"يحبون الحياة ما استطاعوا".. كيف يستقبل أهالي غزة شهر رمضان تحت القصف؟
كتبت- سلمى سمير:
ساعات قليلة ويهل شهر رمضان على غزة التي تعيش في حرب وحصار منذ السابع من أكتوبر، القطاع الذي يصوم أهله مجبرين صيام لا إفطار فيه ولا سحور، بسبب التجويع الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي عليهم منذ نحو 6 أشهر، يأملون أن يطل عليهم رمضان بدون حرب الإبادة التي يعيشون بها.
عُرف عن شعب غزة أنه يُحب الحياة ما استطاع إليها سبيلا ـ فرغم أن شبح القصف والجوع يخيمان بوضوح على المشهد، إلا أن ذلك لم يمنع البعض من استقبال الشهر الكريم كما اعتاد في السابق، ومن هؤلاء كانت سارة عبد الناصر الفتاة الفلسطينية التي تقطن رفقة عائلتها داخل إحدى خيام النازحين في مدينة رفح جنوبي القطاع.
نزحت سارة رفقة عائلتها من منزلها شمال القطاع أملًا في النجاة إلى الجنوب، منذ اللحظة التي أعلن فيها الاحتلال الإسرائيلي جنوب غزة منطقة "آمنة" مطالبًا سكان الشمال بالتوجه إلى الجنوب لكن بعد أسابيع قليلة اكتشف النازحون أن تلك كانت مجرد كذبة روجها الاحتلال لإجبارهم على الخروج من منازلهم.
كانت سارة تأمل أن تقضي رمضان داخل منزلها، لكن القدر شاء أمرًا آخر إلا أنّ هذا الأمر لم يمنعها عن استقبال الشهر ببهجته المعتادة لديها، فسعت الفتاة العشرينية لإدخال البهجة والسرور قدر الاستطاعة على النازحين.
بدأت سارة في جمع الأطفال الصغار ممن يقيمون بالمخيم الذي تقطن به الفتاة، ومشاركتهم في العمل على تزيين الخيام وإضائتها وتلوينها وتوزيع فوانيس رمضان، لترسم الفتاة الفرحة ليس على وجوه الصغار فقط بل على وجوه الجميع ممن يقيمون بالمخيم، " بنحاول نحس ببهجة قدومه ولو بأدوات بسيطة".
مهمة الفتاة العشرينية لم تنتهي بعد، فكان لها دورًا كبيرا في محاولة توفير مواد غذائية وطعام للعائلات داخل المخيم، عن طريق مناشدتها التي كانت تطلقها للمقيمين خارج القطاع، ونجحت في توفير كميات لا بأس بها لسد جوع البعض، لتكون سارة سببًا في إدخال البهجة والسرور على قلوب الصغار والكبار قبل الشهر الفضيل.
كانت سارة تحاول إدخال البهجة على مخيمها، لكن الأمر اختلف مع الشاب طارق رجب، والذي اختفت ملامح بهجة رمضان عن خيمته التي يقطن بها في مدينة رفح، بعد انقطاع أخبار عائلته عنه جراء حصارهم في شمال القطاع.
الشاب الذي يعمل كمتطوعًا في الهلال الأحمر الفلسطيني، ودع منزله في بيت لاهيا شمالي القطاع منذ اليوم الأول للحرب في الـ7 من أكتوبر، حيث كان بيته الجديد الذي كلفه بنائه 45 ألف دينار أردني من أوائل البيوت المقصوفة، كتب القدر لطارق وعائلته عمرًا جديدًا، تنقل من منزل لآخر، لكن وفي اليوم الـ81 للحرب اضطرار طارق زوجته وأبنائه الصغار للنزوح جنوبًا.
"كل لقمة تدخل فمي كالسم بالنسبة لي" قالها طارق ألمًا بعد تقطع الأوصال والأخبار بينه وبين أهله في الشمال الجائع المحاصر منذ وقت طويل، ورغم أنه في الجنوب لكن الوضع ليس سهلًا على الإطلاق وفق تعبيره، فغلاء الأسعار زاد الكارثة سوءًا، مع هجوم بعض قطاع الطرق على شاحنات المساعدات وسرقتها وبيعها في الأسواق بأسعار خيالية لا يقتدر عليها أب يسعى لتدبير قوت صغاره المرضى مع اقتراب شهر رمضان.
حالت طارق تشابهت كثيرًا مع عوني عطوة، الذي ينتظر شهر رمضان بلا أهل أو أصدقاء، بعد استشهاد نصف عائلته في قصف الاحتلال لمنزلهم في شارع الوحدة الذي يقع بالقرب من مجمع الشفاء شمال قطاع غزة.
"لا توجد أي فرحة برمضان ونحن نموت" لم يدخل الطعام فم عوني ومن تبقى من أسرته منذ 5 أيام ،حيث ظلوا جائعين في وقت أصبح أقصى طموح الأهالي الحصول على وجبة طعام مهما كانت.
"لا أعلم إن كنت سأستطيع إكمال سرد القصة أم سأصبح أنا القصة" يقول عوني الذي أتم عيد ميلاده الـ24 اليوم، وهو لا يعلم إن كان يمتلك من القوة ما يكفي لإكمال يومه أم لا بسبب نقص الطعام.
رجاء عوني في رمضان هذا العام مختلف، مع تجسد كل طلباته في دعاء واحد وهو الاستشهاد، حد تعبيره مع فقدان رغبته بالحياة بعد فقدان إخوانه الـ3 في قصف الاحتلال لمنزلهم غدرًا الذي رغم تنبيه قواته لهم بإخلاء البيت إلا أنهم قصفوهم أمام باب منزلهم، ومع ذلك يخيم عليه الخوف من فقدان أخيه حديث الولادة والذي لا يمكنه تدبر أمره فلا لبن أمه الجائعة يستطيع إشباعه ولا حليب صناعي لإنقاذه.
فيديو قد يعجبك: