في ذكرى ابن حزم الأندلسي.. الإمام العاشق ذو الفنون والمعارف
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
إعداد – سارة عبد الخالق:
لم يكن من أكبر علماء الأنددلس فحسب، بل كان من أكبر علماء الإسلام أيضا بعد الطبري، ولد عام 384 هـ، وقال عنه أبو حامد الغزالي: (وجدت في أسماء الله - تعالى- كتابا ألفه يدل على عظم حفظه وسيلان ذهنه)، معروف عنه أنه الإمام البحر ذو الفنون والمعارف يُـكنى "أبو محمد"، إنه العالم أبو محمد علي بن حزم الأندلسي.
كانت ثقافة ابن حزم الفقهية والحديثية قد بدأت في سن مبكرة، حيث اهتم بطلب العلم مبكرا، وهذا بدوره ساعده على أخذ العلم على أيدي كبار العلماء، وقد ساعده جده في تحصيل العلم، ونشأ في تنعم ورفاهية، ورزق ذكاء مفرطا، وقد عاش حياته الأولى في صحبة أخيه الأكبر أبى بكر، الذي كان يكبره بخمس سنوات، في قصر أبيه أحد وزراء (المنصور بن أبي عامر) وابنه المظفر من بعده، حيث سكن ابن حزم وأبوه بقرطبة ونالا فيها منزلة عالية، وكانا يعيشا حياة ميسورة الحال، وهذا بدوره ساعده ليتفرغ لتحصيل العلوم والفنون، فألف كتاب (طوق الحمامة) في الخامسة والعشرين من عمره، الذي وصف بأنه أدق ما كتب العرب في دراسة الحب ومظاهره وأسبابه، وقد ترجم الكتاب إلى العديد من اللغات العالمية.
يقول ابن حزم مفتتِحًا كلامه عن ماهية الحب:
"الحب -أعزك الله- أوله هزل وآخره جِدٌّ، دقَّتْ معانيه لجلالتها عن أن توصف، فلا تُدْرَك حقيقتُها إلا بالمعاناة، وليس بمُنْكَرٍ في الديانة ولا بمحظور في الشريعة، إذ القلوب بيد الله عز وجل" (طوق الحمامة، ص: 05)
وقد تتساءل كيف له أن يستحضِرَ الحكم الشرعي في ثنايا تعريفه للحب؟.. وقد يكون الجواب الأكثر مناسبة لهذا الاستحضار هو أن ماهية الحب -أي تعريفه- يتداخل فيها الطبيعي بالشرعي، وأنه لا يمكن تصوُّر تضادٍّ بينهما. فالحُبُّ غريزةٌ طبيعية، وهذا يتجلى في عبارة ابن حزم: "إذ القلوب بيد الله"، وفي الوقت نفسه هو مستساغٌ في الشريعة غير محظورٍ لأن الذي شرع الأحكام هو الذي يمتلك القلوب، ولن يكلف الله نفسًا إلا وُسعها.
هذا بالضبط ما يمكن فهمه من ذِكر ابن حزم الأندلسي الحكم الشرعي لظاهرة الحب الإنساني مباشرةً بعد تعريفه له أو في العبارة نفسها التي وضعها تحت عنوان "ماهية الحب".
أسس ابن حزم ما يعرف عادة بالمذهب الظاهري -كما يسميه من هم خارجه- و هو ما يعرف عادة بأنه ينادي برفض القياس الفقهي الذي يعتمده الفقه الإسلامي التقليدي و ينادي بوجوب وجود دليل شرعي واضح من قرآن أو سنة لتثبيت حكم ما، لكن هذه النظرة الاختزالية لا توفي ابن حزم حقه فالكثير من الباحثين يشيرون إلى أنه كان صاحب مشروع لإعادة تأسيس الفكر الإسلامي من فقه وأصول فقه وفلسفة.
كان الإمام ابن حزم ينادي بالتمسك بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة ورفض ما عدا ذلك في دين الله، فلا يقبل بالظن والرأي الذي هو في حقيقته ظن (كالقياس و الاستحسان و المصالح المرسلة ... )
وصف ابن الحزم بمنجنيق العرب من ابن القيم الذي تتبع كتبه وآثاره، وضرب المثل في لسانه، حيث قيل عنه: (سيف الحجاج ولسان ابن حزم شقيقان)، فقد كان ابن حزم يبسط لسانه خلال مناظراته على المالكية في الأندلس، مما زاد عدد أعدائه في الأندلس، حيث تعرض لفقهاء عصره المنتفعين من مناصبهم، والذين أحرقوا كتبه، وأجبروه على مغادرة البلاد، الأمر الذي جعله يتألم كثيراً.
اشتغل ابن حزم في عهد (المظفر بن المنصور العامري) بالوزارة، ثم ترك كل هذا وتفرغ للعلم.
قال عنه الإمام أبو القاسم صاعد بن أحمد : (كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفة مع توسعه في علم اللسان، ووفور حظه من البلاغة والشعر، والمعرفة بالسير والأخبار).
كما قال عنه أبو عبد الله الحميدي: (كان ابن حزم حافظا للحديث وفقهه، مستنبطا للأحكام من الكتاب والسنة، متفننا في علوم جمة، عاملا بعلمه، ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء وسرعة الحفظ، وكرم النفس والتدين، وكان له في الأدب والشعر نفس واسع وباع طويل ، وما رأيت من يقول الشعر على البديه أسرع منه، وشعره كثير جمعته على حروف المعجم) .
وقال أبو مروان بن حيان: (كان ابن حزم -رحمه الله- حامل فنون من حديث وفقه وجدل ونسب، وما يتعلق بأذيال الأدب ، مع المشاركة في أنواع التعاليم القديمة من المنطق والفلسفة).
لابن حزم الأندلسي عدة مؤلفات في الفقه وأصوله والقرآن وعلومه، وكذلك في كتب في علوم الحديث والتاريخ والعقائد والفلسفة والمنطق واللغة العربية وآدابها.
يشار إلى أن مصنفاته ومؤلفاته تعرضت للحرق، حيث كان في الأندلس قديما كلما ضاق أهلها بأحد ممن يخالفهم من العلماء، كانوا يقومون بإحراق كتبه ومؤلفاته، لكن كان له جماعة من تلاميذه النجباء الذين قدروا فكره وحافظوا على كتبه ومؤلفاته عن طرق نسخها ونشرها بين الناس.
واليوم الموافق 28 شعبان يوافق ذكرى وفاته، فقد توفاه الله في 28 شعبان من عام 456هـ.
وقد توفي ابن حزم - رحمه الله - عن عمر يناهز اثنتين وسبعين عاماً، حيث وافته المنية وهو مُبعَد إلى بادية "لبلة" في الأندلس، عشية يوم الأحد لليلتين بقيتا من شعبان، سنة (456هـ).
وفي رثائه لنفسه قال:
كأنكَ بالزوار لي قد تبـادروا وقيــل لهــم أودَى عليُّ بن أحمــدِ
فيا رُب محزون هناك وضاحكٍ وكم أدمــعٍ تذرى وخـــّد مخـددِ
عفا الله عني يوم أرحـل ظاعناً عن الأهل محمولاً إلى ضيق ملحدِ
وأترك ما قد كنت مغتبطاً بـهِ وألقى الـذي آنست منـه بمرصدِ
فوا راحتي إن كان زادي مقدماً ويـا نصَبي إن كنتُ لم أتــــزودِ
*مصادر:
- سير أعلام النبلاء لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي.
- موسوعة ويكيبيديا
- ابن حزم: ديوان ابن حزم الأندلسي
- ابن حزم: طوق الحمامة
فيديو قد يعجبك: