لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

أمنتهم على أنفسهم ودينهم وكنائسهم.. "العُهدة العُمرية" عهد خليفة رسول الله للمسيحيين

01:59 م الثلاثاء 08 يناير 2019

نص العهدة العمرية

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب – هاني ضوه :

لم يكن الإسلام يومًا مُقصيًا للآخر ولا متنمّرًا على أصحاب الديانات الأخرى في البلدان التي فتحها جيش المسلمين خلال فترة الفتوحات الإسلامية ونشروا فيها الإسلام، بل كان في تعامل الخلفاء الراشدين مع أصحاب الديانات الأخرى تعبير عن مدى سماحة الإسلام وقبوله للآخر.

ومن تلك النماذج الرائعة التي تعد واحدة من أعدل الوثائق في تاريخ المسلمين، والتي يظهر من خلالها عدل الإسلام وسعيه للعيش المشترك والوئام، كانت "العهدة العمرية" التي كتبها ثاني الخلفاء الراشدين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه للمسيحيين في القدس، بعد انتصار المسلمين في معركة اليرموك.

 

دخل عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى القدس ليتسلم مفاتيحها من بطريرك القدس صفرونيوس في عام 15 هـ، ولأن الإسلام لا يسعى إلى الصراع والحرب، كتب سيدنا عمر وثيقة وعهدًا به يضمن الاستقرار والأمان للمسلمين وغيرهم في تلك البلاد، وتضمن حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية للجميع.

بل وكانت ألفاظ "العهدة العمرية" واضحة وصريحة في ضمان حرية العقيدة للناس، امتثالاً لأمر الله الذي لا يجيز أن يُكره أحد علـى تغيير دينه أو معتقده. وأثبت المسلمون أنهم أحرص الناس على شعائر الآخرين التعبدية، وقد كفلوا لهم حرية العبادة والوصول إلى أماكنها، فأعطاهم الله "أماناً لأنفسهم ولكنائسهم وصلبانها وسقيمها وبريئها وسـائر ملتهـا".

 

نص العهدة العمرية

 

وردت العهدة في العديد من كتب التاريخ بأكثر من صيغة ونص، وتناولها الفقهاء بالشرح والتحليل في مصنفاتهم، وتتراوح من نصوص قصيرة ومقتضبه كنص اليعقوبي ونص ابن البطريق وابن الجوري، أو مفصلة كنص ابن عساكر ونص الطبري ومجير الدين العليمي المقدسيِ ونص بطريركيـة الروم الأرثوذكس.

أما عن نصها وفقًا لما أورده الإمام الطبري في تاريخه ومجير الدين العليمي المقدسي في كتابه "الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل" والذي أسنده لسيف عن أبي حازم وأبي عثمان عن خالد وعبادة، بأن عمر بن الخطاب صالح أهل إيلياء بالجابية وكتب لهم:

 

 

"بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين عمر، أهل إيليا من الأمان، أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم ولصلبانهم ومقيمها وبريئها وسائر ملتها، إنها لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حدها ولا من صلبانهم، ولا شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيليا معهم أحد من اليهود.

وعلى أهل إيليا أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن -يقصد مدن فلسطين-، على أن يخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فهو آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ما على أهل إيليا من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم، ويخلي بيعتهم وصليبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعتهم وصليبهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان فيها من أهل الأرض، فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على إيليا من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أرضه، فإنه لا يؤخذ منه شيء حتى يحصد حصادهم.

وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمته، وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين، إذا أعطوا الذي عليه من الجزية. شهد على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان. كتب وحضر سنة خمس عشرة".

 

بموجب هذا العهد العُمري أصبحت أرض بيت المقدس نموذجًا للتعددية الدينية والعيش المشترك، فخليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يسع لإقصاء غير المسلمين، بل الأكثر من ذلك أنه أمنهم على أنفسهم وعلى رموزهم الدينية وصلبانهم، فوضع بذلك سياسة ونظاما جديدين أسسا لأن يكون بيت المقدس مدينة تحيا على الوئام والمحبة والتسامح والسلام، وهو ما تكفله تعالم الإسلام.

مرجعًا للفقهاء والمشرعين

في ضوء العُهدة العمرية المستمدة من الكتاب والسنة أصبح هذا دأب حكام المسلمين في عصرهم الذهبي، فكُتب على طريقتها الكثير من المعاهدات في بلاد الشام ومصر، بل إن الفقهاء والمشرعين أصّلوا واستخلصوا حقوق غير المسلمين في دولة الإسلام معتمدين على ما جاء في العهدة العمرية إعمالًا للمقاصد العليا للشريعة الإسلامية التي تضمن لجميع البشر حفظ النفس والدين والعرض والمال والعقل، واستنبط من ذلك أيضًا قوانين تتعلق بالأحوار الشخصية والجنائية، حتى إن الإمام الحصفكي الحنفي قال في كتابه "الدر المختار في شرح تنوير الأبصار": "يضمن المسلم خمر الذمي وخنزيره إذا أتلفه". حيث اعتبر أن إتلاف خمر الذمي وخنزيره على يد مسلم هو بمثابة اعتداء يستوجب العقوبة.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان