الجمهور قالوا "ينقض" والمالكية قالوا "ما ينقضش".. أقوال العلماء في حكم اقتناء الكلاب
كتب - محمد قادوس:
أثارت فتوى للدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية، مؤخرا جدلًا على مواقع التواصل الاجتماعي؛ ففي حديثه ببرنامج "نظرة" على قناة "صدى البلد "عن حكم تربية الكلب، وهل هو نجس وبالتالي كل ما يصدر عنه به نجاسة؛ ردا على سؤال أحد الجمهور - قال نصًا: "لا حرج في التعايش مع الكلاب".
وفي التقرير التالي، يستعرض "مصراوي" الرأي الشرعي، واختلافَ أقوالِ العلماء في حكم اقتناء الكلاب، وبيعها، وتجارتها، وقتلها:
في أثناء "بث مصراوي" المباشر، أجاب الشيخ عبد القادر الطويل، عضو لجنة الفتاوى الإلكترونية بمركز الأزهر العالمي للفتوى، على سؤال ورد اليه يقول: "عندي كلب وقام بإمساك بنطلوني بفمه حيث إني قد توضأت وقمت للصلاة بنفس البنطلون، فهل تجوز الصلاة وأنا كذلك؟" - أن لعاب الكلب نَجَسٌ، ويجب على السائل أن يعيد صلاته ويغير ملابسه، ويجب على الإنسان أن يتحرز من ملامسة الكلاب.
وأكدت لجنة الفتوى بمركز الأزهر العالمي للرصد والإفتاء الإلكتروني أن اقتناء الكلب غير جائز، إلا كلبَ حراسة أو صيد أو ماشية، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أَوْ صَيْدٍ، أَوْ زَرْعٍ، انْتُقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ».
وبين مختصو الفتوى بالمركز أنه يستثنى من هذا الحكم ـ وهو عدم الجواز ـ اقتناء الكلاب بقصد تعليمها وتدريبها، لقوله تعالى: {يسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ}.. [المائدة: 4].
وأما عن دخول الكلب البيت ــ ما عدا الأنواع المذكورة في الحديث السابق ــ فيُخرِج منه ملائكة الرحمة فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَدْخُلُ المَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ تَصَاوِيرُ». صحيح البخاري.
هل يجوز الاتجار في الكلاب؟
ذهب جمهور المالكية والشافعية والحنابلة إلى عدم جواز الاتجار في الكلاب بالبيع والشراء، حسب لجنة الفتوى بالأزهر، واستدل الجمهور في ذلك بما رواه أبو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ". صحيح البخاري.
وبينت لجنة الفتوى أن بعض الفقهاء رخصوا كالحنفية، في جواز بيع الكلب الذي منه منفعة ككلب الصيد والحراسة... إلخ، وبعض المالكية قالوا بالجواز مع الكراهة.
وجاء في كتاب الاختيار لتعليل المختار (2/ 9): (وَيَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالسِّبَاعِ مُعَلَّمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُعَلَّمٍ؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا).
متى يُقتلُ الكلب؟
بينت لجنة الفتوى الحالة التي يجوز فيها قتل الكلب، فإن كان الكلب عقوراً وتحقق ضرره يقيناً أو ظناً جاز قتله؛ فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَمْسٌ فَوَاسِقُ، يُقْتَلْنَ فِي الحل والْحَرَمِ: الْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْحُدَيَّا، وَالْغُرَابُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ". صحيح مسلم.
"نادية عمارة" تُوفِّق بين الآراء المتباينة
من ناحية أخرى، قالت الدكتورة نادية عمارة، الداعية الاسلامية، إن تربية الحيوانات واقتناءها في المنازل سلوك طيب، واختلفت آراء الفقهاء عن جواز هذا الأمر بالنسبة للكلاب، وأوضحت "عمارة"، خلال تقديمها إحدى حلقات من برنامج "قلوب عامرة" الذي يُعرض عبر فضائية الحياة، أن بعض العلماء يرون أن الكلب ليس نجسا ويمكن اقتناؤه، في حين يرى آخرون أنه حيوان نجس لا يجوز تربيته.
وأضافت أنه يمكن التوفيق بين الرأيين، من خلال تربية الكلاب بشرط أن يتوافر لها مكان مناسب خاص بها، مع ضرورة الاهتمام بالنظافة والرعاية الصحية لها.
هل يجوز تربية كلب في المنزل؟
وقد أصدرت دار الإفتاء المصرية سابقًا فتوى تجيز اقتناء الكلاب التي يحتاجها المكلف في حياته وعمله، بشرط ألَّا يروّع الآمنين أو يزعج الجيران. وأكدت لجنة الفتوى بالدار أن اقتناء الكلب المحتاج إليه لا يمنع دخول الملائكة على قول كثيرٍ من أهل العلم.
أما عن نجاسة الكلب ومكانه، فيمكن الأخذ في ذلك بمذهب السادة المالكية في القول بطهارة الكلب، ويُنصَح بوضعه في حديقة الدار إن وجدت، وإلَّا فليجعل الإنسان لنفسه في بيته مُصلًّى لا يدخله الكلب.
وقال "علام" إن هذه مسألة مختلف فيها بين العلماء، منوها بأن أغلب جمهور العلماء يعتقد بنجاسة الكلب.
وأضاف علام، خلال لقائه عبر برنامج "نظرة" المذاع عبر قناة "صدى البلد" بأن هناك مذهبا وهو المالكية والذي تتبناه دار الإفتاء المصرية، وتفتى به في هذه المسألة بأن الكلب طاهر وكل شيء فيه طاهر، وهذا لأنهم ينطلقون من قاعدة تقول: "بأن كل حيوان حي طاهر"، وقد يأتي نهيٌ من الشرع الشريف بخصوص حيوان معين لا نأكل منه، مثل الخنزير والدواب ذات الناب والحافر.
وأوضح المفتي، بأنه لا حرج في التعايش مع الكلاب وأن يتعبد الإنسان لربه عز وجل، فإذا توضأ الإنسان وجاء عليه لعاب الكلب على البدن أو الثياب وأراد الصلاة فلا حرج عليه أن يصلي.
ميول الشباب وتربية الكلاب
وبين "علام" أنه طالما أن هناك مبررات شرعية، فإذا توافر الغرض الشرعي كالحراسة أو ضعف في النظر أو سيدة وحيدة وكبيرة في السن أو الصيد - جازت تربية الكلاب، لأن هذا مبرر شرعي. أما تربية الكلاب للميل فقط دون وجود مبرر شرعي فلا يفعله الإنسان، فالمبررات التي ذكرها العلماء ليست متوافرة في هذا الميل الموجود عند الشباب.
وأشار علام إلى أن الكلاب والقطط هذه أمم، والإنسان يتفاعل معها ويتركها تعيش كما أراد الله- سبحانه وتعالى- منوها بأن حبسها في بعض الحالات دون مبرر والإضرار بها هو إثم وقد يتسبب ذلك في دخوله النار، مستشهدا في ذلك بحديث ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "عُذّبت امرأة في هرّة، سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار؛ لا هي أطعمتها، ولا سقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض".. متفق عليه.
فيديو قد يعجبك: