لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

سترونج إندبندنت وومان.. تحرير المفهوم (2)

هبة صلاح باحثة ومترجمة بدار الإفتاء

سترونج إندبندنت وومان.. تحرير المفهوم (2)

04:20 م الخميس 08 نوفمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - هبة صلاح :

باحثة ومترجمة بدار الإفتاء المصرية

ما زال الحديث مَوصولًا عن المفهوم المجتمعي المستحدث "سترونج إندبندنتوومان" ومن خلال السطور القليلة التي عرضتها في المقال السابق أكدت على أن مفهوم "القوة" Strong ما هو إلا صفة مكتسبة من خلال التجارب الإنسانية؛ هذه القوة ربما تشبه الزلزال الذي تختفى معه معالم الأرض لتظهر بعده بشكل جديد وقد تغير كل شيء بسببه وما يليه من "توابع". فمع وجود هذه الشخصية القوية التي تعتمد على نفسها وتتحدى بعض القيود الاجتماعية غير المقبولة على المستوى الإنساني مثل حرمان من التعليم أو غياب من يعولها تأتي تبعات هذه القوة متمثلة في مفهوم "الاستقلال" لتصبح المرأة بالإضافة إلى قوة إرادتها "مستقلة" "Independent".

هناك سؤال مهم يطرح نفسه: لما كل هذا العَجَب من مفهوم المرأة المستقلة، والكون من حولنا يدل على ذلك في حركاته وسكناته؟! فإذا تأملنا طبيعة خلق الله للكون سنجد أن كل المخلوقات تشترك معا لتكمل الصورة التي نراها من حولنا في تناغم عجيب غير أن كل من هذه المخلوقات له طابع يميزه عن غيره بشكل مستقل دون إفراط أو تفريط كما في قوله تعالى: "لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" (سورة يس: الآية 40). فالشمس والقمر والليل والنهار كل له ضيائه وطبيعته التي تتوازن معها الحياة ويؤدي فيها دوره، فلا ينبغ لأي منهما أن يتعدى على استقلالية الآخر أو يحل محله، وعندما يحدث ذلك تختل معه الأوقات وتضطرب المعايش.

هذا المثال للعلاقة بين الشمس والقمر والليل النهار تحاكي العلاقة بين الرجل والمرأة، فكما للرجل شخصية وذمة مالية مستقلة، للمرأة كذلك شخصية وذمة مالية مستقلة لا ينبغ لأحدهما التعد على هذه الاستقلالية بأي شكل من الأشكال أو تحت أي مسمى إلا إذا رضي الطرف الآخر وأعطى من ماله عن طيب خاطر. لم يكن عمل المرأة وتكسبها بالشيء الغريب في يوم من الأيام، لأنه ببساطة شديدة كان موجودا عبر العصور حتى في عصور الجاهلية قبل الإسلام.

خير مثال نذكره في هذا السياق هو نموذج السيدة الطاهرة خديجة بنت خويلد (عليها السلام) زوج النبي (صلى الله عليه وسلم) وأم المؤمنين. السيدة خديخة (عليها وعلى نبينا السلام) أول امرأة دخلت في الإسلام بإرادتها وكانت سيدة أعمال، تعمل بالتجارة، بل كانت سيدة من سيدات قريش آنذاك يشهد لها الجميع بقوة الشخصية والنجاح والثراء وكانت تنافس أبرز التجار من الرجال في هذا الوقت الذي انتشرت فيه التجارة بسبب الطبيعة الجغرافية للمكان التي لم تتيح اتقان الزراعة أو الصناعة والتي بالطبع كانت ستكون مجالا لعمل النساء والرجال على حد سواء.

بعد زواجها من النبي (صلى الله عليه وسلم) بعد أن اختارته عن اقتناع بكامل إرادتها لما شهدته من نبل أخلاقه وأمانته، لم يحدث يومًا أن جاء النبي (صلى الله عليه وسلم) وطلب من زوجته الثرية مالا لأنها معها ما يكفيها أو قال لها ليس لكي عندي نفقات لأنكي لا تحتاجين للمال، فلديك ما يكفيك وأكثر! بل لم يحدث أن بخلت الزوجة الكريمة على زوجها أو عايرته يوما بما ساهمت به من نفقة في البيت أو من أجل دعوته ورسالته. وهذا ما حدث في وقتنا الحالي من فهم مغلوط لمفهوم "الاستقلالية" وبالتالي تطبيقه في الحياة بشكل يخالف ما جاء به صحيح نصوص القرآن والسُنة.

حالة الاستقلال الاقتصادي والمعنوي التي أعطيت للمرأة منذ قرون قبل الإسلام هي نفسها التي مُنحت للرجل غير أن مفهوم الاستقلال قد تاهت ملامحه ومعانيه في وقتنا الحالي بسبب مقاومة المرأة للتيارات الاجتماعية التي تسعى لحرمانها من حق أصيل أقره الله ورسوله في تشريع إلهي عن طريق التفسير والتأويل والتطبيق الخاطئ لمفهوم "القوامة".

القوامة باختصار شديد هي "تكليف" ألزم الله به الرجال وليس تشريفا أو تميزا كما يدعي بعضهم حتى يضمن للإنسان حياة مستقرة لا يتخلى فيها الرجل والمرأة عن "الاستقلالية" أو الخصوصية التي أيضا أقرها لهما الله، فقوله تعالى في سورة النساء الآية 34 "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ" لا يعني أن يقهر الرجل المرأة أو أنه في درجة أعلى منها تجعله سيدا على مخلوق أدنى منه في الإنسانية كما هو سائد للأسف في بعض الأوساط الاجتماعية في عالمنا العربي.

فالحديث عن معنى تفسيرات وتأويلات القوامة يحتاج أن نخصص له مجلدات، لكن النموذج الذي تركه لنا النبي (صلى الله عليه وسلم) في تعامله مع المرأة سواء مع زوجاته وبناته وأحفاده وحتى مع صديقات زوجته خديجة (عليها السلام) بعد وفاتها يعلنها صراحة أن ما نراه في أيامنا هذه من تعامل "بعض" الرجال مع مفهوم القوامة أنه محض افتراء وكذب على رسول الله ومخالفة جلية لما تركه لنا من نموذج معرفي يحسم الأمر تجاه حق المرأة في الاستقلال المادي دون التعدي عليها بأي شكل من الأشكال تحت دعوى "القوامة".

ما لا يمكن أن ننكره في هذا السياق هو تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي دعت دون شك إلى المشاركة بين الزوجين أو مشاركة المرأة عامة سواء كانت بنتا أو أختا في احتياجات ونفقات البيت، وهذا يندرج تحت "الفضل" لا الأمر، حيث تفعل الزوجة ذلك مثلا عن طيب خاطر حتى تساهم مع زوجها في أعباء الحياة المادية، لكن إذا انقلب الأمر إلى استغلال من البعض في مقابل خروجها للعمل واقتطاع وقت خارج البيت من وقتها المخصص للأسرة فهذا من فساد الذمم وتدهور الأخلاق، قال تعالى: "فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا" (سورة النساء: الآية 4). فللنساء ذمة مالية مستقلة وشخصية وإرادة وهِمة للعمل والفكر تؤهلها لإنتاج المعرفة Knowledge Production لا لتظل هي دائما محور الحديث، وعلى الرجل فهم ذلك والتعامل معه، وهنا يجب أن تدرك كل فتاة وسيدة أن ذمتها المالية المستقلة لا تعني التعامل مع الجنس الآخر بطريقة يشوبها استعلاء أو حتى استغناء (عن وجود الرجل في حياتهن في المقام الأول)، لأن هذا يخالف الطبيعة التي خلقها الله في البشر وهي "وتعاونوا على البر والتقوى".

فالأصل في الخلق التعاون والمشاركة، كل له صفاته وخصائصه وقدراته ونصيبه من الاستقلالية والخصوصية، وهذا ينتج عنه علاقات سوية متوازنة إذا أدرك الرجال والنساء صحيح المفاهيم والتزموا بها وهذا الأمر الذي حسمه النبي (صلى الله عليه وسلم بقوله: "ألَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ...". ​

إعلان

إعلان

إعلان