أمل دنقل..''أمير شعراء الرفض'' الذي لاحقه الأمن وكفرته الجماعات المتطرفة
كتبت- منى الموجي:
''لا كرامة لنبي في وطنه''، وبقليل من التصرف ''لا كرامة لنبي في حياته'' تنطبق هذه المقولة على الشاعر النوبي ابن صعيد مصر أمل دنقل، الذي تحل ذكرى رحيله في شهر مايو الجاري، لنجد الأقلام تنبري للكتابة عنه وعن مواقفه السياسية التي عبر عنها بأشعاره، مشيرين إلى وطنيته ومعاناته، وهو الاهتمام الذي لم يحظ به دنقل وهو على قيد الحياة.
ولد محمد أمل فهيم أبو القسام محارب دنقل عام 1940، لأسرة من صعيد مصر بمركز ''قفط'' محافظة قنا، تأثر كثيرا بنشأته الدينية حيث كان والده عالما من علماء الأزهر الشريف، كما لعب الأب دورا في صقل موهبة ابنه في كتابة الشعر، فقد كان والده كاتبا للشعر العمودي، ويمتلك مكتبة تضم أمهات الكتب وتذخر بكتب التراث العربي، إلى جانب كتب الفقه والشريعة والتفسير، إلا أنه رحل ودنقل في سن صغيرة فكان وقتها ابن عشر سنوات، فذاق مرارة الشعور باليتم.
كان لأصدقاء أمل دور كبير في تحول مساره الدراسي من الجانب العلمي إلى الأدبي، حيث كان ينتوي أن يستكمل دراسته الأكاديمية في جانب علمي، فقرر الالتحاق في الثانوية العامة بالقسم العلمي، إلا أن أصدقاءه ومن بينهم رفيق دربه الشاعر الكبير عبد لرحمن الأبنودي نصحوه بالالتحاق بالقسم الأدبي لمعرفتهم بامتلاكه موهبة أدبية كبيرة.
واتضحت موهبة دنقل بصورة كبيرة في مرحلة الثانوية فنظم القصائد الطويلة التي ليلقيها في المدرسة، وكانت تفوق سنه فجعلت من حوله يشككون في أن يكون هذا الطفل صاحب هذه الأشعار، واعتقد بعض أقرانه أنها ملك لشعراء كبار حصل عليها من مكتبة أبيه التي لم يطلعون عليها، بينما ظن آخرون أنها لوالده، ونسبها الطفل لنفسه.
لم يكمل دنقل دراسته بكلية الآداب، حيث انقطع عن الدراسة في عامه الأول بالكلية، ليعمل موظفا في محكمة قنا وجمارك الاسكندرية والسويس، ثم موظفاً في منظمة التضامن الأفروآسيوي، وفي كل مرة كان يترك الوظيفة ليتفرغ إلى الشعر.
كغيره من شعراء الستينيات آمن بالفكر الناصري وبفكرة العروبة والثورة ولكنه لم يتوان عن انتقاد أخطاء الثورة، وكان مهموما بقضايا وطنه على الجانب السياسي والاجتماعي، وتأثر كثيرا بأحداث نكسة 1967، وعبر عن احساسه بمرارة الهزيمة في قصيدة ''البكاء بين يدي زرقاء اليمامة''، وتنبأ دنقل بمعاهدة السلام والصلح بين مصر وإسرائيل قبل وقوعه وأعلن رفضه لأي شكل من أشكال التصالح مع العدو الصهيوني، فكان يرى أن التصالح يقضي على فرحة المصريين بنصرهم في حرب أكتوبر عام 1973، وكتب قصيدته الأشهر ''لا تصالح''.
لسماع قصيدة لا تصالح.. اضغط هنا
ويقول في إحدى مقاطع قصيدة ''لا تصالح'': '' لا تصالحْ!
ولو منحوك الذهبْ
أترى حين أفقأ عينيكَ
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تُشترى..
ويقول في مقطع أخر: لا تصالح على الدم.. حتى بدم!
لا تصالح! ولو قيل رأس برأس
أكل الرؤوس سواء؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟!
أعيناه عينا أخيك؟
وهل تساوى يد... سيفها كان لك
بيد سيفها أثكلك؟''
تزوج دنقل من الكاتبة والناقدة عبلة الرويني، التي تحدثت كثيرا عن عدم اهتمام الإعلام بدنقل وشعره، حيث كان معروفا عنه أنه شديد الانتقاد ولا يخشى في الحق لومة لائم، وذكرت أنه كان ممنوع ذكر اسم أمل دنقل في جريدة الأخبار، فقد عُرف دنقل بأنه ''أمير شعراء الرفض''، فلاحقته عناصر الأمن وكان يتم تداول أشعاره بشكل سري، فطبع جل دواوينه في بيروت.
كما تسببت قصيدة ''كلمات سبارتكوس الأخيرة''، في تكفيره من قبل الجماعات التكفيرية، متهمينه بتمجيد الشيطان، وكان دنقل قد قال في هذه القصيدة '' المجد للشيطان معبود الرياح.. من قال لا في وجه من قالوا نعم.. من علم الإنسان تمزيق العدم.. من قال لا فلم يمت.. وظل روح أبدية الألم''.
صدر لدنقل 6 مجموعات شعرية أولها ''البكاء بين يدي زرقاء اليمامة'' عام 1969، ومن بين أعماله ''تعليق على ما حدث، مقتل القمر، العهد الآتي، أوراق الغرفة 8''.
وكانت مجموعته الأخيرة ''أوراق الغرفة 8'' ترصد معاناته مع مرض السرطان والذي ظل يعاني من آلامه على مدار ثلاث سنوات، ليلقى ربه في 21 مايو عام 1983، وكانت أخر قصائده قصيدة ''الجنوبي''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: