"الأمن والعمال حضنونا".. مغني الكورال يحكي كواليس حفل موكب المومياوات

كتبت-رنا الجميعي:

"يا جماعة اللي هيغلط غلطة، هتتسجل في التاريخ".. كلمات لا تزال ترنّ في أذن محمود وحيد، قالها المايسترو نادر عباسي أثناء التحضير لحفل موكب المومياوات الملكية، فيما كان وحيد واحدًا من مُغنيي الكورال الخاص بأوركسترا الحفل الذي أقيم، أمس، بمتحف الحضارة.

تجربة فريدة من نوعها شارك فيها وحيد، يعلم أنه سيحكي لأولاده عنها يومًا ما "ده حدث زي افتتاح قناة السويس عام 1869 مثلًا"، يقول مغني كورال أكابيلا بدار الأوبرا لمصراوي، فيما تداخلت مشاعر الفخر والشغف به، فمنذ بداية البروفات أحسّ وحيد بفخامة الحدث، بالذات مع التأليف الموسيقي العظيم لهشام نزيه، حيث يرى وحيد أن نزيه نجح في تأليف ألحان تجمع بين الشكل الكلاسيكي للغناء والموسيقى الفرعونية القديمة "كنا مبهورين وفي نفس الوقت قلقانين، هل الناس هتستمتع بالموسيقى دي زينا؟".

وجاءت الإجابة بعد شهور من العمل، حيث قامت الأوركسترا بتسع بروفات كاملة، فيما يقوم العمل الموسيقى في أساسه على الكورال الجماعي، أي تعدد الأصوات، ووصل عدد فريق الكورال لأكثر من ثمانين مغني، من بينهم وحيد، وكانت آخر بروفة قامت بها الأوركسترا يوم الخميس الماضي، وبعد الحفل وجد مغني الكورال الإجابة في احتفاء الجميع بالحفل الأسطوري "كنت متوقع ردود فعل إيجابية، لكن اتفاجئت إنها أكتر من كدا، كانت مبهرة".

وتلقى وحيد تعليقات عديدة من داخل وخارج مصر "زمايلي الموسيقيين في لبنان والمغرب كانوا بيباركولي"، وما أعجبه أيضًا أن هناك أحيانًا تتكون بعض الانتقادات "لكن المرادي مفيش حد قايل حاجة وحشة، كل الناس مبسوطة على كل المستويات من غنا ورقص وديكور".

يُدرك وحيد أن السبب الرئيسي في ذلك هو الانضباط؛ فمايسترو عباسي نجح في توحيد الأوركسترا تمامًا، ويقول مغني الكورال إن عباسي كان لطيف جدًا في الأوقات المناسبة لذلك، وجاد أيضًا في الأوقات التي تحتاج إلى ذلك "كان قادر يوجهنا سواء احنا المغنيين أو الآلات المستخدمة، وعارف قيمة العمل اللي بيقدمه"، كذلك وضّح أن عباسي كان يحترم الأوركسترا التي يقودها ويسيطر عليها في آن واحد "ودي شطارة منه"، وخلال البروفات كان عباسي يستمع لكل شخص على حدة "ويغير مكان قيادته ويقف في وسطنا لما البروفات تطول ونزهق".

ولم تكن تلك المرة الأولى التي يعمل فيها وحيد بقيادة عباسي، فقد شارك قبل ذلك في حلقة موسيقى مودي الإمام التي قادها عباسي ببرنامج "صاحبة السعادة"، كما أن وحيد يعمل كمؤلف موسيقي ومايسترو كورال جامعة عين شمس، وحاز على أفضل مؤلف موسيقي في مهرجان المسرح القومي عام 2015.

وبجانب الجمل التي يحُثّ عباسي عليها الأوركسترا، كان وحيد يعلم جيدًا قيمة الحفل الذي يُشارك فيه، وصعوبته أيضًا، فالعمل الموسيقي الذي ألفه نزيه لم يكن سهلًا أبدًا، خاصة مع الجزء الخاصة بالترنيمة المغناة باللغة المصرية القديمة "دي كانت أول مرة أغني فيها باللغة دي"، ووجد وحيد صعوبة في غنائها "كنا بنحفظها بأشكال معينة ومعانا المراجع اللغوي بيعدل علينا"، ولم يكن المراجع اللغوي فقط هو الذي يقوم بالتعديلات، لكن وزير السياحة والآثار، دكتور خالد عناني، كان موجودًا في التحضيرات النهائية "وكان بيعدل على نطقنا للكلمات، زي حرف الجيم اللي لازم يتعطّش".

كانت مشاركة مميزة بالنسبة لوحيد "لأن احنا منعرفش أصلًا المصريين القدماء كانوا بيغنوا ازاي"، وحاول المغني استحضار ألحان مُشابهة لذلك، فوجدها في لحن غولغوثا القبطي "وهو لحن فرعوني قديم عليه كلمات مكتوبة في العصر القبطي، وده أقرب شكل للموسيقى المصرية القديمة".

حالة الانضباط التي يصفها وحيد لم تكن فقط في أداء الأوركسترا، بل حتى في الملابس نفسها "كان فيه متخصصين بيقولولنا لازم نركز في كل التفاصيل، حتى المنديل اللي حاطينه جوة جاكت البدلة لازم يبقى ظاهر كام سنتي منه، والبابيون تبقى عاملة ازاي، كانوا مغذيينا بفكرة إن الحفل ده عالمي، ومهتمين يطلعوه بأفضل صورة".

وفي يوم الحفل نفسه استيقظ وحيد مُبكرًا، وتواجد ضمن فريق الأوركسترا منذ الثانية عشر ظهرًا "عشان خاطر نلبس ونعمل تيست للصوت"، وكانت الأجواء ما قبل الحفل مبهجة "كان فيه بهجة بين الناس كلها في متحف الحضارة، حتى العمال والأمن، كان عندهم روح فخر"، فيما تفاجأ بالاستقبال المشرف من العاملين وراء الكواليس، من مهندسين صوت واضاءة والصنايعية جميعًا بعد الحفل "واحنا نازلين على السلم كانوا بيصقفولنا وبيحضنونا، وفيه منهم اللي كان بيزغرد، كأن ده فرحهم".

يعمل وحيد كمغني كورال جماعي بدار الأوبرا المصرية منذ عام 2009، ولكنها كانت المرة الأولى التي يشعر فيها بتلك الحفاوة البالغة، خاصة أن الغناء الجماعي في مصر منسيّ لفترات طويلة "من أيام سيد درويش والمطربين القدام محدش اهتم بيه"، وأخيرًا قد جاءت الفرصة لتسليط الضوء على الغناء الجماعي "ويبقى عندنا عمل موسيقى شبه الأعمال الكلاسيكية العالمية، وداخل فيه الربابة والناي فيبقى شبهنا فعلا مش متغرّب".