لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

حكم تشريح الحيوانات وهي حية للتجارب

03:32 م الأحد 12 أبريل 2015

حكم تشريح الحيوانات وهي حية للتجارب

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

في بعض الجامعات والمدارس يتم تشريح الحيوانات الحية بغرض الدراسة العملية مما يعرضها لمعاناة، وقد يودي بحياة بعضها في النهاية، مع العلم أنه قد وُجد الآن بدائل تؤدي نفس الغرض وقد ثبتت فاعليتها عمليًّا: كنماذج المحاكاة، أو برامج الحاسب الآلي المتطورة، أو الأفلام التعليمية، أو حتى الحيوانات الميتة، أو عن طريق الممارسة الواقعية مع المرضى من البشر أو الحيوانات، وغير ذلك من البدائل. فما الحكم الشرعي في ذلك في ضوء ما ذكرناه؟

تجيب لجنة أمانة الفتوى بدار الافتاء المصرية :

يقول الله تعالى في كتابه الكريم مُمْتَنًّا على عباده: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: 29]، وهذا شامل لجميع المنافع، فمنها ما يتصل بالحيوان والنبات
والمعادن والجبال، ومنها ما يتصل بضروب الحِرَف والأمور التي استنبطها العقلاء، وبَيَّن تعالى أن كل ذلك إنما خلقه كي يُنتفع به في الدين والدنيا، أما في الدنيا فليصلح أبداننا ولنتقوى به على الطاعات، وأما في الدين فللاستدلال بهذه الأشياء والاعتبار بها، كما قال عز وجل: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [الجاثية: 13].

والدواب من جملة ما خلقه الله تعالى لنفع بني آدم، والانتفاع له أشكال مختلفة: فقد يكون الانتفاع بالأكل، أو بالركوب، أو بالعمل، ونحو ذلك من ضروب الانتفاعات.

ولا شك أن استخدام الحيوان في مجال التجارب والبحث العلمي والتدريب الأكاديمي هو أيضًا شكل من أشكال الانتفاع.

ولكن هذا مقيد بألا يكون فيه تعذيب للحيوان بلا مُسَوِّغ؛ فالشرع الشريف قد حَضَّ على الرحمة، ونهى عن الاعتداء بشكل عام، فقال تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195]، وقال عز وجل: ﴿وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 190].

وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ».

وروى أبو داود والترمذي -وحَسَّنه- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ».

وروى الترمذي -وقال: حسن صحيح- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ».

وقد اعتبر الشرع الرحمة بالحيوان والرفق به بابًا لدخول الجنَّة، كما اعتبر القسوة عليه وتعذيبه بابًا لدخول النار.

فروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ -أَيْ: بِئْرٍ- يَلْهَثُ -قَالَ: كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ-، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا، فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنَ الْمَاءِ، فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ».

وروي أيضًا عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ».

وعليه فلا بُدَّ من الرحمة بالحيوان محل التجربة أو المسْتَخْدَم كوسيلة تعليمية، وإذا كان ما يستخدم فيه -سواء أكان تجربة أم تعليمًا- يقتضي جرحه أو قتله حالًا أو مآلًا فلا يجوز شرعًا اللجوء إليه إلا عند عدم وسيلة أخرى -كالبدائل المذكورة في السؤال-، أو عند عسر اللجوء إليها، ويكون استعمال الحيوان في مثل هذه الأوجه من باب الرخصة التي لا يُتَوَسَّع فيها، فإذا كانت الحاجة تندفع بواحد لم يجز أن يُستَعمَل اثنان وهكذا؛ لأنه حينئذ ينتقل هذا الفعل من مرتبة الضرورة أو الحاجة التي يباح بمثلها المحظور إلى التَّلَهِّي بقتل أو بتعذيب ذي الروح، وهو ممنوع شرعًا.

وقد روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا».

والغرض هو: ما يُنصَب ليُرمى إليه، قال المناوي في (فيض القدير، 6/ 347، ط. المكتبة التجارية الكبرى) مُعَلِّلًا النهي الوارد في الحديث: "لما فيه من الجرأة والاستهانة بخلق الله، والتعذيب عبثًا". اهـ.

وروى النسائي عن الشريد بن سويد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ -أَيْ: رَفَعَ صَوْتَهُ- إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّ فُلَانًا قَتَلَنِي عَبَثًا وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَةٍ».

وروى أيضًا عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا مِنْ إِنْسَانٍ قَتَلَ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا إِلَّا سَأَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ: يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلُهَا وَلَا يَقْطَعُ رَأْسَهَا يَرْمِي بِهَا».

وروى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنْ مَثَّلَ بِالْحَيَوَانِ». أي: جعله مُثلةً بتشويهه بقطع عضو من أعضائه مثلًا.

فإذا تعين استعمال الحيوان في التجارب العلمية أو كوسيلة تعليمية بما يقتضي جرحه أو قتله فيجب أن يتم تخديره حتى لا يتألم، ما لم يكن محتاجًا إلى عدم تخديره لدراسة جهازه العصبي مثلًا، وأن يسارع إلى قتله بشكل رحيم بعد الانتهاء من التجربة إذا لم يمكن علاجه، وقد روى مسلم عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ».

وتكون الأولوية عند إجراء التجارب ونحوها أن تتم على الحيوانات التي أذن الشرع بقتلها مظنة عدم حصول الأذى منها مع عدم توفر طريقة أخرى لدرء أذاها، وهي التي قال فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» متفق عليه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ومعنى فسقهن: خروجهن عن حد الكف عن الخلق إلى الأذية والإفساد.

قال ابن قدامة في (المغني، 4/ 173، ط. دار إحياء التراث العربي): "كل ما آذى الناس وضرهم في أنفسهم وأموالهم يباح قتله; لأنه يؤذي بلا نفع... وما لا مضرة فيه لا يباح قتله". اهـ. والله سبحانه وتعالى أعلم.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان