فقدت بصرها فنذرها أهلها للقرآن.. أم السعد علمت مشاهير القراء وخالفت وعدها
-
عرض 3 صورة
-
عرض 3 صورة
-
عرض 3 صورة
كتبت- سارة عبد الخالق:
هناك الكثير من الشخصيات النسائية الإسلامية المؤثرة التي تركت بصمة وأثرًا واضحًا في عدة مجالات مختلفة، ومن ضمن هذه الشخصيات امرأة وحيدة في عصرها، تخصصت في القراءات العشر، وكان يفد إليها طلابها قاطعين مسافات طويلة للحصول على إجازة في القرآن الكريم على يديها.
وكان بينها وبين النبي- صلى الله عليه وسلم- براوية حفص عن عاصم عن طريق الشاطبية 27 راويًا، تبدأ بها، وتنتهي برسول الله- صلوات الله عليه.
هي سيدة وهبت حياتها لكتاب الله، وعاشت معه، إنها الشيخة أم السعد- رحمها الله.
تقول أم السعد عن حفظها لكتاب الله: "ستون عامًا من حفظ القرآن وقراءته ومراجعته جعلتني لا أنسى فيه شيئا، فأنا أتذكر كل آية أعرف سورتها وجزأها وما تتشابه فيه مع غيرها وكيفية قراءتها بكل القراءات. أشعر أنني أحفظ القرآن كاسمي تماما لا أتخيل أن أنسى منه حرفا أو أخطئ فيه، فأنا لا أعرف أي شيء آخر غير القرآن والقراءات، لم أدرس علما أو أسمع درسًا أو أحفظ شيئًا غير القرآن الكريم ومتونه في علوم القراءات والتجويد، وغير ذلك لا أعرف شيئا آخر".
يقول عنها شمس الدين كمال في كتابه (المرأة قبل الإسلام- كيف تصنع مجتمعا) عن أم السعد: "أفضل نساء العالم دينا وخلقا في عصرها، أشهر امرأة معاصرة في العالم في قراءات القرآن الكريم، الحافظة المحفظة، المتقنة المعمرة، وهي المرأة الوحيدة التي تخصصت في القراءات العشر، وظلت طوال نصف قرن تقريبا تمنح إجازاتها في القراءات العشر".
هي "أم السعد محمد علي نجم، ولدت في 11 يوليو 1925 م، بقرية تلا بمحافظة المنوفية شمال القاهرة"، أصاب عينيها المرض وهي لم تتجاوز عامها الأول، فاتجه أهلها كما هو كان معتاد قديما إلى العلاج باستخدام الطرق الشعبية التقليدية القديمة كالتداوي باستخدام الكحل ووضع الزيوت بغير علم، مما أدى ذلك إلى فقدانها بصرها.
فنذرها أهلها لخدمة كتاب الله حتى أتمت حفظ القرآن الكريم في مدرسة "حسن صبح" بالإسكندرية وهي في سن الخامسة عشر، وقد عاشت "أم السعد" بحارة الشمرلي بحي بحري بالإسكندرية، وفقا للمصدر السابق ذكره.
- شرط غريب!
وعندما أتمت أم السعد حفظ القرآن الكريم ذهبت إلى الشيخة "نفيسة بنت أبوالعلا" شيخة أهل زمانها لتتعلم على يديها القراءات العشر، ولكنها اشترطت عليها شرطا غريبا لتعلمها علم القراءات لأنها كانت ترفض بشدة أن تعلم البنات، ألا وهو ألا تتزوج أبدا، لأنها كانت ترى أن البنات عندما يتزوجن ينشغلن عن القرآن الكريم ويهملن فيه.
فوافقت أم السعد على شرط معلمتها خاصة أنها وجدت الشيخة "نفيسة" نفسها لم تتزوج، وتركت ذلك من أجل القرآن، على الرغم من أن هناك كثيرين تقدموا لخطبة السيدة "نفيسة"، ولكنها رفضت، وبالفعل تمكنت أم السعد من التعلم على يد معلمتها، وحصلت من شيختها "نفيسة" على الإجازة في علم القراءات العشر في الـ23 من عمرها.
ولكنها لم تظل طوال حياتها بدون زواج مثل معلمتها الشيخة "نفيسة"، فقد تقدم لخطبتها الشيخ محمد فريد النعمان، فرفضت في بداية الأمر تنفيذا لما طلبته منها معلمتها، ولكن بعد مرور حوالي 6 سنوات توفيت شيختها، وتقدم لخطبتها أحد الشيوخ الذين كانوا يختمون على يديها، وكاد والدها يوافق، وعندما علم الشيخ محمد النعمان بذلك الأمر ذهب إلى والدها قائلا له إنه أولى بها لأنني ختمت عليها العشر، وبالفعل وافقت أم السعد، وتم الزواج الذي استمر لمدة 40 عامًا ولم ترزق فيها بالأبناء.
وتقول بخصوص زواجها: "لم أستطع الوفاء بالوعد الذي قطعته لشيختي نفيسة بعدم الزواج، وكان الشيخ محمد فريد يقرأ عليّ القرآن بالقراءات، كان مثلي ضريرا وحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، درست له خمس سنوات كاملة وحين أكمل القراءات العشر، وأخذ إجازاتها، وبعدها طلب يدي للزواج فقبلت"، مضيفة: "الحمد لله، أشعر بأن الله اختار لي الخير دائما، ربما لو أنجبت لانشغلت بالأولاد عن القرآن وربما نسيته".
- ساعة في اليوم:
كان يتردد على أم السعد طلاب علم من مختلف الأعمار والتخصصات، فكانت تخصص لكل طالب ساعة في اليوم لكي يقرأ عليها ما يحفظ، فتصحح له قراءته حتى يتمكن من ختم القرآن كاملا بإحدى القراءات، وكان أي طالب ينتهي من ختم قراءة تمنحه إجازة مكتوبة ومختومة بخاتمها لتؤكد فيه أن هذا الطالب هو (خاتم للقرآن) قرأ القرآن كاملا صحيحا وبطريقة دقيقة.
وكانت تقول بخصوص هذا الشأن: "من فضل ربي أن كل من نال إجازة في القرآن في الإسكندرية بأي قراءة إما أن يكون قد حصل عليها مني مباشرة أو من أحد الذين منحتهم إجازة".
- مشاهير حصلوا على الإجازة على يد أم السعد:
القارئ أحمد نعينع، والشيخ مفتاح السلطني، وعدد من أساتذة وشيوخ معهد القراءات بالإسكندرية، وقد استضافها أحد تلاميذها لمدة سنة كاملة في الأراضي الحجازية، وتمكنت خلالها أن تمنح هناك إجازات عدة في القراءات المختلفة لعشرات من بلاد السعودية وباكستان وفلسطين والسودان ولبنان وأفغاستان وتشاد، وفقا لكتاب (المرأة قبل الإسلام) – المصدر السابق ذكره.
كذلك أخذ عنها الشيخ عبد الله بن صالح بن محمد العبيد، الذي ختم عليها ختمة كاملة للقراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة، وكذلك الشيخ هشام عبدالباري، والشيخ المقرئ عبدالحميد منصور، والداعية فاطمة الإسكندرانية، وفقا لما جاء في (وداعا أم السعد).
- أسعد أيام حياتها:
قالت أم السعد إن أسعد أيام حياتها "هو اليوم التي تمنح فيه الطالب إجازته، على الرغم من أنه مر عليها الكثير، وهي تحتفظ بصورة لكل إجازة".
وقد رحلت الشيخة أم السعد (رحمها الله) في 10 رمضان 1427 هـ الموافق 9 من أكتوبر 2006، عن عمر يناهز واحدًا وثمانين عامًا.
فيديو قد يعجبك: