رمضان في عيون "نجيب محفوظ"
كتب- محمد مهدي:
قبل دقائق من حلول صلاة المغرب، كان الشيخ علي محمود يخرج من بيته في حارة "الوطاويط" المقابلة لمسجد الحسين، يتجه إليه، يصعد إلى المئذنة، ويُطلق صوته معلنا بدء الصلاة.. طقس اعتاد عليه الشيخ في ليالي شهر رمضان الكريم في عام 1918، لكنه لم يكن يعلم أن هناك طفل- ابن السابعة- يراقبه يوميا، يجلس فوق سطح منزله بشارع القاضي بالجمالية، ينتظر طلة عمامة الشيخ من المئذنة في ذلك التوقيت لإنهاء معاناته وتحمله لآلام الجوع التي يرفض الافصاح عنها حتى لا تمنعه أسرته عن الصيام.. كان الطفل هو الأديب "نجيب محفوظ".
لأديبنا العالمي علاقة خاصة برمضان منذ صغره، كان شهره المفضل لأن أسرته تتركه ينزل إلى الشارع يلهو ويمرح مع أصدقائه، ينطلقوا إلى كل مكان في منطقة الجمالية حاملين الفوانيس ذات الألوان الزاهية مرددين أغاني رمضان، ثم تنتهي جولتهم في أحد المنازل التي تحتضن بين جدرانها المنشدين لتبدأ حلقات الذكر والمديح في النبي- عليه أفضل الصلاة والسلام- هناك كان أديب نوبل يقف مشدوها نحو المنشدين، منتشيا بأصواتهم، والدفء الذي يعم المكان.
في شبابه انتقلت أسرته إلى شارع رضوان شكري بحي العباسية، منطقة جديدة غنية بالمساحات الخضراء حينذاك، لكنه لم يفقد علاقته بمعشوقته "الجمالية"، كان يزورها باستمرار في شهر رمضان مع والدته لزيارة "الحسين" وأولياء الله الصالحين، ومع أصدقائه الجُدد، يقطعون المسافة من العباسية إلى هناك مشيا على الأقدام، وحينما يتذمر أحدهم يقنعه محفوظ قائلًا "رمضان له مذاق خاص في الحسين".
يُعرف عن نجيب محفوظ أن الجلوس على المقاهي جزء من روتينه اليومي، ويشهد على ذلك بصماته التي تركها من روحه في "الفيشاوي" أو "قشتمر"، أو "عرابي"، وغيرها.. وقد بدأت علاقته بها في شهر رمضان، حينما نصحه صديقه "سيد الشماع" في إحدى جولاتهم بالجمالية بعد الإفطار، بأن يجلسا على إحدى المقاهي ليستريحا قليلا، قبل أن يعلمه تدخين الشيشة، لتصبح المقاهي والشيشة مرتبطة في ذهنه برمضان.
لم يكتب نجيب محفوظ أي رواية له في شهر رمضان، فكان يستغل تلك الأيام في الاستمتاع بروحانية الشهر، والانغماس في القراءات المختلفة الدينية والسير والتراجم عن الدولة الإسلامية، وعن الفلسفة والشعر الصوفي خاصة في التوقيت ما بين العصر والمغرب، وكان يقول "قراءة الشعر الصوفي في حالة الصيام تجربة فريدة".
تأثرت كتابات محفوظ بحبه لشهر رمضان، فكتب عنها في عدد من رواياته، أشهرها "الثلاثية" التي كتب تفاصيلها من ذكرى طفولته، و"خان الخليلي" بعين الموظف-بحسب تصريحاته في حوار إذاعي-.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: