بعد لقاء وفده بمفتي نيجيريا.. تعرف على تاريخ الأزهر في نيجيريا وجهوده لمواجهة التطرف
كتبت – آمال سامي:
التقى أمس وفد الأزهر الشريف بمفتي نيجيريا الشيخ إبراهيم صالح الحسيني لبحث التعاون بين الطرفين في مجالات البحوث والإفتاء، وبحث إنشاء مراكز لمكافحة التطرف ونشر صحيح الدين وانشاء مراكز لتعليم اللغة العربية أيضًا في نيجيريا...وفي التقرير التالي نستعرض أبرز جهود الأزهر الشريف في غرب إفريقيا ونيجيريا.
لعب الأزهر دورًا كبيرًا منذ البداية في نشر الإسلام في غرب إفريقيا، وعلى الرغم من وقوع هذه البلاد ومنها نيجيريا تحت وطأة الاستعمار، إلا أن العلاقات عادت للتتوطد بين مصر وبين هذه الدول بعد الاستقلال، فكثرت زيارات رجال الأزهر إليها ووفود طلابها للأزهر، وفي فترة الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي، تم إنشاء ثلاث معاد أزهرية بنيجيريا وحدها.
ولم تكن بعثات الأزهر الأخيرة ولا وفود الطلاب إليه هي أولى جهود الازهر لنشر الإسلام وقيمه وتعاليمه في أفريقيا، إذ كان الازهر منذ أن صار جامعة علمية كبرى يستقبل الوافدين من كافة الدول الإسلامية، ومن بينهم عدد كبير من الأفارقة، وقد ذكرت المراجع التاريخية أن هناك عدة أروقة بالأزهر خصصت للطلاب الوافدين، ووفر لهم الأزهر أقامة مستقرة فيها، وأجرى عليهم المرتبات أيضًا، ومن بين هذه الأروقة، رواق السنارية والدارفورية للقادمين من سنار ودارفور، ورواق البرنية وقد خصص لطلبة غرب افريقيا القادمين من نيجيريا وغينيا وسالح العاج ونحوها.
وكان لكل من أروقة الأزهر مكتبات مملتئة بالكتب والمراجع العلمية النادرة ، ويقول دكتور شوقي عطا الله في كتابه "الأزهر ودوره السياسي والحضاري في أفريقيا": "كثرت بعد ذلك أعداد الطلبة الوافدين من مختلف البلاد الأفريقية.. والإحصاءات التي لدينا عن الطلاب الوافدين المقيدين في الأزهر منذ الثلاثينيات من هذا القرن تدل على ذلك"، وأشار عطا الله في كتابه إلى أن وفود الطلبة من أفريقيا على الازهر زاد بشكل واضح منذ خمسينيات القرن الماضي، وخصصت مصر "مدينة البعوث الإسلامية" للطلبة الوافدين للدراسة في الأزهر.
دور الأزهر في مكافحة التطرف
حرص الأزهر على إقامة دورات تدريبية متخصصة لائمة والوعاظ لمكافحة الفكر المتطرف، فعقدت دورتان تدريبيتان في عام 2018 لأئمة ووعاظ العالم الإسلامي بنيجيريا والسنغال وكينيا وجزر القمر، كما أرسل الأزهر عدة اغاثات ومساعدات إنسانية في السنوات الأخيرة في أربع قوافل بلغت سبعين طنًا إلى نيجيريا وتشاد وافريقيا الوسطى والصومال.
وكان للأزهر دور كبير عند ظهور جماعة بوكو حرام في نيجيريا، إذ خاض معها معارك فكرية من خلال مرصد مكافحة التطرف وفند مزاعمها وقام بحملة توعية كبيرة لبيان فساد فكرها.
"بوكو حرام" من مناهضة التعليم العلماني إلى "الإرهاب"
كانت بداية حركة بوكو حرام في عام 2002م وكان هدفها في البداية مناهضة التعليم العلماني الغربي باعتباره المسئول الأول عن تردي أحوال البلاد، وعرفت في البداية باسم "جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد" وتزعمها حينها محمد يوسف، ولكنه قتل بعد تصادماتها مع الحكومة عام 2009 ليسيطر عليها الفكر التكفيري والمتشد، ولتبدأ مرحلة الإرهاب في تاريخ الجماعة، إذ قامت بعدة أعمال عنف في نيجيريا وأسقطت مئات الضحايا..
"مجموعة من الطلبة المتدينين" هكذا كانت بداية الحركة، تركوا دراستهم "العلمانية" حسب زعمهم، وأقاموا في مجمع ديني يتضمن جامعًا ومدرسة، وكان زعيمها حينها في أواخر الثلاثينات من عمره، وكان اعتقاله ثم قتله سببًا في حدوث أول أعمال عنف من قبل الحركة، إذ كانت أول أعمال عنف قامت بها الحركة هو الهجوم الذي شنته على مقرات الشرطة في ثلاث ولايات بشمال نيجيريا ردًا على اعتقال قادتها، وكان ذلك في السادس والعشرين من يوليو 2009، لتبدأ المعارك بينها وبين الحكومة النيجيرية، وكان الذي تولى قيادة الحركة بعده "أبو بكر شيكاو" الأكثر تطرفًا ومعاداة للدولة، والذي انتحر بتفجير عبوة ناسفة في نفسه في يونيو الماضي في إحدى المواجهات المسلحة مع فرع التنظيم الجهادي المتطرف في غرب افريقيا.
كيف خرجت "بوكو حرام" من رحم "الإخوان المسلمين"؟
على الرغم من عدم صلة بوكو حرام المباشرة لجماعة الإخوان المسلمين، إلا أنه خرجت من رحمها، فيذكر الدكتور أحمد مرتضى، الأستاذ بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة بايرو، في دراسته حول جماعة "بوكو حرام"، أنه في منتصف ثمانينات القرن الماضي ظهرت حركة الإخوان المسلمين بزعامة إبراهيم الزكزكي في نيجيريا، واجتذبت عدد من الشباب في مقدمتهم "محمد يوسف" الذي أصبح فيما بعد زعيم حركة بوكو حرام، وكان أبو يوسف مثل بعض الشباب النيجيري المتحمس يرفض الالتحاق بالدراسة النظامية هناك، وإنما ألتحق بالفصول الليلة لمحو الأمية بمعهد الكانمي، لينفصل عنها بعد ذلك، إلا أنه أتقن القرآن في المدرسة القرآنية التي تولاها والده، وحضر دروس لعدد من رموز علماء السنة في نيجيريا، ثم بعد ذلك عكف على دراسة الكتب الدينية وحده.
في عام 1994 بدأ التشيع والميل لإيران يظهر في تصرفات زعيم جماعة الإخوان الزكزكي، حسبما يذكر مرتضى في دراسته، وهو ما أدى لتفكك الجماعة هناك، لتظهر "جماعة التجديد الإسلامي" واتجاه بعض افراد هذه الجماعة للسلفية، واستمرار البعض الآخر مع الزعيم الشيعي، إلا أن "محمد يوسف" استمر مع الجماعة التي انشقت معه وتزعمها في منهج الإخوان المعتد التقليدي، واقترب من جماعة "إزالة البدعة وإقامة السنة"، وبعدها بدأت أفكاره تطور، ليعلن حركة "جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد"، التي أصبحت فيما بعد بوكو حرام، لتصبح تدريجيا، وبعد عدة مناوشات مع الشرطة، جماعة مسلحة متطرفة، بلغت أوج تطرفها بعد مقتله.
ويمكننا تلخيص فكر جماعة بوكو حرام في الاعتقاد بكفر الدولة كسائر الحركات التكفيرية، إذ كان يسود في نيجيريا اعتقادًا بأن التعليم الحديث الغربي تحديدًا محرم، ويسعى لهدم الدين، وكان انفصال مجموعة بوكو حرام عنه لهذا السبب، وترى بوكو حرام أيضًا أن القائمين على الدولة في نيجيريا هم أيضًا كفار، سواء كانوا مسلمين أو لا، وتحرم على أصحابها المشاركة في أي نشاط سياسي أو اجتماعي يشبه ما يفعله الغرب، ورغم أن الجماعة كان هدفها في البداية محاربة التغريب والفساد الذي سيطر على المجتمع عن طريق تطبيق الشريعة الإسلامية، إلا أنها في النهاية وكتطور طبيعي أعلنت الجهاد ضد الحكومة عقب مقتل قائدها، وتذكر تقارير صحفية أن الجماعة كانت تتلقى دعمًا ماديًا من أسامة بن لادن أُثناء وجوده على رأس تنظيم القاعدة.
أصبحت بوكو حرام أكثر خطورة في مارس 2015 بعد بيعتها لتنظيم داعش، وتغيير اسمها لتصبح "ولاية غرب إفريقية"، وسيطرت بشكل كبير على شمال نيجيريا لتظل الحكومة النيجيرية تكافح من أجل القضاء على هذه الحركة ووأد توسعها.
فيديو قد يعجبك: