لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

في أسبوع الوئام العالمي بين الأديان .. لمحات من "وثيقة المدينة المنورة"

04:44 م الأربعاء 01 فبراير 2017

في أسبوع الوئام العالمي بين الأديان .. لمحات من "و

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

بقلم – هاني ضوَّه :

نائب مستشار مفتي الجمهورية 

الرفق لا يكون في شيء إلا زانهُ، ولا ينزعُ من شيءٍ إلا شانهُ .. حكمة نبوية محمدية عظيمة، تضع الأساس لبناء عالم من الحب والتسامح والتعايش، وهكذا كان النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في جميع أمره وفي كافة مواقفه، فما أحوجنا إلى ذلك الرفق والحب والوئام الآن في عصر يموج بالصراعات؟! 

واليوم هو الأول من فبراير/ شباط والذي يوافق أول يوم في "أسبوع الوئام العالمي بين الأديان" وهي المبادرة التي أطلقها الملك عبدالله الثاني ملك الأردن أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وتم إقرارها بالإجماع عام 2010 كأسبوع عالمي سنوي لنشر الوئام والمحبة والتفاهم والعيش المشترك بين البشر جميعًا باختلاف أديانهم.

لم تكن دعوة الإسلام يومًا بمعزل عن نشر المحبة والتعايش والسلام بين البشر جميعًا، بل كان النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أول الداعين إلى الوئام والمحبة والعيش المشترك حتى ولو اختلفت العقائد، ولعل "وثيقة المدينة" التي وضعها النبي صلى الله عليه وآله وسلم تمثل أول دستور إسلامي يرسي مبدأ المواطنة والوئام بين أبناء الوطن الواحد مع اختلاف عقائدهم.

كانت المدينة المنورة عندما هاجر إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم عبارة عن إقليم جغرافي متنوع الثقافات والأديان، فدخلها الإسلام وكان لا يزال فيها اليهود وبعض المشركين، فضلًا عن التنوعات العرقية نظرًا لاختلاف القبائل وثقافاتها، فلم يدعو النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينها إلى نبذهم أو طردهم أو معاملتهم معاملة خاصة، بل كان الاعتبار الوحيد حينها هو الإنسانية والمواطنة‏.‏

ومن هنا انطلقت "وثيقة المدينة" لترسي مبادئ العيش المشترك والوئام والمحبة والتعاون بين أتباع الأديان والأعراق المختلفة الذين يعيشون سويًا .. فأكد فيها النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله على احترام "الاختلافات" ونبذ "الخلافات" وأقر التعددية الدينية وحرية الاعتقاد فجاء فيها: " ‏لليهود دينهم وللمسلمين دينهم‏،‏ مواليهم وأنفسهم‏،‏ إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ‏-‏أي يهلك-‏ إلا نفسه وأهل بيته".

وليس ذلك فحسب .. بل أكد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن اليهود وغيرهم من غير المسلمين في المدينة هم مواطني الدولة الإسلامية لهم الحقوق والواجبات‏، وعنصرًا من عناصرها‏ دون تمييز‏ فقال في الصحيفة‏: "‏وإنه من تبعنا من يهود،‏ فإن له النصر والأسوة غير مظلومين‏،‏ ولا متناصر عليهم‏"،‏ كذلك قال‏: "‏وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين" أي ضمن دولة المسلمين.‏

كما حفظت تلك الوثيقة المحمدية حقوق غير المسلمين المالية والاقتصادية، فجاء فيها: "وإنّ على اليهود نفقاته، وعلى المسلمين نفقاتهم"، وأشركهم في المسؤولية والمواطنة والدفاع عن وطنهم فقال: "إنّ بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وأنّ بينهم النصح والنصيحة، والبرّ دون الإثم، وإنّه لم يأثم امرؤ بحليفة، وإنّ النصر للمظلوم، وإنّ يهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين".

وكتب السُنة والسيرة النبوية المشرفة مليئة بالكثير من المواقف والأمثلة التي تعد مثالًا على التعايش بين أتباع الأديان، مثل زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لخادمه اليهودي في مرضه قبل موته، ووقوفه عند مرور جنازة يهودي، والتعاملات التجارية مع غير المسلمين، حتى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد انتقل إلى الرفيق الأعلى ودرعه مرهونة عند يهودي.

وعلى ذلك سار الخلفاء الراشدين والصحابة الكرام من بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولعل في فتح بيت المقدس في عهد الخليفة الثاني سيدنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- خير مثال على احترام غير المسلمين وعدم المساس بمقدساتهم ليعم الوئام والسلام المجتمع.

فعندما الخليفة عمر بن الخطاب بيت المقدس، فتلقاه البطريرك وطاف معه أرجاء المدينة حتى دخل كنيسة القيامة، فلما حان وقت الصلاة، قال للبطريرك: أريد الصلاة، فقال له: صلَ في موضعك، وكان في قلب الكنيسة، فأبى خشية أن يقتضي به المسلمون، ويقولون هنا صلى عمر، فصارت الصلاة لنا في داخلها حقًا، وقد يؤول بهم الأمر إلى الاستيلاء على الكنيسة مخالفين بذلك ما نُصَّ عليه في "العهدة العمرية" التي ضمن بها سيدنا عمر بن الخطاب حقوق المسيحيين وأهل الكتاب من احترام كنائسهم وتركها بأيديهم، على مظنة أن ما فعله عمر بموافقة البطريرك تعديل لما شرط في العهدة العمرية.

ليس ذلك فحسب .. بل إن سيدنا عمر بن الخطاب خرج فصلى على درج باب الكنيسة، وبعد أن انتهى كتب أمرًا بأن لا تقام في هذه الكنيسة صلاة الجماعة للمسلمين، ولا يؤذن فيه مؤذن، ثم أتى عمر الصخرة، فبنى عليها مسجد الصخرة الموجود الآن.

والتعايش والمحبة ونشر السلام بين أتباع الأديان لا يعني الانصهار وفقد الهوية .. بل يعني البحث عن القيم الإنسانية المشتركة وإعلائها والعمل بها مع حفاظ كل منهم على عقيدته.

إن التعايش والوئام والسلام بين أتباع الأديان بل بين الناس جميعًا مبدأ إسلامي .. ومبدأ سماوي .. دعت إليه الرسالات وسعى إليه المصلحون، وهو ضرورة ملحة في ظل تلك الصراعات التي تموج من حولنا على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .. فكان لزامًا أن يتعاون أتباع الأديان والناس جميعًا من أجل إحلال السلام ونشر الوئام حتى يقوم أن الإنسان بمهمته الأساسية ألا وهي عمارة الأرض. 

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي موقع مصراوي.

للتواصل مع الكاتب: Hani_dawah@hotmail.com

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان