طفل بلا حراك مع أمه، وهي تحاول معالجته من الجفاف بينما يبكي آخرون في انتظار آباءهم المصطفين للحصول على بعض العقاقير الشحيحة التي قد تسهم في إنقاذ حياة احدهم.
أما الأطباء فيقولون إن الإسهال هو أكبر المشاكل الصحية التي يواجهونها حاليًا، ولحين توفير كميات كبيرة من المياه النقية، فإن الوضع سيتفاقم.
كما يعد توفير الطعام تحديا آخر، فعلى الرغم من وصول إمدادت بالطعام لأكثر من 75 ألف شخص، يجري وضع قوائم الانتظار بمنح الأولوية لمن هم أكثر احتياجا.
وفي الوقت الذي يعمل المجتمع الدولي جاهدا لتوصيل المساعدات من العاصمة جوبا إلى أويريال، تتزايد الأوضاع في بور تدهورا.
فالقوارب الكبيرة التي كانت تنقل 150 فرداً في الرحلة الواحدة لم تعد صالحة للعمل، حيث أن استخدامها اضحى محفوفا بالمخاطر.
وينتشر الكثير من اللغط حول ما ينتظر العابرين إلى الضفة الغربية من نهر النيل، لكن رغم ذلك يقول سكان مخيمات أويريال أن هناك أعدادا أكبر ممن يسعون لعبور النهر والوصول إلى هذه الضفة الأكثر آمنا.
ويسيطر المتمردون على مدينة بور بيد أن القوات الحكومية آخذة في الانتشار في محاولة لاستعادة المدينة.
وكانت غالبية الذين هربوا من البلدة من الدينكا، وهي القبيلة العرقية الأكبر في جنوب السودان والتي ينتمي إليها رئيس البلاد سلفاكير ميارديت.
أما رياك مشار الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية قبل إقالته في يوليو/تموز الماضي، فهو ينتمي إلى النوير، ثاني كبرى القبائل في جنوب السودان.
لذا، فإن ما بدأ كصراع سياسي تطور مع الوقت إلى أعمال عنف عرقية.
ويتذكر أهل البلد من كبار السن عام 1991 عندما انشق مشار عما كانت تسمى في ذلك الوقت حركة التمرد السودانية، ما أشعل شرارة عنف عرقية تسببت في مذبحة طالت نحو ألفي شخص في بور.
لذا فقد أثار الانشقاق السياسي الأخير موجة عنف عرقية أخرى، من خلال مسلحي ميليشيات من شبان قبيلة النوير الذين يطلقون على أنفسهم اسم الجيش الأبيض .
وعندما وصلت هذه الميليشيات إلى بور، هرب السكان من قبيلة الدينكا إلى الضفة الأخرى من النهر خوفا منهم.
وقال لنا بعض من تحدثنا إليهم في المخيم إن القوات كانت تستهدف المدنيين بشكل عمدي، فيما كانت الكثير من الجثث ملقاة في الطرقات.
وعلى الرغم من صعوبة التأكد من صحة تلك الشهادات، إلا أن هناك شعورا حقيقيا بالخوف لدى أهالي الدينكا ممن يقيمون في المخيم من أنهم سيقتلون حال عودتهم إلى بور التي صارت الآن تحت سيطرة المتمردين.
وعلى الرغم من أن الأهالي هجروا أغلب المناطق في وسط المدينة، إلا أن بعضهم هرب إلى داخل الأدغال التي تحيط بها، وهم في حاجة ماسة للمساعدة لكن يصعب الوصول إليهم.
كما لجأ عشرات الآلاف ممن شردوا من منازلهم نتيجة للقتال الدائر إلى مخيمات الأمم المتحدة.
وتتزايد صعوبة الأحوال مع احتمال تجدد أعمال العنف، حيث إنه لا يكون بمقدور قوافل الإغاثة الجوية أن تصل إلى كثير من المناطق.
وعلى الرغم من ذلك، يتواصل عمليات إرسال الأطنان من المساعدات إلى البلاد كما تتوافد البعثات من منظمات عالمية في محاولة لمساعدة أولئك الذين في أمس الحاجة إلى يد العون. وقد أصبحت المدينة التي توسعت على ضفاف النيل هي نقطة تركيز جهود الإغاثة حاليًا.
ولكن الحرب شردت بالفعل أكثر من 200 ألف شخص عبر البلاد، وإذا ما استمر القتال أو زاد احتداما، سيجبر المزيد من السكان على هجر بيوتهم ليصبحوا أكثر اعتمادًا على مساعدات يصعب ايصالها.
فيديو قد يعجبك: