ما هى الأعذار التي تبيح انتقال المعتدة من مكان العدة؟
تجيب أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية:
ذهب الفقهاء إلى أنه لا يجوز للمعتدة -من طلاق أو فسخ أو وفاة- الخروج والانتقال من مكان العدة إلى مكان آخر إلا في حالة الضرورة، كما إذا خافت على نفسها أو مالها من هدم أو حريق أو غرق أو لصوص أو فسقة أو جار سوء، أو انتقل أهلها للسكنى في مكان آخر.
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (3/ 205): [إِنْ اُضْطُرَّتْ إلَى الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهَا بِأَنْ خَافَتْ سُقُوطَ مَنْزِلِهَا، أَوْ خَافَتْ عَلَى مَتَاعِهَا، أَوْ كَانَ الْمَنْزِلُ بِأُجْرَةٍ وَلَا تَجِدُ مَا تُؤَدِّيهِ فِي أُجْرَتِهِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَلَا بَأْسَ عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ تَنْتَقِلَ، وَإِنْ كَانَتْ تَقْدِرُ عَلَى الْأُجْرَةِ لَا تَنْتَقِلُ، وَإِنْ كَانَ الْمَنْزِلُ لِزَوْجِهَا، وَقَدْ مَاتَ عَنْهَا فَلَهَا أَنْ تَسْكُنَ فِي نَصِيبِهَا إنْ كَانَ نَصِيبُهَا مِنْ ذَلِكَ مَا تَكْتَفِي بِهِ فِي السُّكْنَى وَتَسْتَتِرُ عَنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ لَهَا، وَإِنْ كَانَ نَصِيبُهَا لَا يَكْفِيهَا أَوْ خَافَتْ عَلَى مَتَاعِهَا مِنْهُمْ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَنْتَقِلَ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى وَجَبَتْ بِطَرِيقِ الْعِبَادَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا، والْعِبَادَاتُ تَسْقُطُ بِالْأَعْذَارِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- نَقَلَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أُمَّ كُلْثُومٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي دَارِ الْإِجَارَةِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- نَقَلَتْ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- لَمَّا قُتِلَ طَلْحَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ الِانْتِقَالِ لِلْعُذْرِ، وَإِذَا كَانَتْ تَقْدِرُ عَلَى أُجْرَةِ الْبَيْتِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَلَا عُذْرَ، فَلَا تَسْقُطُ عَنْهَا الْعِبَادَةُ؛ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا قَدَرَ عَلَى شِرَاءِ الْمَاءِ -بِأَنْ وَجَدَ ثَمَنَهُ- وَجَبَ عَلَيْهِ الشِّرَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ لَا يَجِبُ؛ لِعُذْرِ الْعَدَمِ، كَذَا هَهُنَا، وَإِذَا انْتَقَلَتْ لِعُذْرٍ يَكُونُ سُكْنَاهَا فِي الْبَيْتِ الَّذِي انْتَقَلَتْ إلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ كَوْنِهَا فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي انْتَقَلَتْ مِنْهُ فِي حُرْمَةِ الْخُرُوجِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ الْأَوَّلِ إلَيْهِ كَانَ لِعُذْرٍ، فَصَارَ الْمَنْزِلُ الَّذِي انْتَقَلَتْ إلَيْهِ كَأَنَّهُ مَنْزِلُهَا مِنْ الْأَصْلِ، فَلَزِمَهَا الْمُقَامُ فِيهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ].
وقد صرح أئمة المالكية كما في حاشية الدسوقي (2/486-487) والفواكه الدواني (2/ 99) وغيرهما من كتب المذهب: بأنه يجوز انتقالها من مكان العدة في حالة العذر، كبدوية معتدة ارتحل أهلها فلها الارتحال معهم حيث كان يتعذر لحوقها بهم بعد العدة، أو لعذر لا يمكن المقام معه بمسكنها كسقوطه أو خوف جار سوء أو لصوص إذا لم يوجد الحاكم الذي يزيل الضرر، فإذا وجد الحاكم الذي يزيل الضرر إذا رفع إليه فلا تنتقل، سواء أكانت حضرية أم بدوية، وإذا انتقلت لزمت الثاني إلا لعذر. . . وهكذا، فإذا انتقلت لغير عذر ردت بالقضاء قهرًا عنها؛ لأن بقاءها في مكان العدة حق لله تعالى.
وصرح الشافعية كما في روضة الطالبين (8 / 415 417)، ومغني المحتاج (3 / 403 404)، بأنها تعذر للخروج في مواضع هي: إذا خافت على نفسها أو مالها من هدم أو حريق أو غرق أو لصوص أو فسقة أو جار سوء، وتتحرى القرب من مسكن العدة، أو لو لزمها عدة وهي في دار الحرب فيلزمها أن تهاجر إلى دار الإسلام، قال المتولي: إلا أن تكون في موضع لا تخاف على نفسها ولا على دينها فلا تخرج حتى تعتد، أو إذا لزمها حق واحتيج إلى استيفائه ولم يمكن استيفاؤه في مسكنها كحد أو يمين في دعوى، فإن كانت برزة خرجت وحدت، أو حلفت ثم تعود إلى المسكن، وإن كانت مخدرة بعث الحاكم إليها نائبا أو أحضرها بنفسه، أو إذا كان المسكن مستعارا أو مستأجرا فرجع المعير أو طلبه المالك أو مضت المدة؛ فلا بد من الخروج.
ومذهب الحنابلة في الجملة لا يخرج عما سبق كما في المغني لابن قدامة (9 / 176، 177). وهذا هو المعتمد للفتوى.
والله تعالى أعلى وأعلم.
فيديو قد يعجبك: