لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"نفس الدم ونفس الروح".. يونانيون يحكون عن "نصفهم المصري"

03:07 م السبت 21 ديسمبر 2019

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- سامح اللبودي:
التاريخ ابن الجغرافيا، أو كما قالوا إن كليهما شاهدٌ على "صلة الرحم" بين مصر واليونان. صلةُ رحمٍ نتاجها انصهار مجتمعين داخل هوية تبدو وكأنها واحدة، بحسب وصف الأديب اليوناني الأشهر نيكوس كازنتزاكيس، حينما زار مصر عام 1972، موضحًا: "أنا يونانيٌ يجري في عروقي دم عربي مصري.. وروحي تتضرع صوب الشرق، مَثلُهَا كمثَلِ ناسكٍ راكع".
وقبل كلمات "كازنتزاكيس" بسنوات قليلة، كان اللورد كرومر، "مندوب" الاحتلال الانجليزي في مصر، قد وصف انصهار الجالية اليونانية مع المجتمع المصري: "أينما حركتُ حجرًا في مصر وجدت تحته يونانيًا".
انصهار الجالية اليونانية في مصر مع المجتمع، ساهم في أن تبقَ الأديبة اليونانية المتمصرة "بيرسا كوموتسي" على "صلة رحم" مع مصر؛ رغم رحيلها عنها منذ ثلاثين عامًا.
ولدت بيرسا في الجيزة في الستينيات، وظلت حتى تخرجت في كلية الآداب جامعة القاهرة، ثم قررت العودة إلى اليونان تاركةً الوطن الثاني جسدًا، لكنّ "روحها تشتاق ليل نهار إلى صلة الرحم". بحسب تعبيرها.
تعيش بيرسا في أثينا، وبين الحين والآخر تزور القاهرة. تقول: "عشقي وحبي لمصر وأهلها دفعني عند العودة إلى اليونان أن أبدأ في الترجمة من الأدب العربي.. ترجمتُ إلى اللغة اليونانية أكثر من 40 عملاً أدبيًا لنجيب محفوظ وطه حسين وصُنع الله إبراهيم وغيرهم من الأدباء المصريين. حاولتُ أن أُعبر عن هويتي المصرية من خلال رواياتي وترجماتي، لكي أسهم في تعريف المجتمع اليونان بنصفه الآخر المصري.
لم تكن المسافة بين منزلها في حي الجيزة وجامعة القاهرة بعيدة، رغم ذلك تتذكر "بيرسا" جيدًا" "أيام التسكع في شوارع مصر"، بحسب وصفها. "عمري ما هنسى أبدًا إني كنت بتمشى كل يوم من بيتي لكلية الآداب، كان كل أصدقائي مصريين فقط؛ لدرجة إني لما جيت اليونان مكنتش بعرف أتكلم يوناني كويس، ولحد وقت قريب زملائي في الشغل كانوا فاكرين إني مصرية مش يونانية". تجلس بيرسا بالقرب من الشاطئ في أثنيا متذكرة أيام القاهرة، وتقول إنها تُخطط للعودة إلى الوطن الثاني.
على الجانب الآخر من الشاطئ، اعتاد طارق رضوان، الملحق الثقافي المصري الأسبق في اليونان، الجلوس على "شط القنال" في بورسعيد وبالقرب من منزله في "الحي الأفرنجي"، متذكرًا كما يقول "ماريا الخياطة" و"كوستا وياني البقال" ويونانيين آخرين أثروا في حياته، حتى قرر الالتحاق بقسم الأدب اليوناني واللاتيني في كلية الآداب جامعة القاهرة.
عبر محاضرات عن الأدب والتاريخ اليوناني، ساهم رضوان، ولا يزال، في تعريف المجتمع المصري باليونان؛ بعد أن عُيّن معيدًا في كلية اللغات بجامعة الأزهر، حتى صار رئيسًا لقسم الأدب اليوناني. يقول رضوان: "أنا مؤمن إن هوية المجتمع المصري واليوناني واحدة. اليوناني لا يعتبر نفسه أوروبيًا، اليوناني يعتبر نفسه جزءًا من هذا الشرق، لذلك لم تأتِ من فراغ جملة أن مصر الوطن الثاني لليوناني. كما أن المصري حينما يزور اليونان يشعر في الحقيقة أنه ليس في الغربة، سيكتشف أن هذا المجتمع، وهذه الروح وهذا الدم الذي يجري في عروق الشعب اليوناني، هو نفس الدم ونفس الروح المصرية. لا أبالغ في هذا، أنا عشتُ هناك ما يكفي لكي أقول ذلك، وعشت في بورسعيد وسط اليونانيين ما يكفي أيضًا لكي أؤمن بهذا. هيرودت نفسه، المؤرخ اليوناني، حينما جاء إلى مصر قبل الميلاد بـ500 عام قال ذلك".
يَعتبر رضوان أن اليونان وطنه الثاني، مثلما تعتبر بيرسا أن مصر وطنها الثاني، إذ يُمثل كلاهما هذا الترابط والتقارب بين المجتمعين. تقاربٌ هو أقرب إلى "صلة الرحم"، وهو لغزٌ يفسره رضوان قائلاً: "حينما جاء اليونانيون إلى مصر في عهد محمد علي، شكلوا أكبر جالية أجنبية في مصر من حيث العدد والتأثير، لذلك كنا نجدهم في كل مكان، في القرية والمدينة والحارة، على عكس الجاليات الأجنبية الأخرى التي لا يمكن أن تقترب من القرى أو الصعيد بنفس اقتراب اليونانيين. انصهرت الجالية اليونانية في الحارة والقرية المصرية؛ لذلك تأثرنا بهم بدون أن نشعر، وتأثروا بنا، وأصبحنا بهوية واحدة".

فيديو قد يعجبك: