فرانكنشتاين في الزمالك.. وحش مرتضى منصور يقتل نفسه
كتب - عبد القادر سعيد:
دلف إلى غرفة مكتبه ليلاً دون أن يشعر به أحد، لم يُضئ أنوار النجفة المُبهرة، ليس فقط من أجل ترشيد استهلاك الكهرباء كما اعتاد، هذه المرة لم يكن يرغب في أن يباغته أحد باقتحام خلوته، فيراه يتململ ألماً ويعتصر حزناً على مشروعه الذي فسد.
يتحسس أكداس الأوراق والمستندات والصحف القديمة، يسلت هاتفه الذكي من جيبه فيُضاء وجهه وسط الظلام كأبي الهول في عروض الصوت والضوء، لكنه لم يكتسب من تمثال أجداده في هذه اللحظة سوى الصمت، ظل مُحدقاً في الشاشة الصغيرة، يشاهد صوراً تملؤها ابتسامته مع جيش من الصفقات الذي أنفق لأجله عشرات الملايين، ثم يغلق الشاشة ويهيم كمداً.
يوصد باب غرفته ليطمئن على خلوته، يُحاسب نفسه، كم مليوناً أنفقت؟، كم لاعباً اشتريت؟ كم مدرباً لشرطه الجزائي دفعت؟، يتوسد الأرض بظهره، يُحدج في الهاتف الذي أضاء وجهه وسط العتمة مجدداً، يبدو كمومياء تُعرض في مستطيل زجاجي تود لو أن تكلمت لتعترف بأسرار لم تكن تجرؤ على الاعتراف بها منذ آلاف السنين.
يخاطب نفسه في محاولة تملُص من المسئولية، "لقد وفرت كل عوامل النجاح، تعاقدت مع أفضل لاعبي مصر، أفضل المدربين، الرواتب تدفع في مواعيدها، ألتزم بعقودهم جميعاً وأحترمها، حتى عند فسخها ألتزم بسداد الشرط الجزائي".
يتذكر مرتضى منصور يوم 20 أغسطس 2017، المؤتمر الصحفي الذي أعلن خلاله التعاقد مع فريق جديد لنادي الزمالك والتضحية بأغلب أعضاء الفريق القديم الذي قدم موسماً صفرياً مألوفاً في قلعته البيضاء، يقرأ خبراً قديماً على متصفح هاتفه بتمتمة:"وقدم مرتضى منصور كلًا من محمود علاء ومؤيد العجان وعلاء الشبلي وأحمد داوودا وأحمد مجدي وعبدالله جمعة وأحمد الشامي ورزاق سيسيه وكاسونجو وأشيمبونج ومحمد رمضان وكابوريا وحازم إمام وكوفي وإبراهيم عبدالخالق وصلاح عاشور وخالد قمر".
يرد على نفسه في صمت:"لست مسئولاً عن هذا الانكسار، لست أنا من أهدر الفرص وخسر المباريات، لست من وضع تشكيلاً خاطئاً، تعاقدت مع نيبوشا قاهر الأهلي، وعندما فشل تعاقدت مع إيهاب جلال أفضل مدرب في مصر، لا.. لست أنا السبب في أي شيء".
أضاء غرفته وفتح شاشة التلفاز الضخمة التي تلتهم أغلب مساحة الحائط، ثم قال لنفسه في تندر "ها هي الحادية عشرة مساءً، تُرى بما تنضح برامج الرياضة الآن"، سمع مرتضى ما لم يكن يُحب سماعه، شاباً لا يعرفه ولم يشاهده من قبل يتحدث عن أزمة الزمالك، يبدو صحفياً مبتدئاً لكنه يُلفت النظر بما يقوله، يربط أمام الملايين صراحة بين رئيس الزمالك وفيكتور فرانكنشتاين الذي صنع مسخاً ليدمر حياته ويدفعه للموت.
لم يُكل مرتضى له السباب، تقوقع في مقعده وتابع بإمعان، يسأل نفسه، فرانكنشتاين؟ ماذا يقول هذا الطفل؟ لكن ذلك الطفل يجذب انتباهه من جديد "فرانكنشتاين وجد طريقة لبث الحياة، ولكي يُجرّبها جمّع جسداً من جثث متفرقة، فصنع مسخاً دون أن يقصد، كان يظن أنه بصدد اكتشاف مُذهل، سيشكره العالم على إنجازه ومجهوده في تجميع هذا الجسد بلا شك".
بدأ ذلك الشاب يقتحم حنايا فرانكنشتاين الذي يشاهده، جعله يسأل نفسه.. هل صنعت مسخاً؟، ثم يقتحمه الحديث من جديد:"رئيس الزمالك لملم جسد فريقه الحالي من أندية مُتفرقة، وقرر قتل الجسد الذي ظهر به في المواسم الماضية، وجعل الحياة تدب في الآخر الذي صنعه في الصيف الماضي، وها هي النتيجة.. مثلما حدث لفيكتور فرانكنشتاين تماماً، دمر الوحش صانعه ثم قتل نفسه".
تركيبة مرتضى منصور خسرت 6 مرات في الدوري وتعادلت 5، فقد الفريق المسخ 26 نقطة في 20 مباراة مع اثنين من المدربين الذين كانت لهما نجاحات سابقة في أماكن أخرى، الوحش الذي صُنع في الزمالك يهرع نحو منافسيه ليفتك بهم أحياناً مثلما فعل مع بتروجيت ودجلة والداخلية (3-0) 3 مرات.
ثم يرزح فجأة ويترنح سامحاً بسقوط تلو آخر (الأهلي وسموحة 3-0)، والمقاصة (3-1)، لا يسير في هذا الجسد دم ملكي كما ظنت جماهير الزمالك، الدم الفاسد هو سِمة جسد فرانكنشتاين الذي اكتسب اسمه من صانعه، ولكي يتبدل ويتطهر ويلمسه سحر المُلوك العِظام في قلعة زاموار التي حولها (فيكتور) لأطلال، يجب أن يرفع مرتضى يده عن ترقيع الجسد المُهترئ، تاركاً مهمة العلاج طويل الأمد لإيهاب جلال الذي يحاول صناعة مخلوق جديد بفلسفة تشبه تلك التي لمعت في بلاد الإغريق، وتجددت في كتالونيا، وبرقت في مانشستر، فهل ينجح جلال في تحويل فرانكنشتاين إلى جوارديولا؟
فيديو قد يعجبك: