كيف أحيا الأئمة الأربعة رمضان؟.. قصة "العشر الأواخر" التي قضاها ابن حنبل في السجن
كتبت – آمال سامي:
في العشر الأواخر من رمضان، يجتهد عامة المسلمين وخاصتهم في التقرب إلى الله سبحانه وتعالى التماسًا للعفو والمغفرة والعتق من النار، وتتعلق القلوب بتمني شهود ليلة القدر والقبول فيها، فكيف بصالحي هذه الأمة وسلفها الصالح؟ والأئمة الأربعة هم خير من يمثل لنا حياة السلف في تلك الأيام..
يشغل الإمام الشافعي مكانة كبيرة في قلوب المصريين، حيث كانت تطورات مذهبه على أرض مصر، ونهاية حياته على أرضها كذلك، وله ضريح بشارع الإمام الشافعي الواقع بحي الإمام الشافعي، وتروي لنا كتب التراجم والسير كيف كان الشافعي رحمه الله يحيي ليالي رمضان، فقد روى أبو نعيم في الحلية والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد عن الربيع بن سليمان قوله: كان محمد بن إدريس الشافعي يختم في شهر رمضان ستين ختمة ما منها شيء إلا في صلاة.
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء عن الربيع بن سليمان أن الشافعي ، رحمه الله، كان يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة، كذا كان الإمام ابو حنيفة رضي الله عنه، فقد روي انه كان يختم القرآن كل يوم وليلة مرة، وفي رمضان كل يوم مرتين، مرة بالنهار ومرة بالليل، أما الإمام مالك رحمه الله،وهو إمام دار الهجرة، وأحد الأئمة الأربعة الكبار، كان إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث ومدارسة أهل العلم وأقبل على التعبد والصلاة وقراءة القرآن.
أما الإمام أحمد بن حنبل فكان يمكث في المسجد في رمضان ولا يغادره إلا لضرورة، وكان يجلس يتعبد فيه وكلما انتقض وضوءه عاد ليجدده، ويروي عائض القرني في كتابه "اقبلت يا رمضان" أن ابن حنبل كان يقول للناس هذا هو الشهر المكفر فلا نريد أن نلحق به الأشهر الأخرى في المعاصي والخطايا والذنوب.
أحمد بن حنبل وأيام المحنة في العشر الأواخر من رمضان
قال ابن المديني: " إن الله - عز وجل - أعزَّ هذا الدين برجلين لا ثالث لها أبو بكر الصديق يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة"، إنها محنة ابن حنبل الشهيرة في قضية "خلق القرآن" والتي كانت في شهر رمضان عام 220 هجريًا، حيث كان يلقى من العذاب الشديد في سجنه حتى في العشر الأواخر من رمضان، لكنه مع ذلك كان يأبى أن يفطر، فيروي الخطيب البغدادي في كتابه "تاريخ بغداد" عن أبو غالب بن معاوية: "ضُرب أحمد بن حنبل بالسَّياط في الله فقام مقام الصِّدِّيقين في العشر الأواخر من رمضان سنة عشرين ومائتين".
وعلى الرغم من أن جلاديه لم يرأفوا بحاله وكانوا يعذبونه وهو صائم إلا أنه لم يرد أن يفطر حين عرضوا عليه الماء، فكان الخليفة المعتصم يسلط جلاديه على ابن حنبل حتى يقر بأن القرآن مخلوق، وكان رحمه الله يرفض ذلك رغم وطأة التعذيب، ويروي الذهبي في سير أعلام النبلاء كيف جاء المعتصم إليه وقال له: "ويحك يا أحمد، أجبني إلى شيء لك فيه أدنى فرج حتى أُطلق عنك بيدي". فأجابه ابن حنبل قائلًا: "أعطوني شيئاً من كتاب الله أو سنة رسول الله أقول به. قال: فرجع وجلس، فقال المعتصم للجلاد: تقدم، فجعل الجلاد يتقدم ويضربني سوطين ويتباكى وهو في خلال ذلك يقول: "شُدَّ قطع الله يدك". قال أحمد: "فذهب عقلي، فأفقت بعد ذلك فإذا الأقياد قد أُطلقت عني"، فقال لي رجل ممن حضر: "إننا كببناك على وجهك وطرحنا على جنبك بارية ودسناك". قال أحمد: فما شعرت بذلك، وأتوني بسويق فقالوا لي: اشرب وتقيأ". قال الإمام: "لست أفطر".
وينقل لنا الذهبي رواية أحد الرجلين اللذين كانا مع ابن حنبل في محبسه، والذي كان يدعوه ليفطر ويشرب جرعة ماء فهو في موضع عطش وتعب شديد، وبعد أن اقنع الإمام قليلًا طلب ابن حنبل من صاحب الشراب قدحًا ليعطيه فيه ماء، فناوله قدحًا فيه ماء وثلج، فأخذه ونظر فيه ثم رده ولم يشرب، فيقول الرجل: فجعلت أعجب من صبره على الجوع والعطش وهو فيما هو فيه من الهول.
فيديو قد يعجبك: