ما حكم تأخير الصلاة عن أول الوقت؟
أقوم بالتدريس منذ عام 1965 في العديد من الكليات، وإن الجدول الزمني الثابت للمحاضرات يصعب أن يكون متوافقا مع زمن أذان الصلوات على مدار الأيام والفصول، وكنت أتعرض لرغبة قليل من بعض الطلبة في قليل من بعض الكليات إلى الرغبة في الاستئذان أثناء المحاضرة والتغيب لأداء فريضة الصلاة عند حلول موعد الأذان، وكنت أقنعهم غالبا بأن الصلاة التي كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ذات وقت مفتوح ومتاح على مدى ما يقرب من ثلاث ساعات تقريبا من بعد الأذان، ونستطيع إدراك ثواب الجماعة مع الآخرين بعد انتهاء وقت المحاضرة، وأن الأذان يعني بدء دخول وقت الصلاة، وكنت أنجح في ذلك كثيرا، وقد ارتضينا بذلك، ويقتضينا الأمر الخضوع للجدول المقرر للمحاضرات، إلا أن بعض الطلبة أصر على مقاطعتي ومحاولة إقناعي بحقه في ترك المحاضرة والذهاب إلى المسجد فور سماعه الأذان، وسرد لي مجموعة من الأحاديث النبوية التي يعتقد أنها مؤيدة لتصرفه، وكنت نصحته بأن التغيب عن المحاضرات سيكون له تأثير في تقدير درجات أعمال السنة عملا لمبدأ المساواة بين الطلبة جميعا، إلا أنه رفض الاستماع وأصر على الخروج من المحاضرة معلنا أن صلاته أهم من المحاضرات مما أثار البلبلة والاندهاش بين الطلاب. ويطلب السائل رأي دار الإفتاء في هذا التصرف؟
يجيب الدكتور نصر فريد واصل - مفتى الديار المصرية الأسبق-:
إن الصلاة عبادة أوجبها الله سبحانه وتعالى، وإنها ركن من أركان الدين الإسلامي، وهي الركن الثاني، وهي عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، ومن أجل كل ذلك يجب أن يساعد المصلين ويعينهم كل مسلم على أن تؤدى الصلاة في أوقاتها المحددة في هدوء وفي سكون وطمأنينة، كما أن للصلاة أوقاتا محددة لا بد أن تؤدى فيها لقوله تعالى:﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾.. [النساء : 103]. ﴿مَوْقُوتًا﴾ أي مفروضا ومؤقتا بوقت محدد.
ومن يسر الإسلام وسماحته وتخفيفه أن جعل للصلاة وقتا تؤدى فيه وجعل له بدءا ونهاية وما بينهما وقت لأداء الصلاة، فإذا كانت هناك أعذار تبيح تأخير الصلاة عن أول وقتها فلا مانع شرعا من أداء الصلاة في أي وقت من وقتها المحدد لها شرعا، أما إذا لم يكن هناك عذر فيجب المسارعة إلى أداء الصلاة في أول وقتها لقوله تعالى: ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾.. [الجمعة : 9].
ومما لا شك فيه أن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وأن مجالس العلم لها مكانتها عند الله تعالى لقوله جل شأنه: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.. [آل عمران : 18].
وقد ذكر بعض المفسرين أن المقصود بأولي العلم هم المؤمنون كلهم، ودلت هذه الآية على فضل العلم وشرف العلماء؛ لأنه لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنه الله تعالى باسمه واسم ملائكته كما قرن اسم العلماء، وقال لنبيه في شرف العلم: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾. فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه أن يسأله المزيد منه، كما أمر أن يستزيده من العلم، ولبيان فضل العلم وأهله قال -صلى الله عليه وسلم-: «العلماء ورثة الأنبياء»، وقال: «العلماء أمناء الله على خلقه», وقال: «لمجلس علم أفضل عند الله من عبادة سبعين عاما» وهذا شرف للعلماء عظيم، وهذا كله يدل على مكانة العلم والعلماء، وأن التعلم والتعليم مفروض على الإنسان كسائر الفروض أخذا من قوله -صلى الله عليه وسلم-: «اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد»، وقوله: «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة». وغير ذلك من الأحاديث الدالة على أن العلم فرض على الإنسان.
وفي واقعة السؤال فإنه إذا كان هناك متسع من الوقت قبل المحاضرة يمكن فيه أداء الصلاة فلا بد من أداء الصلاة قبل الدخول إلى المحاضرة، أما إذا دخل أول وقت الصلاة في أثناء المحاضرة فإن وجد متسع من الوقت بعد المحاضرة لأداء الصلاة فلا مانع شرعا من حضور المحاضرة ثم الصلاة؛ لأنها كلها عبادة لله لأن الطالب أثناء المحاضرة يعتبر في عبادة الله إذا كان يقصد بذلك وجه الله تعالى والدار الآخرة، وطالب العلم تستغفر له الحيتان في البحار وتحفه الملائكة، أما إذا لم يكن هناك متسع من الوقت وكان وقت المحاضرة مستغرقا لوقت الفريضة وجب على المحاضر أن يعطي فرصة لأداء الصلاة ليتمكن من يريد من أدائها في وقتها، وعلى الطالب أن ينصاع لأمر أستاذه، إلا إذا أمره بمعصية إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وليعلم الطالب الذي يؤدي فريضة العلم ثم يؤدي الصلاة أن له ثواب أداء الصلاة في أول وقتها ما دام في طلب العلم أخذا من قوله -صلى الله عليه وسلم- لبعض أصحابه: «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة»، ففهم بعض الصحابة أن صلاة العصر لا بد من أدائها في بني قريظة حتى لو فات وقتها، وفهم البعض الآخر أن المقصود بالأمر هو المسارعة إلى بني قريظة، فصلى العصر عند وجوبه في الطريق، وأقر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلا الفريقين على ما ذهب إليه مما يدل على أنه يجوز تأخير الصلاة عن وقتها إذا كان هناك ضرورة، والضرورة في واقعة السؤال هي الالتزام بالجداول واللوائح لنظام المحاضرات.
والله سبحانه وتعالى أعلم
فيديو قد يعجبك: