"إن قتلتموني لم تصلّوا من بعدي أبدًا".. في ذكرى استشهاده كيف تنبأ عثمان بن عفان بالفتنة بعده
كتبت- آمال سامي:
في مثل هذا اليوم 18 من ذي الحجة عام 35 هـ قتل ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان- رضى الله عنه- على يد جماعة من المتمردين خرجوا عليه ثم اتفقوا على قتله فيما بعد.
لم تكن بداية الثورة ضد عثمان بن عفان رضي الله عنه تهدف لخلعه عن الحكم ولا إلى قتله، لكن كان المتمردون، الذين خرجوا من مصر وانضم إليهم آخرون، يريدون أن يمارسوا الضغط على الخليفة ليعدل من طريقة حكمه التي كانوا يعترضون عليها ويحاسب ولاته الذين رأوهم يخطئون، وقد قبل الخليفة ذلك، ووعد الثائرين بالنظر في مطالبهم وتحقيقها، لكن تطور الأمر إلى المطالبة بخلعه، ثم قتله رضي الله عنه.
يروي الذهبي في سير أعلام النبلاء إنه لما نزل أهل مصر الجحفة، وأتوا يعاتبون عثمان صعد عثمان المنبر ، فقال : جزاكم الله يا أصحاب محمد عني شرا : أذعتم السيئة وكتمتم الحسنة ، وأغريتم بي سفهاء الناس ، أيكم يذهب إلى هؤلاء القوم فيسألهم ما نقموا وما يريدون ؟ قال ذلك ثلاثا ولا يجيبه أحد ، فقام علي ، فقال : أنا ، فقال أنت أقربهم رحما ، فأتاهم فرحبوا به ، فقال : ما الذي نقمتم عليه ؟ قالوا : نقمنا أنه محا كتاب الله يعني كونه جمع الأمة على مصحف وحمى الحمى ، واستعمل أقرباءه ، وأعطى مروان مائة ألف ، وتناول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فرد عليهم عثمان : أما القرآن فمن عند الله ، إنما نهيتكم عن الاختلاف فاقرأوا على أي حرف شئتم ، وأما الحمى فوالله ما حميته لإبلي ولا لغنمي ، إنما حميته لإبل الصدقة ، وأما قولكم : إني أعطيت مروان مائة ألف ، فهذا بيت مالهم فليستعملوا عليه من أحبوا . وأما قولكم : تناول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنما أنا بشر أغضب وأرضى ، فمن ادعى قبلي حقا أو مظلمة فهذا أنا ذا ، فإن شاء قودا وإن شاء عفوا ، فرضي الناس واصطلحوا ودخلوا المدينة .
وفي رواية ابن كثير في البداية والنهاية، أخذ عليه الثائرون أيضًا أنه أتم الصلاة بمكة ، وأنه ولى الأحداث الولايات ، وترك الصحابة الأكابر ، وأعطى بني أمية أكثر من الناس، وأجاب عثمان بأن إتمامه الصلاة بمكة فإنه كان قد تأهل بها ونوى الإقامة فأتمها ، "وأما توليته الأحداث فلم يول إلا رجلا سويا عدلا ، وقد ولى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عتاب بن أسيد على مكة وهو ابن عشرين سنة ، وولى أسامة بن زيد بن حارثة وطعن الناس في إمارته فقال : إنه لخليق للإمارة . وأما إيثاره قومه بني أمية فقد كان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم، يؤثر قريشا على الناس ، ووالله لو أن مفتاح الجنة بيدي لأدخلت بني أمية إليها".
وجاء علي رضي الله عنه إلى عثمان فأخبره انهم سمعوا منه ورجعوا ، ورغم أن عدد من الصحابة أشاروا عليه بأن يعاقبهم إلا أنه صفح عنهم، وأشار على على عثمان بن عفان رضي الله عنه أن يخطب الناس خطبة يعتذر إليهم فيها مما كان وقع من الأثرة لبعض أقاربه ، ويشهدهم عليه بأنه قد تاب من ذلك ، وأناب إلى الاستمرار على ما كان عليه من سيرة الشيخين قبله ، وأنه لا يحيد عنها كما كان الأمر في بداية حكمه، وسمع عثمان رضي الله عنه النصيحة، فلما جاء يوم الجمعة خطب في الناس ودعا أثناء الخطبة قائلًا: " اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك ، اللهم إني أول تائب مما كان مني". وفي رواية أخرى عن الواقدي أنه قال خطب في الناس فقال: " أما بعد ، أيها الناس ، فوالله ما عاب من عاب شيئا أجهله ، وما جئت شيئا إلا وأنا أعرفه ، ولكن ضل رشدي ، ولقد سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : من زل فليتب ، ومن أخطأ فليتب ، ولا يتمادى في الهلكة ، إن من تمادى في الجور كان أبعد عن الطريق . فأنا أول من اتعظ ، أستغفر الله مما فعلت وأتوب إليه ، فمثلي نزع وتاب ، فإذا نزلت فليأتني أشرافكم ، فوالله لأكونن كالمرقوق ، إن ملك صبر ، وإن عتق شكر ، وما عن الله مذهب إلا إليه.
ولكن كيف تصاعدت الأحداث؟؟
لم ترق نصيحة علي لحاشية عثمان بن عفان رضي الله عنه وأهله من الأمويين، حتى جاءه مروان بن الحكم يلومه على ما فعل قائلًأ: " وإنك لو شئت لعزمت التوبة ولم تقرر لنا بالخطيئة، وقد اجتمع إليك على الباب مثل الجبال من الناس". وبشكل أو آخر تسربت رسالة من عثمان إلى والي مصر بأمر خطي منه بمعاقبة المتمردين إلى هؤلاء المتمردين أنفسهم، وقد أضطربت الروايات في وصف تلك المرحلة، هل تردد عثمان في الإذعان لرغبات الثوار ومطالباتهم حرصًا على ألا تفقد الدولة هيبتها وسلطتها؟ أم هل تدخلت حاشيته من الأمويين خوفًا منهم على فقدان السلطة التي حاذوها؟ النتيجة النهائية أن الأمور تصاعدت بسرعة، وعاد المتمردون إلى المدينة وهم يرفعون سيوفهم ويعتزمون على مهاجمة من يتعرض لهم ويعترضهم حتى حاصروا بيت عثمان بن عفان رضي الله عنه. واستمر هذا الحصار مدة أربعين يومًا، لم تصل فيه الإمدادات التي طلبها عثمان من واليه معاوية بن أبي سفيان في الوقت المناسب، وعلى الرغم من وجود جمع كبير من المدافعين عن عثمان رضي الله عنه أمام المتمردين إلا أن عثمان رفض وجودهم وطالبهم بأن يكفوا عن الدفاع عنه وألا يشتبكوا مع المتمردين.
ومن هنا بدأ المتمردون يطالبون الخليفة بترك الحكم حتى قالوا له: اخلع نفسك من هذا الأمر كما خلعك الله منه وهو ما رفضه عثمان بن عفان بشدة قائلًا: ، قال : لا أنزع قميصا ألبسنيه الله عز وجل، وفي ذلك إشارة إلى ما أخبره به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف إذ قال: يا عثمان, إن الله عز و جل عسى أن يلبسك قميصًا فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني, يا عثمان, إن الله عسى أن يلبسك قميصًا فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني ثلاثًا. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.
وقد حذر عثمان محاصريه من عاقبة قتله، فيما رواه الطبري في تاريخه، فقال لهم: إنكم إن قتلتموني لم تصلّوا من بعدي جميعًا أبدًا، ولم تقتسموا بعدي فيئًا جميعًا أبدًا، ولن يرفع الله عنكم الاختلاف أبدًا. ومما رواه الطبري أيضًا قوله للناس في موسم الحج: أما بعد ، فإن الله جل وعز رضي لكم السمع والطاعة والجماعة ، وحذركم المعصية والفرقة والاختلاف ، ونبأكم ما قد فعله الذين من قبلكم ، وتقدم إليكم فيه ، ليكون له الحجة عليكم إن عصيتموه ، فاقبلوا نصيحة الله جل وعز ، واحذروا عذابه ، فإنكم لن تجدوا أمة هلكت إلا من بعد أن تختلف ، إلا أن يكون لها رأس يجمعها ، ومتى ما تفعلوا ذلك لا تقيموا الصلاة جميعا ، وسلط عليكم عدوكم ، ويستحل بعضكم حرم بعض ، ومتى يفعل ذلك لا يقم لله سبحانه دين ، وتكونوا شيعا.
واقتحم المتمردون بيت عثمان بن عفان رضي الله عنه، ودخلوا عليه بينما كان يصلي ويقرأ سورة طه، فدخل عليه كنانة بن بشر فضربه بالسيف فقطع يده ثم ضربه على رأسه وطعنه في صدره، وقام سودان بن حمران بطعنه رضي الله عنه في بطنه، ثم مات عثمان بن عفان رضي الله عنه إثر هذه الضربة. ثم بدأت اعظم فتنة في التاريخ الإسلامي كما تنبأ عثمان رضي الله عنه.
فيديو قد يعجبك: