ريما خشيش: غنيت تحت القصف.. وبرامج اكتشاف المواهب حولت كل الجمهور لمطربين (حوار)
حوار- هدى الشيمي ونسمة فرج:
تصوير-محمود بكار:
في أحد الفنادق المطلة على نهر النيل جلست في قاهرة المعز، والتي تعود إليها بعد غياب عامين، تنظر إلى النيل بعشق، عشق تراثها العربي واغانيها وفنانيها التي تربت عليهم، وكبرت على أصواتهم وألحانهم، ريما خشيش، تلك الفتاة الصغيرة التي عاشت حياتها كلها في الحرب اللبنانية، وتأتي إلى القاهرة لإحياء أولى حفلات مهرجان الجاز.
كان عمرك عام واحد عند بدء الحرب الأهلية اللبنانية. فكيف أثرت الحرب في حياتك الشخصية والموسيقية؟
قضيت حياتي كلها في الحرب اللبنانية، الحرب أثرت علىّ كشخص، بغض النظر عن إني كنت موسيقية أم لا، لأني عشت طول حياتي في الحرب، فأنا من ضيعة بجنوب لبنان، على الحدود مع فلسطين، "انتقلت منها، وما عرفت وما كنت اقدر اروح على ضيعتي، وما ربيت فيها"، فأصبحت طفل يخاف كثيرا أكثر من يخاف بين اشقائي، ولكن عندما كنت صغيرة جدا لم أشعر بالخوف، وكان والدي يخبرني إني كنت أغني عندما انزل للملجأ، ويرغب الجميع في اسكاتي، لأن القصف فوقنا، ولكن والدي يسعد بي، ويقول لنفسه "منيح إنها مش خايفة".
من مسرح إلى آخر انتقلت ريما والتي تحرص على ارتداء الأسود، ليناسب وقار ورقي صوتها، متشبسة بحبها للأغاني التراثية، تشدو هنا موشحات أدوار طربية، وتصدح هناك "الشيالين"، "مادام تحب بتنكر ليه"، "أمتى هاتعرف امتى".
- هل أثرت تربيتك على الأغاني التراثية على حياتك واختياراتك فيما بعد؟
تربيت في بيت عشق فيه والدي فيروز، وعندما كنت صغيرة كنت أغني أغانيها معه طوال الوقت، منهم أغنية "يا حمام"، وورثت عنه الموهبة، حيث كان عازف قانون، وهذا الشيء جعلني اتربي على الموسيقي، وجعلها شيء اساسي في حياتي، فوجودي في بيت موسيقي، واكتشافهم لموهبتي منذ الصغر ساعدني، كان عمري في ذلك الوقت ثلاث أو أربع سنوات، "من أول ما بلشت حكي، وأنا بغني"، واكتشف والدي نطقي الكلمات بطريقة صحيحة، فشجعني، ثم اشتركت في كورال الأطفال مع المايسترو سليم سحاب، ودخلت الكونسرفاتوار وعمري 12 عاما، وزاد حبي للغناء القديم عندما اشتركت في كورال الأطفال مع المايسترو سليم سحاب، وهذا عرفني على الموشحات والأدوار الطربية لأم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب، وسيد درويش، "وهدا الشي أكيد غيرلي حياتي"، لأنه كان من الممكن أن اغني أغاني خاصة بيا وأنا صغيرة، أو ما أكون متأثرة بالتراث بهذا الشكل، فتربيتي عرفتني على التراث، وهذا ساعدني في مشواري الفني، حيث كان لدي مخزون، وحفظت الكثير من الأغاني القديمة، وحسيت بقيمتها.
ريما خشيش: مدام تحب بتنكر ليه:
- وأثر ذلك على انتقائك للأغاني الخاصة بكِ فيما بعد؟
فتت بالتراث بعمر صغير، وبدأت بالأدوار والموشحات، وعندما كبرت وبدأت العمل على أغاني خاصة بي وجدت صعوبة، لأني تربيت على ألحان زكريا أحمد، ومحمد عبد الوهاب، "وكتير صعب إنك تقتنعي بشي جديد، لأني ربيت على زوق موسيقي كتير قديم"، فكان في صعوبة إني اقتنع وأغني شيء جديد، وأكثر ما أتعبني هو العثور على أغنية واشعر إنها تشبهني، فأهم شيء في الاختيار بالنسبة لي هو احساسي بأن الأغنية تشبهني، "وبحس حالي إذا غنتها رح اقدمها بشكل جيد".
يرى البعض إنك تمكنتِ من الإفلات من أزمة الملحنين التي تواجه الفنانين المستقلين.. فكيف فعلتِ ذلك؟
"بجرب أعمل أغاني جديدة خاصة بيا"، لأن الأغاني الخاصة قليلة بالنسبة لي، ومن الصعب إرضاء ذوقي الموسيقي، بالإضافة إلى أن الألحان والأغاني التي تربيت عليها لأم كلثوم وزكريا أحمد جعلتني لا اتقبل أي لحن بسهولة، وقليل ما اتعام مع ملحنين، أما من تعاونت معهم، فهم اصدقائي، فعندما كان عمري 13 عاما، جأت لمصر وغنيت للملحن نور عبد المجيد، وأحببت أغانيه جدا، وبعد وفاته بسنوات قابلت الورثة، وحصلت على سبعة ألحان خاصة به.
صرّحتِ إنك كنت تتمني لو أن الملحن زكريا أحمد قدم لك لحنا.. فلماذا؟
عندما كنت صغيرة في كورال الأطفال كانوا يعطوني تسجيلات لاختيار الأغنية التي سأقدمها في الحفل، فكان اختياري دائما يقع على زكريا أحمد، وصوته في الغناء يطربني كثيرا.
لم تكتفِ ريما بتذوق التراث، بل رغبت أيضا في نقله لمن هم أصغر سنا، فبعد الدراسة لسنوات طويلة أصبحت معلمة، تدرس في أكبر الجامعات وأعرقها خارج وداخل لبنان من بينهم الجامعة الأمريكية في بيروت، بالإضافة للتدريس عشرة أعوام في أمريكا.
- درست الموسيقي والآن تدرسيها.. فهل اختلفت طريقة تعامل الطلاب مع الموسيقي مع مرور الوقت؟
بدّرس في الجامعة تاريخ الموسيقي العربية، والمقامات الايقاعية، والمدارس الموسيقية والآلات الموسيقية، وكنت اضع للطلاب من حوالي سبعة أعوام أغنية "أمتى هاتعرف" لأسمهان، واسألهم من الذي يغني، "تظبط وحدا يقولي اسمهان"، أما الآن أدخل على الصف، واقوم بنفس الأمر، ولكن من الممكن ألا يعرفوا من هي اسمهان، ففي هذه الفترة ظهر جيل جديد لا يعرف من اسمهان، ولكن من أين سيعرفوها، وإذا كانوا في بيوتهم لا يستمعوا إلى الأغاني القديمة، ولا يعثروا على أغانيها على الإذاعات، فللأسف لدينا تراث رائع، ولكننا لا نعطيه حقه، وهذا لا يتوقف فقط على الغناء، بل يشمل لغتنا العربية، فهناك أهالي لا يتحدثوا مع ابنائهم إلا باللغة الانجليزية أو الفرنسية، وهذا لا يعني إني يُفضل البقاء في التراث، ولا يشجع الاقبال على الجديد، ولكن الانسان عليه القيام بموازنة بين الاثنين، لأن تراثنا العربي، وموسيقانا العربية من أحلى الموسيقات في العالم.
ريما خشيش: امتى هاتعرف أمتى:
يقولوا إنك إذا وصلت لأقصى درجات السعادة أو النشوة فلا داعي لتفتح عيناك، تغلقها تلقائيا، كذلك ريما، والتي متى وقفت تغني على المسرح، تغمض عينيها، وتسرح في ملكوت آخر، يجمعها بمن تعشقهم من فنانين كبار.
ومتى تصلين لأقصى حالات الطرب على المسرح؟
بصراحة؟ عند غناء الأغاني القديمة.
يوجد قطاع من الجمهور يفضل الأغاني القديمة من صوتك أكثر من أغانيكِ..فهل يزعجك ذلك؟
لا..فطبيعي أن تجد الجمهور يجب الأغاني الطربية أكثر من الحديثة أو العكس، فلا يوجد شيء في الدنيا يحصل على اجماع الجميع، ولكن أنا مقتنعة بكل ما اقدمه، "ولا مرة عملت شي من غير قناعة"، ولكن من الصعب أن ترضي الناس جميعا، ولكن من الممكن أن ترضى حالك، لذلك أقدم الأغاني بالطريقة التي احبها، "بطريقتي الخاصة".
عام 2012، عادت ريما لجمهورها بألبوم كامل يجمع عدد من أغاني المطربة صباح، ليكون الألبوم الرابع بعد "قطار الشرق"، "ياللي"، و"فلك".
- لماذا قدمتِ ألبوم خاص بأغاني صباح؟
في كل حفل لي كنت اقدم أغاني لصباح، بجانب أغاني أم كلثوم أو فيروز، ولكن طٌلب مني في مهرجان دبي السينمائي الدولي تقديم مجموعة من أغانيها، فبدأت أبحث عن أغانيها، وأحبب شخصيتها كرمها في كل شيء، وأثناء تقديمي لأغانيها على المسرح نظرت لوجوه الجمهور وجدتهم "مبسوطين، وأنا هيك كنت بكب بسط"، برغم إن حياتها لم تكن سهلة، ولكنها كانت مثال للروح الايجابية وظهر هذا في أغانيها.
ريما خشيش: من سحر عيونك:
شاركتِ في سن صغيرة في برنامج اكتشاف مواهب.. فما رأيك في هذه النوعية من البرامج؟
باعتقادي برامج "تؤذي المواهب"، وليس لاكتشافها لأن الموهبة خلال ثلاثة أشهر تصبح نجم، ولكن الفن يحتاج عمر، وأصبحت برامج اكتشاف المواهب كثيرة، فتحول كل الجمهور لمطربين.
وبعد غياب لأعوام، تعود ريما مرة لجمهورها بألبوم جديد، من المقرر صدوره في الربيع، ويضم أغاني خاصة بها، منهم أغاني للملحن فؤاد عبد المجيد.
فيديو قد يعجبك: