حقوق المرأة في خطبة الوداع
الحمدلله الذي خلق الخلق بقدرته،وجعل سعادتهم في اتباع شريعته،أحمده سبحانه وأشكره على ما أفاض على العباد من عظيم رحمته،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له في ربوبيته ولا إلهيته ولا في أسمائه وصفاته وعد من اتبع هداه بحبوحة فضله ونعمته وتوعد من أعرض عن هديه بالشقاء وشديد نقمته وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله دعا وجاهد في سبيل الله بكل ما أوتي من قوته ، وبين للناس هدى ربهم وشريعته فصلى الله عليه وعلى آله وصحابته وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد:فيقول الله جل جلاله موصياً خلقه:{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(1)}.
أيها الأحبة في الله وقفت في العام الماضي مع الخطبة العظيمة خطبة الوداع في جزئية منها وهي تحريم الربا ، واليوم أقف مع جزء آخر من تلك الخطبة البديعة التي تكلم بها أطهر فم وأفصح لسان على وجه الأرض وجزء اليوم هو أعلان حقوق المرأة في الإسلام ووصية الإسلام بها ؛ حيث يقول فيه خير البرية صلوات ربي وسلامه عليه :
((..فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ..)) ، وقد قام قوم عَميت بصيرتهم وملاء الحقد قلوبهم بتزعم دعوى أن الإسلام دين يُهين المرأة وينتقص من كرامتها يوم أن شرع للرجل ضربها !
فنقول لهؤلاء تعالوا وانظروا في الإسلام بعين البصيرة إن كان بقي عندكم شيء منها تعالوا أزيحوا نظارة الحقد الأسود عن أعينكم والتي حجبت عنكم نور الإسلام وحكمته ، نقول لهم هل أطلق الإسلام يد الرجل في ضرب المرأة وترك الأمر له ؟ هل جعل الأساس في التعامل بين المرأة والرجل ضرب الرجل لها ؟ فإن قالوا نعم فنقول لهم إنا نتحداكم أن تأتوا بحديث أو آية فيها ذلك الإطلاق ، الإسلام جعل الأساس هو إكرام المرأة وإعزازها فهذا قدوة المسلمين عامة ما ثبت ولن يثبت أن ضرب امرأة قط صلوات ربي وسلامه عليه بل يوم أن اشتكت النساء من رجال يضربونهن قال:((..ليس أولئك بخياركم))أبوداود وغيره،ولو كان ذلك الأمر هو الأصل لما قال ذلك ولكان أول الضاربين حاشاه فداه أبي وأمي والناس أجمعين .
الإسلام جاء ليحمي المرأة من الضرب فهي العنصر الضعيف فمهما كان طولها أو عرضها فإنها لاتستطيع أن تصمد أمام الرجل في الغالب فهو الأقوى جسدياً،وإذا ما استعصت لغة التفاهم فإن الرجل سيلجأ لاستخدام قوته عليها في الغالب فمنعه الإسلام من ذلك وجعل الأساس في العلاقة الزوجية المودة والرحمة يقول تعالى:{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(21}
ولم يجعل الضرب إلا للمرأة التي خالفت طبيعة الأنثى الناعمة الرقيقة والتي تستطيع بابتسامتها ورقتها ودلالها ودموعها أحياناً أن تذيب صلابة الرجل وقوته ولو كان كالجبل الأصم لينقاد لها كالناقة الذلول،فلما تمردت على هذه الفطرة كان وسيلة ردها إليها الضرب وجعل قبله مراحل تحد من بطش الرجال بالنساء فقال تعالى:{ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا(34)}
وتأملوا أحبتي إلى هذه الخطوات الرفيقة بالمرأة فكلها تسعى لإشعار المرأة بأنها قد بدأت تفقد طبيعتها الأنثوية وأنها بدأت تصير في طريق الخطر،فإذا أبت واستمرت في غيها كان الضرب ولكنه ليس ضر ب الانتقام حيث تُكسَّرُ العظام وتحدث العاهات والتشوهات بل ضرب فيه رأفة ورحمة بالمرأة ومراعاة لرقتها وأنوثتها حيث وصفه صلى الله عليه وسلم بقوله:((ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ)) ثم إن مما يجدر الوقوف عنده ما افتتح به صلوات ربي وسلامه عليه الكلام عن النساء في هذه الخطبة حيث قال:((فاتقوا الله في النساء)) هذه الوصية العظيمة التي نجدها في القرآن وفي الحديث كلما ذُكر النساء ، فإذا تأملت في سورة النساء وجدت أن أغلب أياتها ختمت بوصف الجليل نفسه أنه عليم حكيم أو عليم حليم ، وفي هذا تخويف وردع لمن تسول له نفسه من الرجال أن يظلم النساء بأن الله مطلع عليم بما يفعل .
وإذا تأملت سورة الطلاق رأيت كثرة الوصية بالتقوى، وهكذا في أغلب نصوص التشريع لا تذكر المرأة إلا وإلى جوارها ما يربط القضية باطلاع الله وعظمة الله وقوة الله ، وفي هذا تذكير مستمر للرجل يذكره بأن المرأة وإن كانت عنصراً ضعيفاً رقيقاً في المجتمع فإن الله معها إن ظُلمت وناصرها في الدنيا أو في الآخرة وأن الله سيتكفل بحساب الرجل الظالم لها.
فقولوا لي بربكم أن توجد الرقابة الذاتية في داخل الرجل لحماية المرأة خير أم أن يسن لذلك قانون يسنه البشر يسهل التحايل عليه وإن وضع عقوبة فهي عقوبة بسيطة قد يتحملها الرجل مقابل أن يبطش بالمرأة،أو قد تتحمل المرأة حياتها تلك ولا تخبر جهات الاختصاص ليقتصوا لها من الرجل لأنها لا تجد رجلاً آخر تعيش في كنفه ؟
وقد يسجن الرجل في ظل نظام غير إسلامي زوجته في غرفة ويبطش بها الليل والنهار حتى تموت ولا يخرج خبره لمن يعاقبه ، ولكن في الإسلام يعرف الرجل أن خبر كل عمل يعمله في حق المرأة صغيراً كان أو كبيراً سوف يصل بشكل مباشر وبدون واسطة إلى أكبر سلطة في هذا الكون إلى العليم الخبير فيخشى من غضبه وانتقامه فيسارع إلى إصلاح أمره مع أهله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا()قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى126}.
المصدر - موقع صيد الفوائد
فيديو قد يعجبك: