في ذكرى وفاة "ابن سيرين".. كل ما تريد معرفته عن "تفسير الأحلام" وضوابطه الشرعية
كتبت – آمال سامي:
تحل اليوم ذكرى وفاة العالم المسلم الجليل ابن سيرين رحمه الله، وهو أشهر من تحدث في تفسير الأحلام، وله كتاب منسوب إليه باسم " تفسير الأحلام لابن سيرين"، فهل هناك علم حقًا يسمى تفسير الأحلام؟ وما هي ضوابطه وشروطه؟
في فتوى سابقة لدار الإفتاء المصرية نشرت على موقعها الرسمي بتاريخ 9 مارس 2015، أوضحت فيها معنى تفسير الأحلام وحكمه الشرعي، حيث ذكرت أمانة الفتوى قول الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن في تفسيره لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ" سورة يوسف -43 أي: أخبروني بحكم هذه الرؤيا "إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ" ، فالعبارة مشتقة من عبور النهر، فمعنى عبرت النهر: بلغت شاطئه، فعابر الرؤيا يعبر بما يؤول إليه أمرها.
وذكرت أمانة الفتوى أن حقيقة الرؤيا في مذهب أهل السنة هي أن الله تعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان، وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء لا يمنعه نوم ولا يقظة، فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنه جعلها عَلَمًا على أمور أُخَر يخلقها في ثاني الحال أو كان قد خلقها فإذا خلق في قلب النائم الطيران وليس بطائر فأكثر ما فيه أنه اعتقد أمرًا على خلاف ما هو فيكون ذلك الاعتقاد عَلَمًا على غيره كما يكون خلق الله سبحانه وتعالى الغيم عَلَمًا على المطر والجميع خلق الله تعالى ولكن يخلق الرؤيا والاعتقادات التي جعلها عَلَمًا على ما يسر بغير حضرة الشيطان ويخلق ما هو عَلم على ما يضر بحضرة الشيطان فينسب إلى الشيطان مجازًا لحضوره عندها وإن كان لا فعل له حقيقة، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "الرُّؤْيَا مِنَ اللهِ، وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ" لا على أن الشيطان يفعل شيئا، فالرؤيا اسم للمحبوب والحلم اسم للمكروه. وأوضحت الدار إلى ان اضافة الرؤيا المحبوبة إلى الله إضافة تشريف بخلاف المكروهة وإن كانتا جميعًا من خلق الله تعالى وتدبيره وبإرادته ولا فعل للشيطان فيهما لكنه يحضر المكروهة ويرتضيها ويسر بها.
أما عن حكم تفسير الرؤيا، فتقول أمانة الفتوى إنه مشروع لمن يحسنه، لأن الله سبحانه وتعالى أوجد الرؤيا ليستفيد منها الناس عن طريق من يعلم تفسيرها منهم، كما هو الحال في القرآن والسنة حسب قوله تعالى: " وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ"، وقوله: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"، وأكدت أنه لا يصح التحدث في تفسير الأحلام ممن ليسوا أهلًا للعلم بها، واستشهدت أمانة الفتوى بسؤال قيل لمالك رحمه الله: أيعبر الرؤيا كلُّ أحدٍ؟ فقال: أبالنبوة يُلعب؟ وقال مالك: لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها، فإن رأى خيرًا أخبر به، وإن رأى مكروهًا فليقل خيرًا أو ليصمت. قيل: فهل يعبرها على الخير وهي عنده على المكروه؛ لقول من قال إنها على ما أُوِّلت عليه؟ فقال: لا. ثم قال: الرؤيا جزء من النبوة، فلا يتلاعب بالنبوة.
ومن يفسر الرؤيا كالمجتهد في العلوم الشرعية، يجوز له الخطأ، لكن لا يترتب أي حكم شرعي على الأحلام، وإن كان يستأنس بها في فضائل الأعمال والأشخاص وفيما له أصل في الشرع، حسب فتوى دار الإفتاء.
فما هي مصادر علم تفسير الأحلام؟
تقول دار الإفتاء إن الأصل في تفسير الأحلام أنه ملكة كملكة الفقه بالنسبة للفقيه، لكن ليس مصدره فقط القرآن والسنة، فأقسام تأويل الرؤيا قد تكون من جهة الكتاب (القرآن) أو من جهة السنة، أو من الأمثال المنتشرة بين الناس، وقد يكون على الأسماء والمعاني أو الضد والقلب.
فالتفسير بدلالة القرآن كتفسير الحبل بالعهد لقوله تعالى: "واعتصموا بحبل الله"، والسفينة بالنجاة، لقوله: "فأنجيناه وأصحاب السفينة"، وأما التفسير بدلالة الحديث كالغراب الذي يفسر بالرجل الفاسق لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه فاسقًا، والتأويل بالأمثال مثل الصائغ الذي يفسر بانه كذاب، لقولهم: أكذب الناس الصواغون، وقد يتغير حكم التفسير بالزيادة والنقصان، مثل القول في البكاء أنه فرح إلا إن كان بصوت ورنة فيكون مصيبة، وفي الضحك انه حزم إلا إن يكون ابتسامًا.
فما حكم من يدعي أنه رأى رؤيا وكان كاذبًا في ذلك؟
"من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل" كذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في البخاري، فمن ادعى انه رأى حلمًا يكلف يوم القيامة بأن يوصل بين شعرتين ولن يستطيع، فهو كناية عن استمرار العذاب الذي يلقاه، تخبرنا أمانة الفتوى، وذكر الطبري أن الكذب في المنام أشتد فيه الوعيد مع ان الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدة منه، لأن الكذب في المنام كذب على الله أنه أراه ما لم يره، والكذب على الله أشد من الكذب على المخلوقين، لقوله تعالى: "وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ".
هل الاعتقاد في الأحلام حرام؟
ليس حرامًا، يقول الدكتور أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، مشيرًا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا انه في آخر الزمان تكون رؤيا المؤمن حقًا، لكن ليس معنى ذلك أن تكون حياة المؤمن تدور حول الأحلام والمنامات، فلا يأخذ قرارا إلا إذا رأى حلمًا ويبحث عن مفسر له، :فالأحلام إما مبشرات أو منذرات، فهو رسول من رسل الله لينذر الإنسان ليصلح من حاله إذا كانت منذرات".
لكن هل يجوز تخصيص برنامج أو خدمة لتفسير الرؤى والأحلام؟
ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية حول ذلك الأمر، خاصة بعدما انتشرت برامج وخطوط تليفونية مخصصة لتفسير الأحلام، وأفتت الدار بتاريخ 17 أغسطس 2006 في فتوى منشورة على موقعها الرسمي، تقول فيها أن تأويل وتفسير المنامات ليس بمهنة ولا حرفة، بل هو من ميراث النبوة؛ يأخذ منه مَن شاء الله تعالى ما شاء أن يعطيه؛ فيَعرِف بعضًا ويَجهَل بعضًا، ويصيب مرة ويخطئ مرات، وأكدت الدار أنه ليس هناك في الأزهر الشريف على مدار تاريخه من تخصص في تفسير الرؤى، بل ولا في غير الأزهر من المعاهد العلمية الدينية المعتمدة على مستوى العالم الإسلامي، "وإنما رأينا سلفنا الصالح يعقدون مجالس للتحديث ومجالس للفتيا ومجالس للقضاء ومجالس للذكر وأخرى للتعليم، وهم مع ذلك لم يعقدوا مجالس لتأويل الرؤى وتفسير المنامات، بل كان هذا يأتي عَرَضًا للتثبيت والتبشير والتحفيز".
فيديو قد يعجبك: