إعلان

بيزنس أم غرض سياسي.. كيف تروج نتفليكس للمثلية؟

06:51 م الثلاثاء 28 فبراير 2023

نتفليكس Netflix

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- وائل توفيق:

كان عام 2013 فارقًا في تغير الاتجاهات السردية السينمائية التي تنتجها شبكة "نتفليكس" إذ منحها عرض مسلسل "بيت من ورق" جرأة في إقحام فكرة المثلية الجنسية في أعمالها الفنية مستفيدة بسياستها المغايرة للقنوات التلفزيونية بطرح جميع حلقات الأعمال الدرامية كاملة ليشاهدها الجمهور دفعة واحدة.

استغرق إنتاج المسلسل الأمريكي خمس سنوات (2013- 2018) على مدار ستة مواسم ليسرد قصة فرانسيس أندروود "مثلي الجنس" الطويلة للانتقام من أعضاء الحكومة الأمريكية على رأسهم رئيس الولايات المتحدة، لشعوره أنهم ظلموه، ويصل إلى رئاسة البيت الأبيض.

حصل كيفين سبيسي الذي جسد شخصية "فرانسيس أندروود" على جائزة الجولدن جلوب، ونال ديفيد فينشر مخرج المسلسل على جائزة الإيمي. واستبعد الأول من العمل عام 2017 من بطولة العمل لاتهامه بقضية تحرش جنسي بالممثل أنتوني راب عام 1986، وكتب تغريدة شهيرة على حسابه الخاص بـ "تويتر": "اخترت أن أعيش حياتي كرجل مثلي".

تزامن إنتاج "بيت من ورق" مع توجه جديد أقرته المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2015 إذ قضت بجواز المثليين واعتبره الرئيس الأمريكي أوباما "انتصارًا لأمريكا، وانتصارا للحب".

حفّز هذا المسار شبكة "نتفليكس" على إنتاج أعمال فنية تتضمن شخصيات مثلية باختلاف تصنيفاتها وأنواعها ذكورًا وإناثا ومتحولي الجنس، كانوا، أطباء و محققين، ومسعفات، ومحاميات، وشرطيين، ومدراء شركات ومحاربين ضد الإرهاب ولصوص ورموز دينية "المسيح".

النهج الذي تبنته الجهات الرسمية في الولايات المتحدة وضعها في صدارة منتجي أعمال درامية عن المثلية الجنسية بـ320 مسلسلا من بين 613 عملًا عُرضوا عبر شبكة "نيتلفلكس".

من إطلاق مسلسل "بيت من ورق" عام 2013، توسعت شبكة "نتفليكس" في تقديم خدماتها لأكثر من 100 دولة دفعة واحدة ما رفع عدد مشتركيها لـ 13 مليون مشترك جديد.

بوستر بيت من ورق

تبرهن الباحثة بجامعة الشرق الأوسط، ديمة لطفي محمود حمدان في دراستها "المثلية الجنسية على شبكة نتفليكس العالمية"، أن أعداد المسلسلات التي تضمنت المثلية الجنسية تزايد بداية من عام 2017 بإعلان قرار السماح بزاوج المثليين في عدة دول في العالم الغربي منها الولايات المتحدة الأمريكية.

وأشارت "ديمة"، إلى أن أول قبلة مثيرة بين شخصين من نفس الجنس كانت عام 1922 في فيلم "القتل غير العمل" و تكررت بعدها بسنوات في فيلم "مدينة الأضواء" عام 1931 كتبه وأخرجه تشارلي شابلن.

ولفتت، إلى أن فترة الأربعينات شهدت صدور قانون "هايز" للحد من الرقابة الحكومية الإضافية لمنع الخسائر في الإيرادات من المقاطعات التي تولتها الكنيسة الكاثوليكية والجماعات البروتستانتية ليضفى طابع الأخلاق على سينما هوليود، ورغم أنه لم يحظر صراحة تصوير المثلية الجنسية إلا أنه حظر تصوير أي نوع من الانحراف الجنسي، وبموجبه كان يعاقب المثليين، وهو ما دفع تقديم شخصية مثلي الجنس في فيلم" the mastese falcon" 1941 بشكل غامض.

إلحاح لاستئناس المثلية الجنسية

تلح شبكة "نتفليكس" في تقديم مثلي الجنس بصورته الإيجابية والفعالة، وإقحامهم في أعمال لا تستدعي وجودهم، لتقنع المتلقي بفعاليتهم في المجتمع وإبعادهم عن أي أحكام قيمية تحط من قدرهم بحكم توجهاتهم الجنسية.

توظف الميديا التكرار بغرض تثبثت بعض القيم، وتوجيه سلوك المتلقي، إذ كلما تكررت الرسالة زادت احتمالية إقناع الجمهور واستمالته نفسيا. تقول لمياء مرتاض نفوسي في دراستها المنشور ة بمركز دراسات الوحدة العربية بعنوان "مسار تشكل الصور النمطية للمثلية في التلفزيون والنتفليكس": "وذلك يعتبر من أنجع السُبل لتغيير الآراء وتوجيه الرأي العام، وتبعا لعلماء النفس والمختصين بالعلوم الإداركية ، التكرار يزيد من الحقيقة المتصورة حتى ولو تعارضت مع ما نعرفه بالفعل".

و ترغب "نتفليكس" بتركيزها في الأعمال الدرامية على هذه الصورة بغرض تعويد الآخرين عليها، إلى أن تصبح مقبولة، وتضيف "مرتاض"، أن التكرار على هذه السردية يؤثر تأثيرا قويا على المتلقي الذي لا يمتلك نظرة نقدية تجاه هذه القضايا.

وتتفق أماني رضا المدرس بإعلام جامعة القاهرة مع "مرتاض"، في أن "نتفليكس" تصدر قيما وعادات مختلفة للمجتمع العربي (الشذوذ والمثلية الجنسية و العلاقات غير الشرعية ماقبل الزواج) من خلال المحتوى الدرامي والسينمائي ليتقلبها المشاهد بشكل تلقائي ضمن السايق الدرامي ومع مرور الوقت تصبح عادية ومقبولة طبقا لنظرية "الغرس الثقافي".

واتساقًا مع الألفة التي تضفي على الأشياء أهمية وتثبتها في الذاكرة، تؤثر الشبكة التلفزيونية على جمهورها برسالتها، ليتوافق مع منظومتها الفكرية التي تؤسس لوجود المثليين باعتبارهم جزءا لا يتجزأ عن المجتمع، وعلى المستوى النفسي والاجتماعي يتسأنس المتلقى الشخصيات الدرامية. حسب دراسة "مرتاض".

ولم تغفل "نتفليكس" سوق الشرق الأوسط، باعتباره "أحد مجالات الاستثمار الكبيرة في جميع أنحاء العالم" حسبما وصفته ليلى غويلاني ليارد في مؤتمر صحفي في القاهرة، وأضافت: "تتمتع الجماهير بشهية متزايدة لمحتوى مدهش ورغبة في الترفية، وهذا هو هدفنا من يناير 2016".

وتؤيد دراسة أماني رضا "الميدانية" المنشورة بعنوان "دوافع التعرض للمحتوى الدرامي في خدمات المشاهدة حسب الطلب (VOD) والاشباعات المتحققة"، ما ذكرته "غويلاني" إذ توصلت إلى أن 78 % من العينة التي تعرضت لها في دراستها تتابع منصة "نتفليكس" مقارنة بالمنصات الرقمية العربية والأجنبية.

مسلسل "جن" كان أول عمل دارمي لـ "نتفليكس" في الوطن العربي عام 2019، ولاقى رفضا وانتقادات واسعة لتضمنه ألفاظا وصفت بالـ "ذيئة"، بالإضافة لمشاهد حميمية بين الفتيان والشبان، واعتبره جمهور الأردن منافيا للأخلاق العربية، وعبر بيان مجلس النقباء الأردني في بيان عن ذلك، معتبرا المسلسل محاولة لتفتيت المجتمع وإضعافه.

حصل المسلسل على موقع "أي ام دي بي" (موقع قاعدة بيانات الأفلام تسيطر عليه شركة آي إم دي بي كوم إنكوايرر وهي تابعة لشركة أمازون) على تقييم جماهيري 3.2 من 10.

بوستر مسلسل جن

ودافعت "نيتلفيكس" عن عملها في تغيردة عبر تويتر: " تابعنا بكل أسف موجة التنّمر الحالية ضد الممثلين وطاقم العمل في مسلسل جِنّ ونعلن أننا لن نتهاون مع أي من هذه التصرفات والألفاظ الجارحة لطاقم العمل".

وصدر قرار من مكافحة الجرائم الإليكترونية بالأرن بوقف بث مسلسل "جن"، كما طالب الإعلاميين تدخل مجلس وزراء الإعلام العرب بجامعة الدول العربية بالوصول لحل يحفظ عادات وتقاليد وأعراف الشعوب من "نتيفليكس".

يسرد المسلسل "جن"، 5 حلقات، قصة خضوع صداقات وأحاسيس مجموعة من المراهقين العرب للاختبار عندما يستدعون قوى الجن الخارقة لعالمهم دون قصد. إخراج مير جان بوشعيا وأمين مطالقة وبطولة سلمي ملحس وحمزة عقاب وسلطان الخيل وآخرين.

تكرر الانتقاد والرفض بعد عرض فيلم "أصحاب ولا أعز" أول فيلم من إنتاج "نتفليكس" في الوطن العربي، وطالب عضو البرلمان المصري، مصطفى بكري الاجتماع بشكل عاجل لمنع "نتفليكس" من مصر.

أصحاب ولا أعز

دارت قصة الفيلم حول مجموعة من الأصدقاء المقربين يخوضون تحديا بترك هواتفهم على الطاولة للإطلاع على المكالمات والرسائل التي تصل لكل منهم، فتنكشف خفايا وخيانات زوجية أو ميول جنسية مثلية.

تصنف "نتفليكس" هذه الأعمال بأنها "ترفيهية" حسبما ورد في حديث ليلى غويلاني ليارد في مؤتمر عُقد في القاهرة 2018، لكن لمياء مرتاض، تشير في دراستها إلى المسألة أعمق من ذلك والكامن في هذه الأعمال أكبر من ذلك كثيرًا.

وتشرح الباحثة، أن الشبكة العالمية، تبث وابلا من المسلسلات يتبعها الجمور العربي ويقبل عليها في ظل فراغ القنوات العربية من المحتوى، إذ تعيد أحيانا محتوى ينتج في العالم الغربي بحجة تقريب الجمهور وإبعاده عن الإحساس بالاغتراب، دون أن تأخذ في حسبانها الثواتب المحلية.

"نيفليكس" تروج للمثلية بصورة المثلي الإيجابي والفعّال

وتؤكد "مرتاض"، أن الأعمال الدرامية التي تبثها "نتفليكس" تدفع الجمهور لإدمانها غالبًا عن طريق استعراض معاناة المثليين نفسيا واجتماعيًا في كلة حلقة دون استثناء، بالإضافة إلى استظهار مكانتهم الفعالة في المجتمع وكيفية اندماجهم فيه.

وتوضح، أن التركيز على استظهار مكانة المثليون الفعالة للمجتمع بغرض الترويج للمثلية واعتبارها مقبولة وطبيعية وعادية للجمهور.

رغبة شبكة "نتفليكس" في الترويج للمثلية يؤكدها تحيزها للاتجاه الإيجابي المطلق والتام إذ لم يظهر بصورة سلبية في أعمال انتجت ما بين عامي 2018-2022 إلا في مسلسلي "prison break" و "battlestar galactica" إذ ظهرت إحدى المثليات كشريرة، مقابل ظهور 86 مثليا بشكل إيجابي مطلق يقدموا أدوارا فعالة في المجتمع باختلاف مستوياتهم وطبقاتهم، وتلفت "مرتاض" إلى العديد من هذه الشخصيات تجسد أدورا مثلية رئيسية في الأعمال الدرامية.

واتفق نهج "نتفليكس" مع السينما الكويرية في فترة التسعينات التي بدأت كتابة الأعمال الفنية من قبل أشخاص مثليين بشكل علني وكان لزاما أن يقدم الأشخاص المثليون بشكل إيجابي أو كنماذج يحتذى بها سياسيًا. حسب دراسة ديمة لطفي.

بيزنيس وسياسة

ترى الباحثة لمياء مرتاض نفوسي، أن إدراج المثليين في أفلام ومسلسلات "نتفليكس" تربطه علاقة متينة بالـ "بيزنيس" بغرض استقطاب جماهير جديدة مؤيدة للمثلية أو لديها شغف لمشاهدة الجديد حتى وإن تعارض مع منظومة قيمها العربية والإسلامية.

وتشير الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم النفس بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، في تصريحات لمصراوي أن ترويج المثلية له غرض سياسي يهدف إلى تقليص لعدد السكان والإنتاج البشري، أضافت: "أثبتت الحروب البيولوجية هذه الرؤية حيث يتم تقليض الأزمات والحروب لخفض كثافة الإسكان".

وتشرح "فايد"، أن التماهي واستئناس المثلية باعتبارها شيئا مقبولا وعاديا يهدم القيم والأخلاق، خاصة مع الأجيال الناشئة التي تتشرب هذه الفكرة تدريجيًا، لذا تشدد على تحرك المؤسسات متضافرة، بداية من الأسرة والإعلام والمؤسسات الدينية والاجتماعية.

وتلفت، إلى ضرورة مراعاة الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها الدول العربية مثل "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" أثناء مواجهة هذه الأفكار، أي يجب أن تكون المجابهة بحرص من خلال ثقافة وأعمال فنية ترصد خطورة أفكار منصة "نتفليكس" تحاشيًا لمخالفة شروط هذه الاتفاقيات.

ويوضح تقرير نُشر في "فايننشال تايمز" في 11 أغسطس 2016، أن الشركات التي كانت تردد في التسويق للمستهلكين المثليين بدأت في استهدافهم بقوة، مثل "فولكس فاجن" و "تي- موبايل" لارتفاع القدرة الشرائية العالمية للمثليين التي وصلت لـ3.7 تريليون دولار، بالإضافة إلى أن الشركات الداعمة للحركات المثلية حول العالم تحصل على صفقات تسويقية تجارية.

وتواجدت شبكة "نتفليكس" في مسيرة "teaze" للمثليين عام 2011 من خلال فريق عمل مسلسل "البرتقالي هو الأسود الجديد" إنتاج عام 2013.

ويؤكد دافني ألكساندر، مستشار اتجاهات المستهلكين في شركة "يورومنيتور" البريطانية، أن السمات التسويقية جعلت المثليين هدفا اقتصاديا مربحا بسبب قدراتهم الشرائية من خلال استهدافهم ببعض المنتجات.

أعلنت شبكة "نتفليكس" في تقرير المالي للربع الثالث أنها تمكنت من إضافة 6.77 مليون مشترك جديد نهاية عام 2019 ليصل عدد إجمالي مشتركيها لـ158 مليونا. لتزيد إيراداتها بنسبة 24.1% سنويًا لتصل لـ 7.16 مليار دولار خلال الربع الأول من عام 2012، مقابل 5.77 مليار دولار في الفترة نفسها من عام 2020.

وكشف تقرير نشر عبر موقع "ديجيتال سباي" 2019، أن شبكة "نتفليكس" تمتلك بكل تأكيد الدعم المالي لتمويل قصص المثلية الجنسية دون خوف من المقاطعة إذ أصبح سهلًا ان تجذب جمهورًا أكبر من خلال هذه القصص.

وبخصوص ذلك، تواصلنا مع مسئولي منصة "نيتلفليكس"، ولم يصلنا رد إلى هذه اللحظة.

وانعكست الإيردات التي حققتها "نتفليكس" على تجاوزها القيمة التسويقية لشركة "ديزني" وذلك من خلال أعمالها الفنية من بينها المثلية الجنسية، كما أتاحت لديها حرية في التنوع والتجربة اكثر من أي منصة أخرى. ووفقا لـ "ديجتال سباي" تدرج "نتفليكس" فئة أفلام مثلية جنسية في بعض الدول خارج المملكة المتحدة وأمريكا الشمالية، وتتجنب أي إشارة صريحة للمثلية الجنسية في بعض الدول التي لا ترحب بهذه الأفكار.

فيديو قد يعجبك: