لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مفتى الجمهورية: تحديات الخطاب الدينى (3)

12:29 م الأحد 16 مارس 2014

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

الخطاب الدينى الإسلامى خطاب يتسم بمخاطبة الإنسان فى كلّ زمان ومكان؛ لذا فقد جاء خطابًا واضحًا، سهل المأخذ، لا يجد العقل صعوبةً فى فهمه وبالتالى فهو خطاب ذو بعدين، إذ يخاطب الوجدان والعقل معًا، فيحرّك فى النفس البشرية نوازع الخير لعبادة الله - عز وجل - وتزكية النفس وعمارة الكون وهو خطاب رسم معالمه القرآن الكريم بقوله تعالى: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ» فهذه الآية ترسم معالم المنهج المنشود للدعوة أو الخطاب الدينى السليم.

والخطاب بوجه عام والخطاب الدينى بوجه خاص توجد له جملة عناصر أساسية، أولها المُرسل أو المُلقى وهو المعنى بتوصيل الرسالة أو صاحب الخطاب، والثانى وهو المُستقبِل الذى توجّه له الرسالة ويستقبلها ويستوعبها ويسعى لتطبيق ما تلقاه منها، والثالث الرسالة التى تحتوى على مضمون ما يريد المُرسل أن يوصله إلى الآخرين، وأخيرًا وسيلة الاتصال التى قد تكون شفوية أو مكتوبة، وقد تكون معلنة بوسائل الإعلام المرئية والمسموعة أو المنابر، أو غيرها من وسائل الاتصال.

وهذه العناصر الأربعة وسط ما نعيشه من حالة اضطراب فى عصرنا الحالى تثير جدلا حول فحوى الخطاب الذى تحمله بين طياتها، وتؤكد على ضرورة تجديده ليتماشى مع متطلّبات العصر ويناهض الفكر المتطرف والمتعصب وينشر تعليمًا وفكرًا معاصرًا مستلهمًا التعاليم الصحيحة من صحيح الدين والسنة النبوية الشريفة، ولنا فى خطاب الله تعالى لعباده الأسوة الحسنة «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ».

إن فكرة التجديد للخطاب الدينى فكرة قديمة حديثة، ليست قائمة على العشوائية؛ إنما تستمد قوتها من الاستيعاب الواضح للواقع المعاش والتعرف إلى السلبيات التى تنتشر فى المجتمع، ثم بعد ذلك إطلاق روح الإبداع فى سبيل إصلاح الخطاب الدينى - المتمثل فى الدين والدنيا معًا - لدى جميع المسلمين.

وإذا كان العلماء قد قرروا قاعدة أن الحكم على الشىء فرع عن تصوره؛ فإن الحكم على الخطاب الدينى وما يواجهه من تحديات متوقف على تصوره تصورًا سليمًا مبنيًّا على علم وإحاطة وفهم عميق دقيق، والخطاب الدينى المعاصر يواجه تحديات جمة داخليًّا وخارجيًّا، والتى تستلزم مواجهتها والتعامل معها بإيجابية وواقعية، ولا يجدى معها مجرد الإقرار بوجودها، بل يجب العمل الجاد معها، فمن التحديات الداخلية التى تواجه التجديد فى الخطاب الدينى مشكلة الاستقطاب الطائفى وظاهرة التطرف والغلو والفهم المنقوص فى الدين والذى دائمًا ما ينتهى بالبعض عند ظاهرة التكفير، ومنها أيضا البعد عن مقاصد الشريعة الإسلامية والوقوف على ظاهر النصوص، والتغافل عن دور العقل وأهمية العلم فى بناء المجتمع المسلم.

فمشكلة الاستقطاب الطائفى إذا سيطرت على عقلية المُرسل واحتبس بداخلها وفى تعاليمها، وعدم قدرته على الخروج عن إطارها؛ فإن هذا يصبغ خطابه بالصبغة الحزبية والتصنيف، والتى تدفع المخاطب إلى التبكير باتخاذ موقف نفسى من خطابه، وتقلل من قناعة الجمهور بما يقول، الأمر الذى يؤدى حتـمًا إلى عدم الاســتجابة، والتى يترتب عليها فقدان التنفيذ والإفادة، ومن ثم يخرج المتلقى بخفى حنين من هذا الطرح، بل على العكس يؤسس لمذهب من الطائفية التى ربما تكون عواقبها وخيمة.

ومن المشكلات المزمنة أيضًا التى تواجه الخطاب الدينى مشكلة الغلو والتطرف، التى استشرت وانتشرت فى معظم البلاد وظهرت آثارها الوخيمة على الأمة فى الفترة الماضية، والتى كانت نتيجة لعوامل اجتماعية وسياسية وثقافية لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها فى رصد أسباب الظاهرة ومحاولة علاجها، وهذه الظاهرة نشأت نتيجة تصدر أناس من غير المتخصصين فى علوم الشريعة، ونتيجة لعدم فهمهم الجيد والحقيقى والمتكامل للدين؛ تسارعت وتيرة الفتاوى الشاذة غير المنضبطة وأحدثت حالة من السيولة فى فتاوى التكفير التى نالت- ولا تزال- من المجتمعات الإسلامية.

وستظل هذه المشكلة أحد أوجه الخلل فى الخطاب الدينى المعاصر ما لم تحل بصورة جذرية، عن طريق برنامج متكامل يرصد أوجه الخلل فى المجتمع ويدعم مؤسسات الفكر الدينى والمؤسسات الدينية وعلى رأسها الأزهر الشريف، ومن ثم إعادة الثقة لرجال الدعوة الذين يتبنون المنهج الوسطى القويم المتمثل فى الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة.

وخلاصة القول إن الخطاب الدينى تواجهه العديد من التحديات فى الوقت الراهن، تحتم عليه ضرورة التصدى لها ومواجهتها، وتفرض عليه ضرورة النظر فى تحديث آلياته وأدواته وأساليبه التقليدية وإيجاد آليات جديدة تواكب التقدم التقنى والعلمى والتكنولوجى، وضرورة إيجاد فهم منضبط  للتعامل مع الأفكار التى يستغلها الأعداء لتدمير شباب الأمة الإسلامية وزعزعة قيمهم ومبادئهم.

كما أننا بحاجة إلى التركيز على الجوانب المضيئة للدين كعامل استقرار بين الشعوب وليس عامل احتراب وصراع، وبيان جوهر الدين الحقيقى المبنى على الرحمة والعدل والحرية واحترام الإنسانية.

 

مقالات ذات صلة:
- مفتي الجمهورية يكتب: الخطاب الدينى.. ما بين التجديد والإصلاح (1)
- مفتي الجمهورية يكتب: نحو خطاب دينى جديد (2) 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان