دفتر أحوال "سيد مشاغب" من داخل سجن العقرب: أفريقيا يا زمالك
كتب- محمد زكريا:
منذ الصغر بدء وعيه يتفتح على عشق لونه الأبيض، تشجيع والده للنادي أرسله للّعب بفرقة ناشئيه، قبل أن يحتفل معه بحصاد بطولته الأفريقية الخامسة مع بداية الألفينات. عندما اشتد عوده لم يغب عن مؤازرة فريقه من المدرجات لحظة وحيدة، تعلقه بشعاره دفعه مع بعض شبابه تأسيس رابطة تحمل اسم لون علمه "وايت نايتس". قبل أن ينتهي الحال بسيد مشاغب، مقيما بسجن العقرب، على ذمة قضية ستاد الدفاع الجوي. لذا لم يكن مستغربا، أن يكون الشغل الشاغل لـ"كابو" الزملكاوية، هو غيابه عن مؤازرة الزمالك بالنهائي الأفريقي على أرضه، بعد انقطاع دام طيلة 14 عاما.
الأبيض لم يغب مرة وحيدة عن "مشاغب" في محبسه. بعد أن علم بخسارة الزمالك في المباراة الأولى بالنهائي الأفريقي، الذي غُيب عن متابعته لظروف سجنه، ضيق شديد تلبس صاحب الـ28 عاما، غصة أصابت حلقه، ذكريات تدور بعقله تزيد من آلام محبسه، بعدها بأيام كان موعد سيد مع إحدى جلسات محاكمته "المأمور كان بيهرج معاه.. قاله 3 يا سيد"، قبل أن يبادله الشاب ابتسامة خفيفة تخفي ورائها حزن عميق "أتأثر جدا عشان الهزيمة"، يحكي والده علي فهيم.
قبل ما يزيد عن 20 عاما. عندما بلغ "مشاغب" من العمر 7 سنوات، قدم له والده بمدرسة الكرة بنادي الزمالك، بعدها بأقل من 3 أشهر تم اختياره للعب أساسي بصفوف الناشئين، قبل أن يمنحه المدرب شارة قيادة الفريق الصغير "كان كابتن على أولاد جيله.. علاء علي وأحمد المرغني وحازم إمام". وبعد أن أكمل من العمر 13 عاما، خرج من النادي للمرة الأولى بسبب ظروف صحية "كان عنده مشاكل في التنفس واللحمية" يضيف الوالد.
غياب "مشاغب" عن اللعب داخل أسوار القلعة البيضاء، لم يمنعه من الزود عنه في المدرجات. وفي العام 2002 حصل الزمالك على النجمة الخامسة في بطولة دوري أبطال أفريقيا، وكان سيد ووالده أحد المحتفلين بكأس البطولة القرية "بطولة أفريقيا دي كانت بدايات سيد مع الاستاد.. حب التشجيع"، من وقتها حرص "مشاغب" دوام مؤازرة لاعبي الزمالك من المدرجات.
حال الآلاف من محبي القلعة البيضاء. غياب الجماهير عن المدرجات، منذ وقوع حادث بورسعيد في فبراير من العام 2012، دفع "مشاغب" رفقة ثلاثة من الأصدقاء الذهاب لحضور مباراة الزمالك الجماهيرية في نفس الشهر بعد ثلاثة أعوام. ليلتها تحرك الأصدقاء من شارع فيصل بحي الهرم بالجيزة، في طريقهم إلى التجمع الخامس حيث ملعب المباراة، انهمرت عليهم سيل من مكالمات تحذرهم من التهاب الأوضاع خارج بوابات ستاد الدفاع الجوي، ما دفعهم إلى تغيير وجهتهم "رجعوا من المنيب، ومرحوش الاستاد"، يقول "فهيم".
بعد أن علم مشاغب بوقوع عدد من رفقاء المدرج قتلى أمام بوابات ملعب المباراة، أصابت الصدمة الشاب العشريني "نفسيته تعبت ومكناش عارفين نكلمه.. كان حزين جدا واختفى أسبوعين"، يضيف "فهيم". وبعد مرور أقل من شهرين على وقوع الحادثة، كان "مشاغب" أحد المتهمين في قضية "أحداث الدفاع الجوي".
على الورق يمكن اعتبار الموقف القانوني لـ"مشاغب" جيد، لكن الواقع يشير إلى غير ذلك؛ فهو مسجون احتياطيا منذ أكثر من 6 أشهر، بجانب إيداعه الحبس الانفرادي بسجن العقرب الذي يضم المحكوم عليهم من شديدي الخطورة، حسب محمد فتحي، المحامي بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وأحد أعضاء هيئة الدفاع عن المتهمين في قضية "أحداث الدفاع الجوي".
ويضيف المحامي بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لـ"مصراوي": أن هيئة الدفاع عن المتهمين قدمت بلاغات لمصلحة السجون والنائب العام وقاضي التحقيق تطلب نقله من "العقرب" ولم يلتفت أحد لطلباتها.
اتهام "مشاغب" في قضية "أحداث الدفاع الجوي"، التي راح ضحيتها 22 من مشجعي الزمالك، يثير غضب والده "طيب إزاي.. سيد دخل المدرج ولمّ الشباب حواليه". بعد وفاة عمرو حسين أحد أعضاء رابطة "وايت نايتس"، الذي تلقى رصاصة أمام بوابات النادي، في سبتمبر 2013، "مرتضى منصور كان بيحرضهم يعملوا مشاكل ضد ممدوح عباس رئيس النادي وقتها" يقول "فهيم"، هو ما رفضه "مشاغب" بشدة "سيد وقف وقالهم متسمعوش كلام حد.. عمرو حسين ميرضيهوش أن حد منكم تاني يتأذي.. لازم نحافظ على نفسنا.. واتحدى مرتضى منصور قدام النادي" يردف الوالد.
في كل زيارة للوالد إلى محبس ابنه، بعد أن يُطمئن "مشاغب" والده على أحواله، يسأله عن أحوال ناديه "اضايق جدا لما عرف أن حصل مشاكل مع الجماهير في ماتش قبل النهائي". رغم ما يلقاه "مشاغب" في محبسه من تنكيل متعمد، حسب المحامي بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إلا أنه يرفض تنظيم أي احتجاجات تضامنا معه "لما الشباب حب يعمل كذا وقفة، قال مش عايز وقفات.. مش عايز حد يتأذي".
على بُعد ساعات من انطلاق المباراة الثانية في النهائي الأفريقي، يُمني "مشاغب" النفس بفوز يُعيد إلى الزمالك اللقب الغائب عن جماهيره منذ سنوات بعيدة "سيد بيفتخر بالزمالك وتاريخه، مش عايزه يضيع مهما كانت الأسباب، بيقولي دايما: الرؤساء زائلون المهم الكيان". ورغم أن صوته مكتوم بفعل حبسته، إلا أنه يطالب أبناء النادي مؤازرته من مدرجات ستاد برج العرب بالإسكندرية "قالي ياريت الناس كلها تروح وتشجع وتهتف.. أفريقيا يا زمالك".
فيديو قد يعجبك: