لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بالفيدو والصور- إعلام "أسبوع الآلام".. في رحلة البحث عن المهنية (تقرير)

03:26 م السبت 15 أبريل 2017

كنيسة طنطا

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- يسرا سلامة ودعاء الفولي:

لم يكد يمر أسبوع على تفجيرين متلاحقين وقعا بين طنطا والإسكندرية، حتى وُجّهت أصابع اللوم أو النُصح لوسائل الإعلام، الصحفية منها والمُتلفزة. وخلال الأيام الأولى من الحدث اعترى المشهد أزمات عدة؛ صحفيون يعانون من التغطية على الأرض، أخرون من نقص المعلومات، فيما هرعت بعض الوسائل المرئية للبحث عن السبق، بعيدا عن أي اعتبارات مهنية، ما رآه البعض سقطة جديدة ستلحق بالمجال. مصراوي يرصد كيف تعاطى الإعلاميون مع ذلك الأسبوع، وما الذي يحتاجه القائمون على المهنة لتلافي أكبر قدر من الأخطاء.

صعوبة في التغطية جمعت مراسلة صحيفة الواشنطن بوست هبة محفوظ، ومحررة الوكالة الإسبانية عزة جرجس، بمحيط كنيسة مار جرجس بطنطا، إذ مكثت الأولى ست ساعات بمحيط المكان على أمل الخروج بتصريح أو معلومة. أجمعت الصحفيتان على غضب الناس، وتضيف محفوظ "في حادث البطرسية كان التعامل أسهل سواء حول الكنيسة أو داخل المستشفيات"، وتستكمل جرجس "الناس بتلوم الإعلام، الناس مرهقة ومشحونة".

1

فقدان الثقة

"وأنا داخلة شفت مصور خارج الكاميرا بتاعته متكسّرة"، تحاملت محفوظ على نفسها لمحاولة نقل الروايات، لكنها سمعت ما لا يرضيها "فيه حد قاللي إنتو بتوع سبوبة"، تكرر المشهد مع جرجس بسؤال أحد الضحايا "هتكتبي شهداء ولا قتلى؟"، ورغم القواعد الصارمة في وكالتها باستخدام المصطلحات، إلا أنها حاولت أن تهدئ من روعه.

لم يتسنَّ لمحفوظ التحدث مع أقارب الضحايا من الدرجات الأولى "يا دوب أصحابهم أو قرايب من بعيد دول اللي كانوا شوية أهدى"، أدركت الشابة أن المواطنين جعلوا الصحفيين طرفا في ما حدث "حسّوا إن بعد البطرسية الناس اتكلمت ومفيش حاجة حصلت فقدوا الإيمان والثقة بكل شيء فقرروا ميتكلموش تاني".. تضيف مراسلة الواشنطن بوست.

2

جذبت أحد الضحايا ستارة سريرها أمام جرجس، في إعلان لرفضها للحديث، لتقوم المراسلة باستكمال غلق الستارة "حبيت أوصلها إني مش هاخد منها حاجة غصب عنها". ترى الشابة أن تعاملات سابقة من صحفيين مع الضحايا عمّقت عدم الثقة في أصحاب السلطة الرابعة "وفي العموم الانفجارات حديثة نسبيا على صحفيي القاهرة"، تذكرها المراسلة التي تلقت تدريبا صحفيا في التعامل مع الضحايا، وتنتقد التكالب على الضحايا بلا اعتبارات إنسانية.

"أزمة المعلومات" واجهت كلتا المراسلتين، تردف هبة "محدش بيرضى بتكلم من المسئولين.. وملناش القدرة على الدخول لكل الأماكن"، كذلك حاولت جرجس التواصل مع المتحدث باسم وزارة الصحة للوقوف على الأرقام النهائية للضحايا والمصابين، وكذلك عدد المسيحين بطنطا "لا الحكومة ولا المحافظة لديهما عدد واضح"، ما خلق حالة من البلبلة سعيا وراء نسج تقارير موضوعية.

3

في المقابل استاءت محفوظ كمشاهدة من قصور تغطية التلفزيون المصري "الجهة الوحيدة التي تستطيع عبور كل الحواجز الأمنية" كما ترى، تقول "ليه مراحوش المستشفى بعد الحادثة مباشرة؟.. ليه بيجيبوا روايات رسمية بعيدا عن الشق الإنساني؟".

امتلكت المراسلة مآخذ أخرى على بعض القنوات الخاصة، ضاربة المثل بإحدى المذيعات التي اتصلت بوزير الثقافة عقب الحادث بساعات ليعد بإيجاد حل مجتمعي لما جرى "في حين إن الأهم وقتها هو المعلومة وتفاصيل الحادث".

ضغط الرأي العام

التعامل مع الضحايا مازال ينقصه الكثير في الإعلام المصري، حسبما ترى نجلاء العمري، المدير السابق لمكتب بي بي سي في القاهرة، وتقول إن الأخطاء معظمها ناتج عن عدم تدريب، موضحة أن الاتجاه العالمي حاليا هو الحديث عن أخطاء الإعلام خلال الأزمات "لأن العالم كله يمر بتفجيرات إرهابية وليست مصر فقط"، لكن الفرق في الدول الأخرى أن الرأي العام يضغط على الإعلام إذا ما حاد عن مهنية، وهذا لا يحدث في الدول العربية إلا قليلا.

4

شاركت العمري في بادرة أمل بدولة تونس منذ عدة أشهر، حيث حضرت ورشا تدريبية لتعليم الصحفيين كيفية التعامل مع تلك الحوادث "حتى أنه جزء من الورشة كان عن التعامل مع أهالي منفذي التفجير وكيف يمكن للصحفي حمايتهم بالفعل"، وفي النهاية خرج الصحفيون بتعليمات موجودة على موقع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري (هايكا)، ويتحدث بعضها عن ضرورة إخفاء هوية أهالي المنفذين والتأكد من أهليتهم النفسية للحديث الإعلامي "وبالتالي لما رأيت الحوار المتلفز لعمرو أديب مع شقيق مرتكب تفجير المرقسية انزعجت بشدة.. لأنه ضرب عرض الحائط بكل الأسس التي نعرفها".

تعليمات الدولة للتليفزيون

في السياق نفسه يرى سامي عبد الراضي، الصحفي ورئيس تحرير برنامج 90 دقيقة بقناة المحور، إنه ليس مطلوبا من الإعلامي أن يجلد أحد الأطراف المقربين من المشتبه بهم، أو يتحدث معه دون رغبته، مضيفا إن التعاطف معهم أيضا خطأ مهني.

وأشار عبد الراضي إلى أن المنافسة حق مشروع بين القنوات الفضائية، خاصة في ظل زحام في سوق الإعلام، لكن الأولوية يجب أن تكون للتدقيق، مؤكدا أن هُناك جرائم تُرتكب تحت اسم السبق الصحفي.

5

""أجهزة الأمن أرادت توثيق أن محمود حسن مبارك هو بالفعل الانتحاري الذي قام بالقضية".. يقول عبد الراضي مفسرا اللقاءات الإعلامية التي تمت مع زوجته وشقيقه عقب حوالي ساعتين من إعلان اسمه، متابعا أن ذلك جزء هام بجانب الأدلة الفنية والجنائية على تورطه، ولهذا سمحت لبعض الإعلاميين بالتصوير معهم.

ويؤكد عبد الراضي أنه لا توجد دائما "تعليمات" من السلطة للإعلام عكس ما يُقال عن البرامج، موضحا "لصلة موجودة بين فريق العمل والمصادر، لكن الاستجابة تختلف في حالة وجود دعوة من الأمن، من سيستجيب وكيف سيستجيب أيضا، والمشاهد بالذكاء الشديد الذي يعرف من تلقى تعليمات ومن مهني، لا أحد يستطيع أن يخدع المشاهد".

6

لم تختلف معاناة إسلام الشرنوبي، الصحفي بجريدة الدستور المصرية، عما عايشته مراسلتا الوسائل الأجنبية خلال تفجير طنطا، فبعد أن اتجه لأرض الحدث، قضى فترة في مراقبة الأجواء، ولمح حالة من الغضب في حديث شهود العيان "أكتر من كل مرة سابقة"، وما زاد الأمر صعوبة هو المشاهد المؤثرة التي عاينها الشرنوبي "كنت أول مرة أحس إني شامم ريحة الدم".

كان يعلم الشرنوبي أن عليه إرسال مادة جيدة للجريدة "بس اتعاملت بحذر شديد أثناء التصوير أو الكلام مع الناس.. أحيانا مكنتش بقول اسمي عشان الناس متنزعجش من هويتي الدينية في ظل الظرف العصيب"، رغم الضغط الواقع على المحرر إلا أنه حاول تقصي المهنية قدر المستطاع، فيما عاين تعامل سيء من بعض المراسلين للقنوات أو الصحفيين "زي إنهم ينفعلوا على الناس مثلا أو ياخدوا كام لقطة عشان يروّحوا وكأنهم بيصوروا آلات مش بتحس.. أعتقد إن بعضهم مش مُدرب يتعامل إزاي مع حدث بالبشاعة دي".

7

كمتابع شعر الشاب أن الإعلام قام بقولبة الحادث "صدّروا الأغاني الوطنية وإننا إيد واحدة ومحدش بيدور في أصل المشكلة او سبب تكرارها"، يقول الشرنوبي إن الوسائل حشدت الناس بشكل عاطفي وسلبي، وابتعدوا عن تقديم المعلومة أو عمل متابعات لما يجري.

السبق مُقابل المهنية

ذلك الرأي تتفق معه سهير عثمان، مُدرس الصحافة، بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إذ تقول لمصراوي إن "الإعلام سطّح الحدث جدا"، فظهر ذلك في تكرار المعلومات الطفيفة الواردة خلال أول يومين "يعني فضلوا يذيعوا فيديو التفجير كل شوية بشكل بقى ممل"، وتضيف عثمان أنها انتظرت تحليلا مُعمقا لما حدث، ليس فقط من خلال الخبراء الأمنيين، ولكن عن طريق أساتذة علم النفس والاجتماع وتجارب الدول الأخرى.

تعي عثمان جيدا أزمة نقص المعلومات التي يُعاني منها العاملون بالمجال وُتعزي ذلك لعدم توقير الدولة لدور الإعلام "في الحالة دي الحل إني أشتغل على التحليل أو تفسير الظاهرة مش إني أرتكن للي معايا وخلاص"، وتوضح أستاذ الصحافة أن الركض خلف المعلومة لا يشفع أبدا للأخطاء المهنية الفجّة التي حدثت على بعض الشاشات.

تضرب عثمان المثل بحلقة الإعلامي عمرو أديب المُذاعة على قناة "أون إي"، والتي يحاول فيها إقناع شقيق المُتهم بتفجير الكنيسة المرقسية، غير أن الحوار كان مُذاعا على الهواء دون علم من الشخص "دي سقطة للمذيع مش مجرد خطأ.. كأننا رجعنا 100 سنة لورا"، موضحة أن الحديث في تلك الحالات عن ميثاق شرف إعلامي صار أمرا مُستهلكا "لأنه في الحقيقة المذيعين عارفين كويس ضوابط المهنة لكن بيخترقوها"، مؤكدة أن الهدف من تلك المقاطع وما يشابهها هو "الشو الإعلامي والتجارة فقط".

ما يجب على الإعلام

في كلمته بالمؤتمر الصحفي بنفس يوم حادثي التفجير، انتقد الرئيس عبد الفتاح السيسي أداء الإعلام، خاصة تكرار المشاهد، داعيا إلى التعامل بمصداقية ومسؤولية مع الحوادث الإرهابية، قائلا "خلوا بالكم من مصر وشعب مصر، تكرار الواقعة يجرح المصريين".

في المقابل عبّر الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز عن رفضه للدعوات الموجهة للإعلام، لئلا يتحول لأداة دعاية. ويجد أن التغطية الإعلامية للحدث لم تكن إيجابية "كان الأمر أشبه بمجالس العزاء والبكائيات"، مشيرا إلى أن ذلك بمثابة "الأكسجين للعمليات الإرهابية الذي يطيل عمرها"، وتضعف الروح المعنوية ويشعر معها الجمهور باليأس.

في الوقت ذاته ينتقد عبد العزيز عدم وجود قانون لتداول المعلومات حتى الآن بمصر "الثقافة في مصر ضد المعلومات، السلطات تكره أن تنشرها، وهذا غلّب الانطباعات على المعلومات في تغطية الحادث".

لا يرفض الخبير الإعلامي استضافة ذوي المُتهمين، لكنه يشدد "لابد أن يتم ذلك بموافقتهم الحرة، أو موافقة أوصيائهم في حالة إن كانوا تحت السن". يضيف أن أزمة أخرى حول المشتبه بهم يقوم بها الإعلام "أنه يقدم المشتبه بهم على إنهم جناة، وهذا خطأ مهني كبير".

8

منذ يومين، أذاعت قناة صدى البلد حوارا متلفزا مع شقيق المُتهم بتفجير المرقسية، ورغم التصوير إلا أنه ظل لعدة دقائق مُنهارا، فيما أمطرته أسئلة المراسل، وحينما انتهت الفقرة، ألقى المذيع أحمد موسى اللوم على أسرة المتهم "لأنهم تستروا على إرهابي"، مُطالبا بمحاكمتهم، وموجها حديثه للأخ: "بتعيط؟.. ده إنت أخوك إرهابي".

عقب الحادثين بيومين، أعلن الرئيس السيسي عن تشكيل المجلس الوطني لتنظيم الإعلام، فيما لا يرى عبد العزيز أن المجلس سيساهم في تحسين المشهد، أو تقليل الانتهاكات، مضيفا "ربما يُؤثر مستقبلا لكن ليس الآن".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان