الطيب في حديث الجمعة.. الخوراج ومَنْ وافقهم حديثًا لديهم خللٌ فكريٌّ
كتبت: سماح محمد
يستكملُ فضيلةُ الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشَّريف، في حديثه الأسبوعي غدًا الجمعة – مناقشتَه العلميَّةَ للمفهوم الخاطئ للحاكميَّة عند التكفيريِّين والجماعات المسلحة الذي ترتكز عليه في ارتكاب أعمال العنف والإرهاب.
خلال اللقاء يوضح فضيلة الإمام الأكبر أنَّ مفهوم الحاكمية يُعَدُّ من أهم الأصول والقواعد التي تعتمد عليها الجماعات المسلحة في قتل الناس واستباحة دمائهم وأموالهم، حيث إنَّ الحاكمية عندهم تعني أنَّ الله هو الحاكم الأوًّل والأخير، وأن الذي يحكم مِن البشر بغير ما أنزل الله فهو مشاركٌ لله في ألوهيته، ومن ثَمَّ يكون كافرًا مستباح الدم، ومَنْ يرضى به من المحكومِين فهو أيضًا كافرٌ مستباح الدم.
ويشير فضيلته إلى أن الخوارج هم مَنْ واجهوا سيِّدنا عليًّا وأرغموه علي قبول التحكيم، بعد اقترابهم من الهزيمة، ثم قالوا له: لا ولايةَ لك علينا، وذلك نتيجة خللٍ فكريٍّ عندهم وشذوذٍ في فهم بعض النصوص، وبعد قرون متطاولة من كُمُون هذا الفكر استدعى منطقَهم أبو الأعلى المودودي من الهند، ثم سيد قطب، الذي أورد في كتابه "ظلال القرآن" نصوصًا يُفْهَمُ منها تكفير الحُكَّام والمحكومِين والشعوب الإسلامية، وهذا ما صرَّح به كبار الإخوان المسلمين الذين أدانوا سيِّد قطب فيما ذهب إليه، من أمثال الهضيبي المرشد الثاني في كتابه "دعاة لا قضاة" الذي فنَّد فيه كلام المودودي بالإشارة إليه صراحةً، وبالردِّ على سيد قطب دون ذكر اسمه.
ويتابع فضيلته بتوضيح أنَّ القرآن الكريم به آيات كثيرة جدا تسندُ الحكم للبشر؛ كقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ}.. [المائدة : 49]، فهذه آية تأمر النبي - صلى الله عليه وسلم-بأن يكون حاكمًا، وقوله تعالى أيضًا: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ}.. [النساء : 105]، و(يَحْكُمُ) في الآية فعل مسند للحاكم البشر المتمثل في النبي- صلى الله عليه وسلم- أي: أن هناك حاكمية منسوبة للبشر بدليلٍ صريحٍ من القرآن الكريم، ومِن هنا يسقط كلامهم.
ويتطرق الإمام الأكبر في حديثه إلى أنَّ القرآن الكريم احتوى أوامرَ عامَّةً؛ كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى}.. [النحل :90]، حيث إنَّ مفهوم العدل في الآية مطلقٌ ينطبق علي حالات كثيرة لا تنتهي، تُرَكَ للحاكم فيها أن يُعْمِلَ عقله، وهذه حاكمية نسبية، فهي في هذا الموضع لغير الله، مضيفًا أن النبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ– عندما أرسل معاذ بن جبل- رضي الله عنه - لليمن قاضيًا "قال له: يا مُعاذُ، كيفَ تَقْضِي إذا عرَضَ لك قَضَاء، قال: بكِتَابِ اللهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ, قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، فهنا ينبهنا النبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلي وجود قضايا جديدة ليست في القرآن أو السنة؛ والحوادث لا تنتهي وتتغيَّر دائمًا ما دام هناك كونٌ وبشرٌ، ومن ثَمَّ قَالَ له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَال: أَجْتَهِدُ رَأْيِي ولَا آلُو"، فالنبيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يُصادرْ عليه اجتهاده، ولم يقل الحاكمية لله فقط، ولكن ضرب على صدرِه في إشارةٍ لرضائه، وَقَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ"، وهذا الحديث صحَّحه ابنُ عبد البرّ القرطبي وابن قيِّم الجوزية.
ويختتم فضيلتُه كلامَه بأننا نستطيع من خلال هذا الحديث أن نرفض الكلام المغلوط في فهم القرآن مستندين إلى ما فعله الرَّسولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منذ 14 قرنًا في مجتمع محدود الحركة والعلاقات، وهذا حق أعطاه الرَّسولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأصحابه في مجتمعٍ محدودٍ، فما بالنا ونحن الآن في القرن الحادي والعشرين الذي يَعجُّ بنوازل وحوادث لا حصرَ لها، وبالتالي فإنَّ الاجتهاد مطلوبٌ بضوابطه المعروفة عند أهل العلم.
يذكر أن حديث فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف يذاع على الفضائية المصرية عقب نشرة أخبار الثانية ظهرًا من كل يوم جمعة.
فيديو قد يعجبك: