حديثٌ ومعنى: "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصبِحُ العِبادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ..."
كتب ـ محمد قادوس:
عن أبي هُريرة، قَالَ: قالَ رَسُول اللَّه- صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصبِحُ العِبادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا) متفقٌ عَلَيْهِ.
جاء في شرح رياض الصالحين لمعنى الحديث:
ﺍﻟﻤﺎﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻋﻄﺎﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻨﻲ ﺁﺩﻡ، ﺃﻋﻄﺎﻫﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﻳﺎﻩ ﻓﺘﻨﺔ؛ ﻟﻴﺒﻠﻮﻫﻢ ﻫﻞ ﻳﺤﺴﻨﻮﻥ ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ ﻓﻴﻪ ﺃﻡ لا! ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [التغابن: 15].
ﻓﻤﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﻳﻨﻔﻘﻪ ﻓﻲ ﺷﻬﻮﺍﺗﻪ ﺍﻟﻤﺤﺮﻣﺔ، ﻭﻓﻲ ﻟﺬﺍﺋﺬﻩ ﺍﻟﺘﻲ لا ﺗﺰﻳﺪﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺇلا بُعدًا، ﻓﻬﺬﺍ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺎﻟﻪ وبالاً ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺍﻟﻌﻴﺎﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ.
ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﻳﻨﻔﻘﻪ ﺍﺑﺘﻐﺎﺀ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻴﻤﺎ يُقرِّب ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺐ ﺷﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻬﺬﺍ يكون ﻣﺎﻟﻪ خيرًا ﻟﻪ.
ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﻳﺒﺬﻝ ﻣﺎﻟﻪ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﻓﺎﺋﺪﺓ، ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺷﻲﺀ ﻣﺤﺮﻡ ولا ﻓﻲ ﺷﻲﺀ ﻣﺸﺮﻭﻉ، ﻓﻬﺬﺍ ﻣﺎﻟﻪ ﺿﺎﺋﻊ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﺇﺫﺍ ﺑﺬﻝ ﻣﺎﻟﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺮﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ واثقًا ﺑﻮﻋﺪ ﺍﻟﻠﻪ - ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ - ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ:﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِين ﴾ [سبأ: 39].
﴿ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾؛ ﺃﻱ: ﻳﻌﻄﻴﻜﻢ خلفًا ﻋﻨﻪ.
ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﻓﻬﻮ يخلفه، ﺇﺫ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻬﻮ يخلفه، ﻟﻜﺎﻥ ﻣﻌﻨﻰ الآﻳﺔ: ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﺧﻠﻴﻔﺔ، ﻭﻟﻴﺲ الأﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ، ﺑﻞ ﻓﻬﻮ يُخلف؛ ﺃﻱ: ﻳﻌﻄﻴﻜﻢ خلفًا ﻋﻨﻪ.
ﻭﻣﻨﻪ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ: ((ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺃﺟﺮﻧﻲ ﻓﻲ ﻣﺼﻴﺒﺘﻲ ﻭﺃﺧﻠﻒ ﻟﻲ خيرًا ﻣﻨﻬﺎ))، ولا ﺗﻘﻞ ﻭﺍﺧﻠﻒ لي خيرًا ﻣﻨﻬﺎ، ﺑﻞ ﻭاﺧﻠﻒ بـ كسر اللام؛ ﺃﻱ: اﺭﺯﻗﻨﻲ خلفًا ﻋﻨﻬﺎ خيرًا ﻣﻨﻬﺎ، ﻓﺎﻟﻠﻪ - ﻋﺰ ﻭﺟﻞ - ﻭﻋﺪ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺃﻥ ﻣﺎ ﺃﻧﻔﻘﻪ الإﻧﺴﺎﻥ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻠﻪ يخلفه ﻋﻠﻴﻪ، ﻳﻌﻄﻴﻪ خلفًا ﻋﻨﻪ، ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻔﺴﺮﻩ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ - ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼم -: ((ﻣﺎ ﻣﻦ ﻳﻮﻡ ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ ﻓﻴﻪ ﺇلا ملكان ﻳﻨﺰلاﻥ ﻓﻴﻘﻮﻝ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ﻭﻳﻘﻮﻝ الآﺧﺮ: ((اللهم ﺃﻋﻂ ممسكًا تلفًا))؛ يعني ﺃﺗﻠﻒ ﻣﺎﻟﻪ.
ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﺑﺬﻟﻚ من ﻳﻤﺴﻚ ﻋﻤﺎ ﺃﻭﺟﺐ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺑﺬﻝ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻓﻴﻪ، ﻭﻟﻴﺲ ﻛﻞ ﻣﻤﺴﻚ ﻳﺪﻋﻰ ﻋﻠﻴﻪ، ﺑﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺴﻚ ﻣﺎﻟﻪ ﻋﻦ ﺇﻧﻔﺎﻗﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﺃﻭﺟﺐ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻬﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺪﻋﻮ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺘﻠﻔﻪ ﻭﻳﺘﻠﻒ ﻣﺎﻟﻪ.
ﻭﺍﻟﺘﻠﻒ ﻧﻮﻋﺎﻥ: ﺗﻠﻒ ﺣﺴﻲ، ﻭﺗﻠﻒ ﻣﻌﻨﻮﻱ:
ﺍﻟﺘﻠﻒ ﺍﻟﺤﺴﻲ: ﺃﻥ ﻳﺘﻠﻒ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻧﻔﺴﻪ، ﺑﺄﻥ ﻳﺄﺗﻴﻪ ﺁﻓﺔ ﺗﺤﺮﻗﻪ ﺃﻭ ﻳﺴﺮﻕ ﺃﻭ ﻣﺎ ﺃﺷﺒﻪ ﺫﻟﻚ.
ﻭﺍﻟﺘﻠﻒ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ: ﺃﻥ ﺗﻨﺰﻉ ﺑﺮﻛﺘﻪ، ﺑﺤﻴﺚ لا ﻳﺴﺘﻔﻴﺪ الإﻧﺴﺎﻥ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﺣﺴﻨﺎﺗﻪ، ﻭﻣﻨﻪ ﻣﺎ ﺫﻛﺮﻩ ﺍﻟﻨﺒﻲ - صلى الله عليه وسلم - ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻝ لأﺻﺤﺎﺑﻪ: ((ﺃﻳﻜﻢ ﻣﺎﻝ ﻭﺍﺭﺛﻪ ﺃﺣﺐ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻣﺎﻟﻪ؟))، ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ، ﻣﺎ ﻣﻨﺎ ﺃﺣﺪ ﺇلا ﻭﻣﺎﻟﻪ ﺃﺣﺐ ﺇﻟﻴﻪ، ﻓﻤﺎﻟﻚ ﺃﺣﺐ ﺇﻟﻴﻚ ﻣﻦ ﻣﺎﻝ ﺯﻳﺪ ﻭﻋﻤﺮﻭ ﻭﺧﺎﻟﺪ، ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻭﺭﺛﺘﻚ، ﻗﺎﻝ: ((ﻓﺈﻥ ﻣﺎﻟﻪ ﻣﺎ ﻗﺪﻡ ومال ﻭﺍﺭﺛﻪ ﻣﺎ ﺃﺧﺮ)).
ﻭﻫﺬﻩ ﺣﻜﻤﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻣﻤﻦ ﺃﻭﺗﻲ ﺟﻮﺍﻣﻊ الكَلِم - صلى الله عليه وسلم - ﻓﻤﺎﻟﻚ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻘﺪﻣﻪ ﻟﻠﻪ - ﻋﺰ ﻭﺟﻞ - ﺗﺠﺪﻩ ﺃﻣﺎﻣﻚ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، ﻭﻣﺎﻝ ﺍﻟﻮﺍﺭﺙ ﻣﺎ ﻳﺒﻘﻰ ﺑﻌﺪﻙ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺘﻔﻊ ﺑﻪ ﻭﻳﺄﻛﻠﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﻮﺍﺭﺙ، ﻓﻬﻮ ﻣﺎﻝ ﻭﺍﺭﺛﻚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.
ﻓﺄﻧﻔﻖ ﻣﺎﻟﻚ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺮﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﺇﺫﺍ ﺃﻧﻔﻘﺖ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺨﻠﻔﻪ ﻭﻳﻨﻔﻖ ﻋﻠﻴﻚ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ - صلى الله عليه وسلم -: ((ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﻳﺎ ﺍﺑﻦ ﺁﺩﻡ، ﺃﻧﻔﻖ ﻳﻨﻔﻖ ﻋﻠﻴﻚ ))، وﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﺒﺬﻝ ﻣﺎﻟﻪ ﺣﺴﺐ ﻣﺎ ﺷﺮﻉ ﺍﻟﻠﻪ - ﻋﺰ ﻭﺟﻞ.
فيديو قد يعجبك: