بعد واقعة "الجبن بمعجون الحوائط".. عالم أزهري يوضح حكم غش الطعام وضوابط شرائه
كتبت – آمال سامي:
بعد ضبط مصنع لتصنيع الجبنة من مواد غير صالحة استخدم فيها معجون حوائط وملح فاسد، ومكسبات طعم وألبان مجهولة المصدر، نتناول في التقرير التالي حكم الشرع في غش الطعام وكذلك شراؤه من أماكن غير موثوقة، وهل يتحمل المسلم مسئولية اختيار مصدر طعامه وشرابه؟ وقد أجاب على هذه الأسئلة لمصراوي الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم، العميد السابق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر بأسيوط مؤكدًا أن الغش في الطعام والدواء من أكبر الكبائر وأن المسلم مسئول عن سؤال "أهل الخبرة والاختصاص" للتأكد من جودة الأطعمة والأدوية قبل شراءها.
فيقول مرزوق إن من أعظم ما يرتكبه بعض الناس أنهم يغشون في البيع والشراء بخاصة إن كان الأمر يتعلق بالطعام والدواء، فيعد هذا الامر من أكبر الكبائر، وذلك لأن الغش في هذه الأشياء يحول حياة الناس إلى جحيم، حسب تعبيره، من ناحية الأمراض ومن أنهم يذهبون للمستشفى يعالجون من أمراض لا دخل لهم فيها إلا غش الآخرين.
وكذلك الغش في الإعلانات التي تتعلق بحياة الناس وبالدواء وما إلى ذلك، وهو ما انتشر على كثير من الفضائيات، ويؤكد مرزوق أن "كل هذا حرام والقرآن الكريم حض على كسب الحلال وترك الحرام"، إذ قال تعالى: "فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"، وقال في موضع آخر: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"، وكذلك حثت السنة النبوية الشريفة على طلب الحلال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأوضح مرزوق أن من أعظم أنواع الحرام الغش في الطعام والشراب والداوء، مؤكدًا أن القرآن الكريم حذر من مسألة الغش في آيات كثيرة، فقال تعالى: " وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)"، وقال تعالى على لسان سيدنا شعيب:"وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ".
وقال مرزوق إن الله سبحانه وتعالى ذكر ببركته التي تحل في أكل الحلال فقال: " بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"، كما حذر النبي صلى الله عليه وسلم التجار من الغش، وهو تحذير يشمل جميع من يغش، فقال في حديث رواه أحمد بن حنبل: "إِنَّ التُجَّارَ هُمُ الفُجَّارَ ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ أَوَ لَيسَ قَد أَحَلَّ اللَّهُ البَيعَ ؟ قَالَ : بَلَى ، وَلِكِنَّهُم يُحَدِّثُونَ فَيَكذِبُونَ ، وَيَحلِفُونَ فَيَأثَمُونَ"، فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن التاجر الفاجر هو الذي يحلف كذبًا وهو الذي يحدث الناس فيكذب عليهم ويغشهم وما إلى ذلك.
وذكر مرزوق أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ حلفَ علَى مَالِ امرئٍ مُسْلِمٍ بغيْرِ حقِّهِ لقِيَ اللَّه وهُو علَيْهِ غَضْبانُ"، قَالَ: ثُمَّ قرأَ عليْنَا رسُولُ اللَّه ﷺ مِصَداقَه منْ كِتَابِ اللَّه: " إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"، وختم مرزوق كلامه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا"، مضيفًا أن كل هذه النصوص النبوية والقرآنية تدل على أن المسلم يجب أن يأكل الحلال ويبتعد عن الحرام الذي من أعظم أنواعه الغش في الطعام والشراب والدواء.
تباع كثيرًا على الانترنت منتجات مجهولة المصدر فيشتريها الناس باعتبارها أرخص في السعر، فهل المسلم نفسه ليس مسئولًا عن حياته وصحته بألا يشتري طعام وشراب من أماكن غير موثوقة ؟
أجاب الدكتور مرزوق قائلًا إنه يحرم على أي مسلم أن يعلن عن منتج يتعلق بالطعام والشراب وهو لا يعلم حقيقته، لأنه بذلك يغش الناس ويدخل تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا"، وكذلك يجب على من يشتري هذه المنتجات أن يسأل أهل الخبرة والعلم كل في مجاله عن هذه المنتجات هل هي نافعة أو ليست نافعة، قائلًا أن القاعدة العامة ذكرت في قوله تعالى: " فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"، فإن كان الأمر يتعلق بعلاج فعلى المسلم أن يسال الأطباء، وإن كان يتعلق بالطعام والشراب عليه أن يسال التجار وأهل الخبرة في ذلك، فهو مسئول عن صحته أن يختار الشيء النافع ويجنبها الضار.
فيديو قد يعجبك: