"مومو وبيبو" ملوك السعادة.. ولاد الناس الغلابة على عرش إفريقيا
كتب- أحمد الليثي وأحمد فاروق:
بين الأمنيات والواقع، عاش المصريون سنوات عجافاً، يطلقون البصر صوب زمن بعيد أُعلن فيه اسم النجم محمود الخطيب كأفضل لاعب بالقارة الإفريقية، فيما كان "محمد صلاح" ونجاحه العالمي اللافت باعثا للأمل من جديد، كي يجد المصريون أنفسهم على منصات التتويج القارية بعد 34 عاما.. بين الخطيب وصلاح، نقاط تشابه عدة، الموهبة والكاريزما، الأخلاق والنجومية، فيما يعيش الشارع اليوم تشابها جديدا حين يحمل كلاهما لقب الأفضل في "الجوهرة السمراء".
قبل أعوام قليلة، كانت قرية الشيخ يوسف بمحافظة سوهاج لا تُلقي لكرة القدم العالمية بالا، اللهم إلا بعض مباريات القمة هناك، فيما كان 2017 عاما مغايرا بالنسبة للبقعة البسيطة جنوب مصر. أمام شاشات المقاهي يجلس أهل المكان مجتمعين انتظارا لظهور نجمهم المفضل "محمد صلاح" وهو يرتدي قميص ليفربول: "الدوري الإنجليزي بقى من اهتماماتنا.. حاسين إن صلاح بقى مثل أعلى"، يقولها أحمد غالب، أحد أهالي القرية، بينما يتابع مباراة "الريدز" وليستر سيتي، وسط تأخر فريق صلاح بهدف للاشيء.
أمام تلفاز صغير جلست علياء محمد، وسط أبنائها الشباب يشاهدون تقريرا يعرض فرص محمد صلاح في نيل لقب أفضل لاعب بإفريقيا لهذا العام، وأطلقت دعوة حارة أن تكون الجائزة من نصيبه: "أنا ماليش في الكرة خالص بس متأكدة إن صلاح ده ربنا هيكرمه عشان ابن ناس غلابة ومجتهد"، تحلل المرأة الستينية أحقية لاعب ليفربول بالجائزة من منطلق "الأم"، وسط ضحكات الأبناء، فيما تخبرهم أن شعبية صلاح التي وصلت للعوام، عايشتها مع الخطيب من قبل "أخويا الصغير كان بيموت في الكرة ومفيش على لسانه غير الخطيب.. وفضل فترة مربي شعره عشان بيقلده"، تقول "علياء" وهي لا تعلم بعد أن المصريين يتمنون أن يلحق "مومو" بـ"بيبو" بعد 34 عاما من حصول الأخير على جائزة أفضل لاعب في إفريقيا.
في هذا الزمان يبدو أن اللقب لم يكن مرتبطا بالألقاب وفقط، فقد كانت المهارة الفردية والتألق سببا لنيل اللقب حينها؛ لم يكن عام 1983 مثاليا بالنسبة للخطيب، حل الأهلي بالمركز الثالث في بطولته الأبرز "الدوري العام" خلف الزمالك والمقاولون العرب -صاحب اللقب حينها، وكذا لم يوفق في الحفاظ على لقب "كأس إفريقيا للأندية أبطال الدوري- دوري الأبطال حاليا"، بعد خسارته من كوتوكو في 11 ديسمبر 83.
بعين المحلل، يقارن الناقد الرياضي حسن المستكاوي بين زمن الخطيب وصلاح، فالأول من وجهة نظره عاش أيام "الكرة البسيطة" التي تسمح بظهور المهارة الفردية؛ المعتمدة في الأساس على إمتاع الجمهور "الناس كانت تحب الكرة تروح للخطيب"، بينما يرى في كرة "صلاح" تكتيكا، سرعات، طرقاً دفاعية، اللعب بروح الفريق مجتمعة "الجماهير مع بيبو كانت بتستنى مفاجأة الخصم بمهارات عالية وإبداع في السيطرة على الكرة.. مع صلاح الجمهور عايز يشوف النتيجة، الأسيست واستخلاص الكرة والتحرك بدونها".
2017 كان عام السعد لصلاح، قدم أفضل مستوياته على الإطلاق؛ قاد فريقه السابق روما لمركز الوصافة في جدول ترتيب دوري الدرجة الأولى الإيطالي، وأنهى الموسم كأحد أبرز نجوم الكرة الإيطالية، لم يكن ذلك من فراغ؛ سجل 19 هدفًا بقميص فريق العاصمة. صار صيدا محتملا تتسارع عليه الفرق الإيطالية، قبل أن يقتنص ليفربول خدماته مقابل 42 مليون يورو، ضاربًا 3 أرقام قياسية في ليلة واحدة "أغلى لاعب أفريقي في التاريخ، أغلى لاعب في تاريخ ليفربول وأغلى صفقة بيع في تاريخ روما".
"الكرة بالنسبة لي هي الخطيب.. ومن ساعتها ومحدش رجعنا للكرة كده غير محمد صلاح"، يقول "أبو مازن" رفيق "غالب" في مشاهدة نجم ليفربول الدائم على المقهى. لم يقتصر شغف شباب قرية الشيخ يوسف بـ"صلاح" داخل الملاعب فحسب، بل صار رمزهم المتوج: "بقينا نشوف كل حاجة بيعملها، تصريحاته وكلامه عن المنتخب، حتى العروض اللي بتجيله"، يحكي "غالب" بينما يقترب صلاح من مرمى "ليستر" عقب دقائق قليلة من مطلع الشوط الثاني. لم يكتف صلاح بمراوغة لاعب واحد؛ فأتبعه برفيق آخر افترش أرضا قبل أن يودع الكرة شباك "كاسبر شمايكل".
يُفرق عمار علي حسن، الباحث في علم الاجتماع، بين ما يجري مع محمد صلاح وما جرى في زمن الخطيب، معللا الأمر بطبيعة الزمن ومجرياته؛ من ثورة الاتصالات ومواقع التواصل التي جعلت شهرة صلاح تتزايد بصورة متسارعة، علاوة على احترافه في أكبر دوريات العالم، وكذلك يشير إلى التطور الذي جرى في نهر كرة القدم "الرياضة بقت صناعة ضخمة والاستثمار في اللاعيبة وتقديمهم للجماهير بقى استثمار كبير وينتج باحترافية متناهية، عكس زمن ارتباط الكرة بالهواية".
في الدقيقة 70 كان صلاح على الموعد، سجل هدفه الثاني في مرمى "ليستر"، فضج ملعب "إنفيلد" بالأهازيج، فيما يشارك معهم أولئك الجالسون على مقهى متواضع بقرية الشيخ يوسف: "بقينا عارفين إنه أهم لاعب في الفريق.. وكلنا ثقة إنه أفضل لاعب في إفريقيا عن حق".
عاش الخطيب أجواء حزينة، اعتاد دوما على الفوز وإسعاد جماهير الأهلي المتلهفة للانتصارات على طول الخط، فيما كان اتصال هاتفي سببا في إدخال السرور على قلبه: "لقيت صحفي إفريقي عايش في مصر بيقولي مبروك أنت أفضل لاعب في إفريقيا"، يحكي "بيبو" في لقاء تليفزيوني والبسمة لا تفارق وجهه، غير أنه ظن الأمر مجرد دعابة، قبل أن تنقلب الدنيا رأسا على عقب في اليوم التالي، وسط حفاوة شعبية برجل المشهد "محمود الخطيب".
واصل صلاح تألقه في عام 2017 بقميص ليفربول، وانفجرت موهبته بشكل مذهل في الأراضي الإنجليزية، ليختتم عام 2017 محتلًا وصافة ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي الممتاز، برصيد 17 هدفًا، وبفارق هدف وحيد خلف المتصدر هاري كين مهاجم توتنهام هوتسبر، وهداف الدوري الإنجليزي في الموسمين الأخيرين. في دوري أبطال أوروبا كان صلاح البطل الأبرز لفريق ليفربول، صوّت له الجمهور مرتين كلاعب الشهر في "البريميرليج"، وظل التألق مستمرا في "الشامبيونزليج"، بعدما سجل 5 أهداف ساهمت في تصدر الفريق الإنجليزي لمجموعته في الدور الأول، ليتأهل لمواجهة بورتو البرتغالي في دور الستة عشر، بينما يتلقى الإشادات من نجوم العالم ومدربيه الكبار.
كان مقررا أن يتلقى الخطيب تكريمه في فرنسا -دولة المجلة الأشهر "فرانس فوتبول"، كما هي العادة، لكن عبد الأحد جمال الدين، وزير الشباب والرياضة حينها، كان له رأي آخر: "اتصل يهنيني وقاللي أنت أول مصري ياخد اللقب وعاوزينك تستلم الجايزة هنا في بلدنا"، بالفعل حادث الوزير المصري نظيرته الفرنسية واتفقا على أن تحضر للقاهرة ومعها الجائزة "رفعت الكرة الذهبية في القاهرة وسط كل النجوم المصرية، ولاعيبة الأهلي أهدوني ميدالية دهب" يتذكر الخطيب اللحظة، قبل أن يمزح قائلا: "أكيد إكرامي اللي متزعمهم.. وجمع من كل واحد فيهم 10 جنيه"، يسرد الموقف وهو يشير إلى أنه لم يزل محتفظا بالميدالية وكذا الومضات لا تغيب عن مخيلته.
"الرغبة في تعظيم النموذج ودوره" هكذا يربط عمار على حسن، الباحث في علم الاجتماع السياسي بين ما سماه "ظاهرة صلاح والخطيب"، موضحا أن نجم ليفربول يتم تقديمه كمثال حي للشاب المكافح، المنضبط، الاحترافي الذي وصل ببلاده للعالمية، فيما يعود بالزمن للخلف وهو يحكي أن "بيبو" كان يقدم إعلاميا كونه نموذج للاعب، النجم، الملتزم أخلاقيا، والمحبوب من الجميع، كشخص جدير بالاقتداء من قبل الشباب.
كانت العلامة الأهم لـ"بيبو" في 1983 مع المنتخب مساهمته في صعود الفريق لكأس الأمم الإفريقية 1984 بكوت ديفوار. بينما كانت 2017 سنة السعد للمصريين الذين اعتبروا محمد صلاح "تميمة الحظ" التي أعادت لنا الوجود في مصاف الكبار بكأس العالم 2018، بعدما كانت أقدام نجمهم سببا رئيسيا في الصعود للمونديال بحسم مباراة الكونغو، ووصل بالمنتخب لنهائي كأس الأمم الإفريقية في فبراير من العام ذاته، بعد غياب ثلاث دورات عن البطولة.
"مُذهل".. هو التعبير الذي يعتبره "المستكاوي" مناسبا لظاهرة الخطيب واستقبال الجمهور له كنجم صاحب شعبية جارفة، غير أنه يؤكد أن تلك الشعبية كانت مرتبطة بالأساس داخل مصر بحكم "العالم الضيق" حينها، فيما يرى في نجم ليفربول "بطل كل العرب"؛ يعتبرونه ممثلهم في الملاعب الدولية، يتابعه الملايين عبر منصات التواصل الاجتماعي، وينادي باسمه جماهير غفيرة تشجع "ليفربول" في أرجاء المعمورة.
قبل لقاء ليفربول الأخير بالدوري الإنجليزي أمام برنلي كان أحمد غالب يهاتف صديقه بالقاهرة للسؤال عن موعد المباراة، فيما كان خبر غياب صلاح للإصابة محبطا لآماله، فيما عاوده الأمل حين فكر في الأمر كونه استراحة محارب يحصل خلالها "نجم مصر" على لقب أفضل لاعب في إفريقيا بعد غياب 34 عاما بالتمام والكمال.
داخل مدينة أكرا الغانية وقف صلاح مشدوها، ينتظر لحظة التتويج وسط منافسين، الأول "ماني" السنغالي والذي يرتدي ذات القميص الأحمر "ليفربول"، و"أوباميانج" الجابوني، هداف بروسيا دورتموند الألماني للعام التالي على التوالي. أخيرا حاز صلاح اللقب الذي يستحقه، أمسك بالدرع في فخر، لم ينس وهلة أنه إنسان لذا أهدى جائزته لأطفال مصر وإفريقيا قبل أن يفتح الأفق للمجتهدين وهو يعلنها "لا تتوقفوا عن الحلم".
فيديو قد يعجبك: